الأثر البيئي والتربوي برواية "بصمة كربونية".. نحو وعي بيئي مستدام
الغد-د. مجد الدين خمش
تتناول رواية "بصمة كربونية" للكاتبة روند الكفارنة الموجّهة لليافعين والشباب عددًا من الثيمات والمفاهيم المهمة المتعلقة بالبيئة في الأردن والوطن العربي، وأهمية العمل في الزراعة وتفضيله على الوظائف الحكومية. كما تسلّط الضوء على قضايا التغير المناخي وتأثيراته البيئية، وأهمية زراعة الأشجار وحمايتها، ودورها الحيوي في مكافحة التلوث وتنقية الهواء.
وتتطرق الرواية كذلك إلى موضوعات توفير فرص العمل ومصادر الدخل للشباب، ومسؤولية الأفراد والمؤسسات في حماية البيئة وضمان استدامتها للأجيال القادمة، بالإضافة إلى السلوكيات الاجتماعية التي ينبغي تعزيزها تربويا، لتشجيع زراعة الأشجار والمساهمة في حماية البيئة من التلوث والتدهور.
يأتي كل ذلك ضمن إطار سردي مشوّق، وبأسلوب يُراعي مدى إدراك اليافعين، حيث تستيقظ قرية "أم التفاح" على مشهد غريب: اختفاء الأشجار المقطوعة دون معرفة الفاعل. ينشغل الفلاح المتمرّس أبو محمود، الذي احترف الزراعة منذ صباه وفضّلها على العمل الإداري، بهذا الحدث الغريب. وهو أيضًا جدّ سحر، الفتاة اليافعة والشخصية الرئيسة في الرواية، المهتمة بالزراعة وحماية البيئة.
تحاول سحر، بمساعدة الفتى سالم، الإعلامي النشط المغرم بتطبيقات التواصل الاجتماعي وتأثيرها في الناس، ومعهما الجد المزارع وجارهما الدكتور عمر، الرجل الموسوعي، التوصّل إلى السبب العلمي وراء اختفاء الأشجار أو قطعها. فيقوم الفريق بتركيب كاميرات إلكترونية لمراقبة الحقول ليلًا، ويتناوبون على السهر بهدف كشف الفاعل الغامض.
وبعد عدّة ليالٍ من السهر والمراقبة، تبدأ الشكوك تحوم حول المهندس الزراعي خلدون، الذي كان قد حاول مكافحة فئران الحقول من خلال تربية طيور البوم، التي تتغذّى على الفئران والزواحف. غير أن هذه الطيور نقلت مرضًا غامضًا إلى بعض الأشجار، مما اضطر خلدون إلى قطعها. لكن، وبعد سلسلة من الشكوك والاتهامات، يتبيّن أن خلدون ليس الفاعل الحقيقي.
وبمساعدة الدكتور عمر، واستنادًا إلى تسجيلات الكاميرات الإلكترونية، يتمكّن الفريق أخيرًا من كشف الحقيقة والقبض على الفاعل الحقيقي، الذي يتضح أنه تاجر المكيّفات في البلدة القريبة من قرية "أم التفاح". فقد قام هذا التاجر بنشر حشرة "حفّار الساق"، التي فتكت بالأشجار، وأدّت إلى جفافها، مما سهّل عليه قطعها ونقلها دون إثارة الشبهات.
كان دافعه من وراء ذلك جشعا محضا؛ إذ أراد أن ترتفع درجات الحرارة في القرية ويتفاقم تلوّث الهواء، فيضطر السكان إلى شراء المكيّفات من متجره. وبعد مناقشة الأمر وتداول الرأي بين الأهالي، يُتّخذ قرار بإلزام التاجر بزراعة عدد من شتلات الأشجار يزيد عن عدد تلك التي تسبب في تلفها وقطعها، وذلك لتجنّب المساءلة القانونية، ولضمان تعويض الضرر البيئي الذي تسبّب فيه.
وعن الأثر البيئي في الرواية: يُعد الأثر البيئي في هذه الرواية إيجابيًا وقويًا، خاصة إذا ما تم تعميم الرواية على جمهور واسع من الفتيان والشباب، وقراءتها بجدية في سياقات تربوية وتثقيفية، ومناقشتها بشكل جماعي، أو عرضها في شكل درامي. ويُفضّل أن يتم ذلك ضمن إطار مؤسسي بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، أو وزارة البيئة، لما في ذلك من تعزيز للوعي البيئي بين الأجيال الناشئة.
