عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Jul-2025

أكلت يوم أكلت المقاومة المسلحة*سائد كراجة

 الغد

منذ النظام السابق ومرورًا بالنظام الحالي، دأبت إسرائيل على ضرب العمق السوري بشكلٍ مهين سياسيًا وعسكريًا. رغم أن النزاع في الجنوب، فإن السويداء تُضرب وتُضرب معها وزارة الدفاع في قلب دمشق. وهذا تنفيذ لاستراتيجية المشروع الصهيوني الذي قام على ضرب فكرة المقاومة قبل المقاومة ذاتها؛ ليصل العالم العربي إلى الكفر بأي نوع من أنواع المقاومة.
 
 
 لهذا فإن إسرائيل لم تواجه الثورة الفلسطينية فقط على الأرض، بل واجهتها أيضًا في الوعي العربي والسيادة العربية، حيث سعت إلى تفكيك أي بنية عربية يمكن أن تحتضن مجرد التفكير بمقاومة إسرائيل.
 
 الهدف من عدوان إسرائيل أبعد من تدمير قواعد أو تعطيل خطوط إمداد، بل هو كسر جدوى فكرة المقاومة داخل الإقليم العربي، وتحويلها من أداة تحرر إلى عبء مزعوم يُبرَّر تجاوزه باسم الاستقرار وتحقيق السلام لدولة «وطنية» لا تملك في أغلب الأحيان خيارات سياسية حقيقية على الأرض.
 تُنفَّذ هذه الاستراتيجية تحت غطاء الصمت الإقليمي، وتُستثمر فيها التوترات الطائفية والانقسامات المحلية، تمامًا كما هو الحال في الجنوب السوري، حيث تُقوَّض مركزية الدولة وتُفرَّغ من قدرتها على الفعل، لتُمنع من أداء أي دور داعم أو حاسم.
 المشهد في غزة يُكمّل هذه الخطة. فمنذ 2007، تُخنق المقاومة الفلسطينية بحصار بري وبحري وجوي بحجة الأمن، لكنه في حقيقته عقاب استراتيجي على التمسك بخيار المقاومة؛ إذ جرى تفريغ القطاع الذي صمد في وجه حروب متتالية من رمزيته، ليُقدَّم اليوم كحالة إنسانية محاصرة لا كنموذج مقاوم، وسط بيئة عربية انتقلت من الدعم إلى التحفّظ، ومن التحفّظ إلى التجاهل.
 لكن ما يجري في غزة اليوم، منذ تصاعد الحرب في أواخر 2023، يتجاوز المفهوم السياسي إلى ما تُصنّفه المؤسسات الدولية كـ”جريمة إبادة جماعية محتملة”. فوفق تقارير الأمم المتحدة في يوليو 2025، يعيش أكثر من 85 % من سكان غزة في المرحلة الخامسة من الجوع، وقد وصفت منظمات مثل أمنستي وهيومن رايتس ووتش هذا الحصار بأنه تجويع متعمّد كوسيلة حرب!
 في هذا السياق، صدرت فعلًا مذكرات توقيف دولية في 2024 ضد مسؤولين إسرائيليين، بينهم رئيس الوزراء نفسه، بتهم استخدام التجويع كأداة إبادة. محكمة العدل الدولية أمرت أيضًا بتسهيل إدخال المساعدات ومنع ارتكاب “جرائم محتملة”، ولكنه كلام على الورق فلفجوة بين النصوص القانونية والتنفيذ بقيت واسعة جدًا، لأن لا أحد يملك الآلية القسرية ولا الوزن السياسي الكافي لفرض تلك القرارات. القانون الدولي يصرخ، والعالم يكتفي بالتوثيق.
هنا لا يمكننا وصف تخلّي الدول العربية عن المقاومة بأنه مجرد خذلان للفلسطينيين. المسألة أعمق وأكثر خطورة: إنه تفريط مباشر في أدوات الدفاع الذاتية لهذه الدول، وتنازل ضمني عن أي قرار سيادي حقيقي. المقاومة، بكل أشكالها، كانت ركيزة في مفهوم الردع العربي. غيابها خلق فراغًا واسعًا استغلته إسرائيل لتفرض هيمنتها وتحوّل الحصار من سلوك استثنائي إلى سياسة دولية غير مكلفة، بلا أي ثمن سياسي تقريبًا!
 أما العالم.. فلا جديد هنا. مؤسسات دولية تصدر إدانات وتكتب مذكرات توقيف، ثم تتوقف عند حدود ذلك. في النهاية، الموقف الفعلي هو قبول ضمني بما يجري، لأن ميزان القوة يفرض منطقه. الدعم الأمريكي لإسرائيل ثابت، وواشنطن تهدد القضاء الدولي حين يقترب من الخطوط الحمراء، كما حدث عندما فرضت عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية. الرسالة واضحة: القانون الدولي بلا وزن سياسي وعسكري يظل مجرد شعارات.
 والنتيجة؟ بديهية: المقاومة لا تُهزم حين تُحاصر، بل حين تُترك وحدها. حين تتخلى الدول عن هذه الفكرة، فهي لا تخذل الفلسطينيين فقط، بل تُفرغ نفسها من أي قدرة على رفض الهيمنة أصلًا. وهكذا، لا تُؤكل المقاومة فقط حين تُستهدف، بل حين تصمت الدول واحدة تلو الأخرى، وكأنها تقول: “افعلوا ما شئتم، المهم لا تزعجونا.”
 والقانون الدولي، لكي يكون معيارًا أخلاقيًا حقيقيًا، لا يكفي أن يُكتب في المؤتمرات، بل يحتاج إلى أوطان تملك الكلمة والوزن. أما حالة الحياد التي يتحصن بها العالم العربي والإسلامي هي مشاركة حقيقية فاعلة في تجويع غزة. المقاومة أكبر وأقدم وأعرق من حماس. تمسّك بالمقاومة لتبقى، هذا عنوان المرحلة جنابك.