عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Nov-2025

تلميع الإبادة الجماعية: حرب إسرائيل اليائسة لمحو التاريخ

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
رمزي بارود* - (كاونتربنش) 14/11/2025
من المؤسف، ولو أنه ليس مفاجئاً، أنه لا توجد أي منصة إعلام اجتماعي سائدة واحدة بريئة من مراقبة وحظر أي نقد لإسرائيل. ولهذا أصبح من الممارسات اليومية أن تتم كتابة الإشارات إلى فلسطين وإبادة غزة وما يشبهها بلغة مشفّرة، حيث يُستبدل العلم الفلسطيني، مثلاً، بصورة شريحة بطيخ.
 
 
يسارع حلفاء إسرائيل في مختلف أنحاء العالم بشكل يائس إلى مساعدة تل أبيب في إعادة تأسيس سردية مقنعة -ليس في ما يتعلق بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها في غزة فحسب، بل بشأن الإرث الكامل للاستعمار الإسرائيلي في فلسطين والشرق الأوسط.
الآن، أصبحت تلك القصة المثالية الصغيرة المبنية على الأساطير والافتراءات الصريحة -القصة عن "أمة صغيرة تقاتل من أجل البقاء وسط جحافل من العرب والمسلمين"- تنهار بسرعة. وكانت هذه القصة كذبة منذ البداية، لكن الإبادة في غزة جعلتها غير قابلة للدفاع عنها على الإطلاق.
كانت التفاصيل المروّعة للإبادة الإسرائيلية في غزة أكثر من كافية كي يستنطق الناس في كل أنحاء العالم بشكل جذري السردية الصهيونية، وبشكل خاص الصورة النمطية الغربية العنصرية عن "الفيلا في الغابة" التي تستخدمها إسرائيل لوصف وجودها بين السكان الواقعين تحت الاستعمار.
ولم يقتصر هذا التشكيك والاستنطاق على الناس في مختلف أنحاء العالم، بل انقلب حتى الأميركيون أنفسهم بشكل حاسم ضد إسرائيل. وما بدأ كاتجاه مقلق -من وجهة النظر الإسرائيلية بطبيعة الحال- أصبح الآن واقعاً جديداً لا يمكن دحضه. وتشير مختلف الاستطلاعات الوطنية إلى أن الدعم للفلسطينيين بين الراشدين في الولايات المتحدة قد ارتفع، حيث يقول 33 في المائة من المستطلَعين الآن إنهم أصبحوا يتعاطفون أكثر مع الفلسطينيين -وهي أعلى نسبة دعم للفلسطينيين تُسجل حتى الآن، والتي تمثل زيادة بمقدار ست نقاط عن العام الماضي.
حتى الأغلبية المؤيدة لإسرائيل التي بدا دعمها ذات مرة راسخاً لا يتزعزع بين الجمهوريين أصبحت تلين وتتحول لصالح الفلسطينيين، حيث يفضّل 35 في المائة من الجمهوريين الآن إقامة دولة فلسطينية مستقلّة، في ارتفاع كبير عن نسبة 27 في المائة التي سُجلت في العام 2024، في ما يشير إلى تحول واضح في شريحة مهمة من القاعدة الجمهورية.
والآن، تقاتل الحكومة الإسرائيلية بكل ما لديها من موارد للسيطرة على حرب المعلومات. وينصب تركيزها على حقن الأكاذيب الإسرائيلية المحسوبة في الخطاب والقتال بشراسة لمنع وجهة النظر الفلسطينية من الوصول. وليست التقارير الأخيرة التي تحدثت عن حملة تشنها إسرائيل لكسب وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق منح ملايين الدولارات لمؤثري "تيك توك" والمنصات الأخرى سوى جزء صغير من حملة ضخمة ومنسقة.
تجري هذه الحرب على جبهات متعددة. في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، كشفت تقارير إخبارية أن المؤسس المشارك لموسوعة "ويكيبيديا"، جيمي ويلز، تدخل شخصياً لحجب إمكانية تعديل الصفحة المخصصة للإبادة الجماعية في غزة. وزعم ويلز أن الصفحة لا تلبي "المعايير العالية" التي تعتمدها الشركة، وأنها "تحتاج إلى اهتمام فوري". وبحسب ويلز، تتطلب هذه الصفحة "نهجاً محايداً" -وهو ما يعني عملياً أن الرقابة المشددة مطلوبة لمنع وصف الإبادة بدقة بأنها "التدمير المتعمّد والمنهجي الجاري للشعب الفلسطيني".
لطالما كانت إسرائيل مهووسة بالسيطرة على السردية في "ويكيبيديا"، في استراتيجية تسبق الإبادة الحالية الجارية في غزة. وتؤكد تقارير تعود إلى العام 2010 أن مجموعات إسرائيلية أنشأت دورات تدريبية محددة في "التحرير الصهيوني" لمحرري "ويكيبيديا"، بالهدف الواضح والصريح المتمثل في ضخ محتوى يتماشى مع سردية الدولة والتلاعب بالمدخلات التاريخية والسياسية الأساسية.
