نعم بوتن يفضل أوكرانيا الاستراتيجية على إيران الضعيفة فيخلع القفاز سريعا، لكن يجب أن لا ننسى أيضا أن ترامب طلب من عائلات العسكريين في القواعد الإمريكية مغادرة بعض البلدان القريبة من إيران، وحذرت أميركا رعاياها أيضا قبيل بدء الهجوم الإسرائيلي بيومين تقريبا، وحين سُئل ترامب عن سبب ذلك قال: سترون بأعينكم. إذن أمريكا في تفاصيل الهجوم منذ التخطيط والتنفيذ، لكنها نأت إعلاميا بنفسها، لتراقب تطورات المواجهة، ربما لم تتوقع أمريكا الهشاشة الإيرانية العسكرية والإنكشاف الاستخبارتي الكبير، ولم تدرك حجم الإختراق الإسرائيلي الموجع لطبقات الدولة الإيرانية، الذي ضرب الرؤوس القيادية، والقواعد العسكرية ومنصات الصواريخ، وحيد سلاح الجو الإيراني في ساعات، هنا بدأ ترامب يتخلى عن حذره، بل نحّى الخيار السلمي جانبا، ولم يعد يقبل بالمفاوضات، ويطالب بالإستسلام الكامل فماذا يعني ذلك؟؟.

 

 

ناقلات الطائرات الأمريكية تحركت باتجاه المنطقة، ولجنة خاصة بالشرق الأوسط يشكلها ترامب على عجل، ولأول مرة يتحدث ماكرون عن مخاطر تغيير النظام الإيراني بالقوة العسكرية، ومخاوفه ارتبطت بالقلق على موارد الطاقة، إذن المسألة تتحول من تمنيات ورغبات إلى خطط وخطوات سريعة التنفيذ، ربما مرد ذلك أن زخم القوة الصاروخية الإيرانية في تراجع رغم الاستمرارية، القيادات العسكرية الإيرانية تتساقط بتسارع مربك، التلفزيون الإيراني يقصف ويصاب استديو البث بدقة، ونعلم أن أي مبنى تلفزين يضم عددا كبيرا من الاستديوهات!! الإختراق الموسادي مرعب ولم يتضح مداه حتى اللحظة، فإيران تقصف من أرضها ومن سمائها على مدار الساعة، وتصريحات مدروسة عن القدرة على تصفية المرشد وأن مكانه معروف، وهذه تؤخذ كتهديد ووعيد وتؤخذ أيضا كتمهيد للرأي العام العالمي لمثل هذه الخطوة.

 

 

هذا يؤكد أن البرنامج النووي الإيراني لم يعد المطلوب الأول، خاصة بعد قصف منشآته وإصابتها بشلل كبير، لقد ارتفع سقف الأهداف الإسرائيلية / الأمريكية، فصار تغيير النظام الإيراني فرصة ذهبية يصعب تكرارها، فالدولة في حالة ضعف، والنظام يتلقى ضربات قاسمة، وحلفاء إيران التقليديين في حالة سكون وشبه صمت، ويتحدثون بلغة الوسطاء لا الحلفاء، فهل يقبض بوتن ثمن إيران في أوكرانيا؟ التاريخ القريب يقول نعم، فسبق أن تخلت روسيا عن نظام العراق السابق، وعن ليبيا وأخيرا عن نظام بشار الأسد، ضمن تسويات غير معلنة، واليوم فإن أوكرانيا أكثر أهمية استراتيجية ووجودية لروسيا من أي حليف ضعيف وبعيد.

 

 

من جديد فإن الساعات وليس الأيام القادمة ستكشف حجم التحولات، هل لدى إيران خيارات مخبأة، الواقع يقول غير ذلك، وهل سيكون السقوط مفاجئا ومدويا، أم طويلا ودمويا؟ وما هي خيارات إسرائيل وأمريكا في هذا الأمر؟، إسرائيل قطعت أكثر من نصف الطريق فهل تتوقف هنا؟ المنطق يقول أيضا غير ذلك، نعم كثير من الغموض داخليا وخارجيا يلف الأمر في أهم جوانبه، لكن الإنكشاف أيضا يتسارع، ملقيا على المشهد ضبايبة مستقبلية، نتياهو يقول الشرق الأوسط سيتغير؟ بالتأكيد سيتغير ولكن كيف؟ هل لدى أمريكا وإسرائيل خطط لما بعد سقوط نظام طهران؟ أم أن الأمور ستدفع إلى نهايتها ثم يتم التعامل مع المستجدات خطوة خطوة، وربما أن الفوضى التي تعقب سقوط أي نظام عسكريا، هي ما يريده الغرب تماما، بهدف تفكيك إيران وإعادة تقسيمها من جديد، وقد فعلت ذلك بدول أصغر وأكثر انسجاما عرقيا أثنيا، وهذا بالتحديد ما يجعل هذه الأسئلةهي إجابات في حد ذاتها.