عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Jul-2025

لماذا التدخل في شؤون سورية

 الغد

هآرتس
 
 
بقلم: تسفي برئيل  15/7/2025
 
 
 
في الوقت الذي يفحصون فيه في إسرائيل عن كثب احتمالية التطبيع، أو على الأقل عقد اتفاق أمني، ربما فقط تسوية مع النظام السوري، فإن الأرض تشتعل حرفيا تحت يدي الرئيس أحمد الشرع. سورية ما تزال دولة غير مسيطر عليها، والسلطة المركزية فيها تسيطر فقط على  60 – 70 % من أراضيها.
 
 
في إسرائيل تم نسيان الآن قضية ذبح العلويين في اللاذقية في شهر آذار (مارس)، التي قتل فيها 1700 شخص تقريبا. أيضا المواجهات العنيفة في نيسان (أبريل) بين أبناء الطائفة الدرزية وقوات النظام أو مع القوات المنبثقة عنه، تقريبا توقفت، أيضا المس بكنيسة مار الياس في حزيران (يونيو) الذي قتل فيه 25 شخصا لم يترك في إسرائيل أي انطباع كبير. إلى أن وقع أول من أمس، انفجار عنيف وخطير، الذي يمكن أن يتطور إلى مواجهة جديدة بين الدروز والنظام، التي أصبحت إسرائيل الآن متورطة فيها بصورة عميقة.
القضية بدأت كقصة عادية فيها تاجر خضراوات درزي شاب، فضل الله دوارة، تمت سرقته من قبل عصابة بدوية أثناء سفره في شاحنة الخضراوات في الشارع الرئيسي بين السويداء ودمشق. أعمال السطو ليست نادرة في المحافظة الدرزية، وقد أصبحت منذ فترة جزءا لا يتجزأ من "اقتصاد المنطقة". في هذه المرة تطورت عملية السطو إلى مواجهة واسعة فيها، ردا على السطو، قام مسلحون "دروز"، باختطاف عدد من أبناء القبيلة البدوية التي تعيش في حي المكوس في مدينة السويداء، بعد أن اختطف البدو عددا من أبناء الطائفة الدرزية. المخطوفون تم إطلاق سراحهم، لكن في المواجهات التي تطورت استخدمت نيران القذائف والحوامات، ونتيجة لذلك قتل حوالي أربعين شخصا وأصيب مائة شخص تقريبا. بعد ذلك ارتفع عدد القتلى إلى 90 شخص تقريبا والمواجهات ما تزال مستمرة.
النظام في سورية سارع أول من أمس، إلى الإعلان أنه "دخل إلى الحدث"، وأنه يتدخل من أجل فرض النظام، وحتى أنه بدأ في تحريك قوات شرطة ودبابات نحو منطقة النزاع. هذه عملية مطلوب من كل دولة أن تحاول القيام بها لمنع استمرار المواجهات وانتشارها إلى مناطق أخرى. ولكن في السويداء الدرزية الأمور أكثر تعقيدا على أقل تقدير.
بين القيادة الدرزية في محافظة السويداء وبين النظام وقع في شهر أيار (مايو)، اتفاق استهدف تهدئة الانتفاضة السابقة. حسب الاتفاق، فإن من شأن المليشيات الدرزية، وهناك عدد منها، أن تسلم سلاحها للجيش وفي موعد ما في المستقبل حتى أن تندمج في الجيش السوري، (كما تعهدت بذلك أيضا القوات الكردية الموجودة تحت مظلة "قوات سورية الديمقراطية"، التي تسيطر في شمال الدولة). حتى أن الاتفاق مع الدروز ينص على أن قوات الأمن السورية هي التي ستكون المسؤولة عن الحفاظ على الأمن على الشارع الرئيسي بين دمشق والسويداء، وهو الشارع نفسه الذي حدث فيه السطو على بائع الخضراوات وأثار المواجهة الحالية.
قوات الأمن السورية يمكنها حسب الاتفاق أيضا أن تتولى الأمن في كل المحافظة، وهنا هي واجهت معارضة عدد من المليشيات الدرزية التي ولاؤها موزع بين الزعماء الثلاثة الروحانيين للطائفة. واحدة منها اعلنت بأنها مستعدة للتعاون مع الجيش، مليشيا أخرى، الموالية للزعيم الروحي حكمت الهاجري، أوضحت أنها لن تسلم سلاحها إلى أن يتشكل جيش سوري وطني، مليشيا ثالثة أوضحت أنها لا تصدق نوايا النظام السوري بحماية أبناء الطائفة. وإذا كانت هناك نية لدمج المليشيا في الجيش، فإن هذا سيكون شريطة أن تبقى القوات الدرزية كـ"وحدة منفصلة تدافع عن محافظتها".
النتيجة هي أن الجيش السوري وقوات النظام، لم تتمكن حتى الآن من دخول المحافظة الدرزية. حسب الدروز، فإن الجيش أيضا لم يقم بحماية الشارع الرئيسي بين دمشق والسويداء. المفارقة هي أن المليشيات وقيادة الدروز والحكومة يتفقون على أن الفشل يكمن في غياب الحكومة عن الساحة وعن الشارع الرئيسي. الحكومة تدعي، بدرجة كبيرة من الأحقية، أن الفشل ينبع من معارضة الدروز لدخول قوات النظام. الدروز يدعون أن الأمر يتعلق بـ"فشل متعمد"، استهدف المس بأمنهم.