تُقدَّم رواية "البصمة الكربونية"، ضمن المحور المعرفي والتوعوي، مجموعة واسعة من المفاهيم البيئية بطريقة مبسطة ومترابطة، تراعي الفئة العمرية المستهدفة. ومن أبرز هذه المفاهيم:البصمة الكربونية: الأول، وتشرح عددًا كبيرًا من المفاهيم البيئوية، مثل: البصمة الكربونية التي تتغير من مكان إلى آخر تبعًا لعدد الأشجار، ودرجة التلوّث، والتغيّر المناخي، والاحترار العالمي، والغازات الدفيئة، وطبقة الأوزون وتعرضها للتلف مما يسبب الاحترار العالمي والتغيرات المناخية في الأردن وفي العالم المسبب لتراجع المهن الزراعية، وتزايد البطالة والفقر، مفاهيم الطاقة المتجدّدة، والسماد العضوي.
في هذا المحور، تسعى الكاتبة إلى التأثير في مشاعر القارئ ووجدانه، من خلال استخدام تعبيرات محملة بالقيم البيئية، تهدف إلى تعزيز الارتباط العاطفي بالطبيعة، وتحفيز حب الأرض والعمل الزراعي. ومن بين العبارات التي تستخدمها الرواية لتعزيز هذا الارتباط: "أُمّنا الأرض"، "حب الزراعة والعمل فيها"، "حب زراعة الأشجار" ، "الحفاظ على البيئة لأحفادنا"، "حب الرياضة، خصوصًا المشي والجري".
تُظهر الرواية كيف أن السيارات تسهم في استنزاف طبقة الأوزون، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة الأرض، في حين أن الأشجار تقوم بتنقية الهواء، ومنع انجراف التربة، وتمثل مصدر دخل للمزارعين، كما في حالة "المستكة" التي تُستخرج من شجر البطم وتُباع بأسعار جيدة.
وتضيف الكاتبة بُعدًا رمزيًا من خلال استخدام ألقاب ذات طابع قيمي، فتمنح من يحافظ على البيئة لقب "مناصر بيئي" أو "مناصرة بيئية"، بينما تطلق وصفًا سلبيًا "شخص معادٍ للبيئة" على من يسبّب الضرر والتلوّث. كما تدمج الكاتبة مفاهيم علمية ضمن السياق العاطفي، مثل مكافحة فئران الحقول عبر طيور البوم، وخطر "حفّار الساق" على الأشجار.
فيما يتناول المحور الثالث السلوكي (الفردي والجماعي): تشجّع الكاتبة الفتيان والفتيات على المشاركة في زراعة الشجر كلما أمكن ذلك، ورمي بذور الفاكه بعد أكلها إلى جوانب الطرق أثناء التنفل بالحافلة أو السيارة لتنبت في كل مكان. واستخدام السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، والمشاركة في برامج إعلامية حول البيئة واستدامتها، والتطوّع في لجان حماية البيئة في المدرسة أو النادي، أو القرية، والمشاركة في عمليات التدوير، واستخدام السماد العضوي والطرق الطبيعية للمكافحة.
الرواية البيئية الموجّهة لليافعين عملًا متكاملًا في الشكل والمضمون، وتقع في 60 صفحة من القطع الصغير، بحدود 7000 كلمة، مكتوبة بلغة عربية فصحى مبسّطة، مشكولة جزئيًا لتسهيل القراءة والفهم. وهي مناسبة للفتيان والفتيات في نهاية مرحلة التعليم الإلزامي وبداية المرحلة الثانوية، كما تصلح أيضًا للشباب بشكل عام.
تتميّز الرواية بإخراج بصري جذّاب؛ إذ طُبعت على ورق أبيض مصقول يشد الانتباه، بينما صُمّم غلافها بالألوان، ويتضمن لوحة فنية تظهر يافعًا ويافعة معًا، مما يعكس روح المشاركة والمساواة بين الجنسين في حماية البيئة. أما "الإهداء"، فيعبّر عن شعور عميق بالمسؤولية الجماعية تجاه البيئة واستدامتها.
تُصنّف الرواية ضمن أدب البيئة، حيث تتكامل عناصرها من حيث المضمون، والشخصيات، والحبكة السردية، واللغة المبسّطة، إلى جانب ما تحمله من أبعاد بيئية، واجتماعية، واقتصادية. تقدم الرواية نموذجًا سرديًا يمكن أن يحقق تأثيرًا ملموسًا إذا ما جرى نشرها وتعميمها على نطاق واسع، سواء ورقيًا أو إلكترونيًا، وخصوصًا إذا تم قراءتها وتكرار مناقشتها ضمن مجموعات مدرسية أو شبابية، تحويلها إلى مشاهد درامية تُعرض في سياقات تربوية أو إعلامية.
* عميد كلية الآداب (الأسبق)- الجامعة الأردنية- عمان