وكانت حملة الرقابة ضد الفلسطينيين والأصوات المؤيدة لفلسطين قديمة قدم الإعلام نفسه. منذ البداية الأولى، كان الإعلام السائد في الغرب مصطفّاً بنيوياً مع أجندات الشركات المتحالفة بشكل طبيعي مع المال والسلطة؛ وبذلك تحقق هذا التفوق والهيمنة لوجهة النظر الإسرائيلية مقابل المحو شبه الكامل للمنظور الفلسطيني.
مع ذلك، شرعت إسرائيل قبل سنوات في إدراك الخطر الوجودي الذي يشكله الإعلام الرقمي، خاصة الفضاءات المفتوحة في منصات التواصل الاجتماعي التي سمحت للأفراد العاديين بأن يصبحوا صانعي محتوى مستقلين. لكن الرقابة اتخذت منحى بشعاً واسع النطاق خلال الإبادة، حيث كان مجرد استخدام كلمات مثل "غزة"، و"فلسطين"، فضلاً عن "إبادة جماعية"، يؤدي إلى الحظر الظلّي بتقليل الوصول إلى الحساب أو إغلاقه كلياً.
في الواقع، قامت منصة "يوتيوب" مؤخراً -التي كانت معروفة سابقاً بأنها أقل تشدداً من "ميتا" في رقابة الأصوات المؤيدة لفلسطين- بإغلاق حسابات ثلاث منظمات فلسطينية كبرى لحقوق الإنسان (الحق، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان)، وهو ما أدى إلى محو أكثر من 700 مقطع فيديو توثق انتهاكات إسرائيلية للقانون الدولي.
من المؤسف، ولو أنه ليس مفاجئاً، أنه لا توجد أي منصة إعلام اجتماعي سائدة واحدة بريئة من مراقبة وحظر أي نقد لإسرائيل. ولهذا أصبح من الممارسات اليومية أن تتم كتابة الإشارات إلى فلسطين وإبادة غزة وما يشبهها بلغة مشفّرة، حيث يُستبدل العلم الفلسطيني، مثلاً، بصورة قطعة بطيخ.
الآن، يسلط العديد من النشطاء المؤيدين لفلسطين الضوء على التواطؤ المباشر للإعلام الغربي، وخاصة في المملكة المتحدة، في محاولة تبييض صفحة الاتهامات بالاغتصاب الموجهة للجنود الإسرائيليين. وبدلاً من استخدام كلمة "اغتصاب" الواضحة، تشير وسائل الإعلام الرئيسية إلى الحوادث المروّعة التي حدثت في سجن "سدي تيمان" بأنها مجرد "إساءات". وبينما يحتفل السياسيون الإسرائيليون ومجرمو الحرب الآخرون علناً بما يسمونها "الإساءات" ويصفون المغتصبين بالأبطال الوطنيين، ما تزال وسائل الإعلام البريطانية والفرنسية السائدة ترفض الاعتراف بأن التعذيب والاغتصاب وسوء معاملة الفلسطينيين واسعة النطاق هي جزء من خطة مركزية ممنهجة وليست مجرد "إساءات" فردية.
قارن ذلك بالتغطية الشاملة التي جرى تهويلها لادعاءات "الاغتصاب الجماعي" المزعوم المنسوب إلى المقاتلين الفلسطينيين في جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) -على الرغم من أنه لم يتم إجراء أي تحقيقات مستقلة في هذه المزاعم، وأن الادعاءات صادرة عن الجيش الإسرائيلي من دون أي أدلة موثوقة.
مع ذلك، ليس هذا مجرد تحيّز ونفاق، بل هو تواطؤ مباشر، كما جاء في البيان الختامي لـ"محكمة غزة" التي عُقدت في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2025. وجاء في الحكم: "تجد هيئة المحلفين مجموعة من الفاعلين غير الحكوميين متواطئين في الإبادة الجماعية"، بما في ذلك "التغطية الإعلامية المنحازة في الغرب بشأن فلسطين وانخفاض الإبلاغ عن الجرائم الإسرائيلية".
سوف تتكشف المحاسبة النهائية في ساحة حرب المعلومات. وسوف تشهد الأشهر والسنوات المقبلة المعركة الأكثر حساسية من أجل الحقيقة في تاريخ الصراع. وسوف تستخدم إسرائيل، التي تعتمد على الرقابة والترهيب والموافقة المصنّعة، كل وسيلة ممكنة لضمان تحقيق انتصار. أما الفلسطينيون وكل من يدافع عن العدالة، فسيخوضون هذه المعركة التي توازي في أهميتها حدث الإبادة نفسه من أجل التاريخ. لا يجوز السماح لإسرائيل تلميع صورتها، لأن تلميع الإبادة الجماعية سيضمن تكرارها فحسب.
 
*د. رمزي بارود Ramzy Baroud: صحفي ومؤلف ورئيس تحرير صحيفة "ذا بالستاين كرونيكل" الإلكترونية. وهو مؤلف ستة كتب، وسيصدر كتابه الجديد "قبل الطوفان" Before the Flood عن دار (سفِن ستوريز برس). وتشمل كتبه الأخرى: "رؤيتنا للتحرر" Our Vision for Liberation’؛ "أبي كان مقاتلاً من أجل الحرية" My Father was a Freedom Fighter ؛ و"الأرض الأخيرة" The Last Earth. وهو زميل أبحاث أول غير مقيم في "مركز الإسلام والشؤون العالمية".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Polishing Genocide: Israel’s Desperate War to Erase History