جذور هذا التطرف واضحة وهي تكرر نفسها، هذا ما جاء في البيان الذي نشرته مليشيا "رجال الكرامة"، وهي المليشيا الدرزية الكبرى التي يترأسها ليث بلعوص. "الهجمات بدأت في ظل غياب قوات الدولة المتعمد عن الشارع الحيوي بين دمشق والسويداء، وهي تستمر بهجمات متكررة ضد المواطنين على هذا المحور، هذه الهجمات تتجاهلها الحكومة خلال أشهر كثيرة" مثلما في المواجهات في شهر نيسان (أبريل)، أيضا الآن خرجت الزعامة الدرزية بنداء للمجتمع الدولي من آجل التدخل لـ"حماية الأقلية الدرزية من الإبادة". هذا النداء يهز نظام الشرع، لأنه يعرضه غير قادر على حماية حياة مواطنيه، ويمكن المليشيات والعصابات من التمادي والمس بالمدنيين، مرة ضد العلويين ومرة ضد الدروز. هو لم ينجح في منع المس بكنيسة مار الياس (المنسوب لداعش، وربما تم تنفيذه على يدي مسلحين خائبي الأمل، انسحبوا من "هيئة تحرير الشام"، منظمة الشرع). هذا في الوقت الذي يزور فيه الشرع عواصم العالم، ويحاول إظهار السيطرة الكاملة ويؤكد أنه يمكنه حماية السكان – كي يستطيع تجنيد الاستثمارات الكبيرة التي تحتاجها سورية من أجل إعادة الإعمار.
المشكلة الصعبة لا تنتهي هنا، لأن إسرائيل حولت نفسها إلى عامل رئيسي في جنوب سورية وفي هضبة الجولان السورية. ليس فقط لأنها سيطرت على مناطق كثيرة في عمق المنطقة وأقامت فيها قواعد عسكرية، بل كقيم على أمن الدروز. وهكذا، في الوقت الذي فيه زعامة الدروز تستنجد بالمجتمع الدولي، فإنها في سورية تفسر كدعوة لإسرائيل للتدخل، وقد تدخلت حقا.
أول من أمس، عندما بدأ الجيش السوري بإرسال الدبابات إلى منطقة النزاع تمت مهاجمتها من قبل طائرات إسرائيلية وأوقفت تقدمها. تفسير إسرائيل الرسمي هو أن "الهجوم تم تنفيذه لعرقلة وصول الدبابات إلى المنطقة. فوجود هذا السلاح في جنوب سورية، يمكن أن يشكل تهديدا على دولة إسرائيل. الجيش الإسرائيلي لن يسمح بوجود تهديد عسكري في جنوب سورية وهو سيعمل ضده"، حسب هذا التفسير، فإن هذه العملية استهدفت منع خرق سورية لـ"خط السيطرة" الإسرائيلي في سورية، الذي حول ترسيمه تجري مفاوضات بين إسرائيل وسورية.
لكن هذا التفسير غير مقنع تماما للنظام السوري، الذي يعتبر هذه العملية مسا بسيادة سورية وتدخلا من قبل اسرائيل في شؤونها الداخلية. إضافة إلى ذلك، في الوقت الذي فيه تسارع وسائل الإعلام في إسرائيل إلى الحديث عن تفاهمات وتنسيق مع النظام السوري، وتقدم سورية في مسار "التطبيع" مع إسرائيل، فإن تدخل الأخيرة العسكري يدل على أنه حتى الآن لم يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية. حسب التحليل السوري، فإن اسرائيل تنوي استغلال المواجهات الداخلية في سورية، ولا سيما في المحافظة الدرزية، من أجل ترسيخ نفسها كـ"قوة شرطة"، يمكنها منع قوات النظام من ترسيخ سيطرتها في الدولة، عمليا، سيطرة إسرائيل الجغرافية في الأراضي السورية تحولها إلى شريكة في إدارة الدولة.
هذا التطور الخطير يحدث في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة بصورة محمومة، من أجل مساعدة نظام الشرع على تثبيت حكمه في كل الدولة. الرئيس ترامب صافح الشرع أثناء زيارته إلى السعودية وقام برفع العقوبات عن سورية (هكذا هو فتح الباب على مصراعيه للتعاون الدولي مع النظام)، بعد ذلك بدأ توم باراك، السفير الأميركي في تركيا الذي يشغل أيضا منصب المبعوث الأميركي الخاص في الشؤون السورية واللبنانية، في استخدام ضغط شديد على الأكراد من أجل تنفيذ الاتفاق الذي تم التوقيع عليه مع الشرع والانضمام للجيش الوطني.
حتى الآن غير معروف كيف ستتصرف الولايات المتحدة في قضية الدروز، وتدخل إسرائيل والمناطق التي تسيطر عليها. من المهم التذكير بأنه في كل هذه الأمور تركيا مشاركة أيضا، تحولت إلى سيد الشرع بمباركة واشنطن والرياض. بين تركيا وإسرائيل توجد آلية تنسيق تم التوصل إليها بوساطة أذربيجان، التي استضافت يوم السبت الماضي الشرع – وهي الزيارة التي التقت على هامشها جهات سورية (من بينها وزير الخارجية أسعد الشيباني) مع ممثلين إسرائيليين. آلية التنسيق هذه استهدفت منع الأضرار "غير المتعمدة" بين الجيش الإسرائيلي والقوات التركية، لكن ليس تنسيقا لنشاطات الجيش الإسرائيلي في جنوب سورية.
الموقف المبدئي لتركيا هو أنه يجب على إسرائيل الانسحاب من كل الأراضي السورية والعودة إلى اتفاق فصل القوات منذ العام 1974. أنقرة تعمل على إقناع الادارة الأميركية بتبني هذا الموقف، وإقناع الشرع بأن يربط بذلك أي اتفاق مع اسرائيل.