عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Nov-2025

الملك عبد الله الثاني واليابان: دبلوماسية الزيارات وبناء الشراكة الاستراتيجية| أ.د. محمد ابودية معتوق
جو 24 :
 
الاستاذ الدكتور محمد ابودية معتوق-
 
 
شهدت العلاقات الأردنية اليابانية تطورًا ملحوظًا بين عهد الملك الحسين بن طلال وعهد الملك عبد الله الثاني، حيث انتقلت من علاقات دبلوماسية تقليدية إلى شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد. ويُظهر التركيز على اليابان كيف تغيرت أولويات السياسة الخارجية الأردنية، وكيف أصبحت طوكيو شريكًا رئيسيًا في التنمية والاستقرار.
 
في عهد الملك الحسين، كانت العلاقات الأردنية اليابانية قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون الدبلوماسي، لكنها لم تكن في صدارة أولويات السياسة الخارجية الأردنية. اقتصرت الزيارات الرسمية إلى اليابان على عدد محدود، وتركزت على التعاون في المساعدات التنموية الأساسية، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية. فكانت اليابان داعمًا مهمًا للأردن، لكنها لم تكن شريكًا استراتيجيًا بالمعنى الكامل، إذ كانت العلاقات أكثر تحفظًا، ولم تشهد انخراطًا واسعًا في الملفات الإقليمية أو الاقتصادية الكبرى.
 
أما في عهد الملك عبد الله الثاني، فقد شهدت العلاقات نقلة نوعية، حيث أصبحت اليابان من أبرز شركاء الأردن في آسيا. قام الملك عبد الله بست عشرة زيارة رسمية إلى اليابان منذ عام 1999، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين، ويعكس اهتمامًا خاصًا بتعزيز التعاون الثنائي. وخلال هذه الزيارات، التقى الملك بالإمبراطورين أكيهيتو وناروهيتو، وبعدد من رؤساء الوزراء اليابانيين، وتم توقيع اتفاقيات استراتيجية في مجالات الطاقة المتجددة، المياه، التعليم، التكنولوجيا، والدفاع.
 
 
وفي عهد الملك عبد الله أصبحت اليابان شريكًا في دعم رؤية التحديث الاقتصادي الأردنية، وقدمت قروضًا ميسرة ومنحًا سخية لدعم مشاريع تنموية، مثل مشروع ناقل البحرين، وتطوير شبكات المياه، ودعم التعليم الرقمي. كما دعمت اليابان الأردن في مواجهة التحديات الإقليمية، مثل أزمة اللاجئين السوريين، ومكافحة الإرهاب، وأبدت تفهمًا كبيرًا لموقف الأردن من القضية الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بحماية المقدسات في القدس.
 
ومما يلفت النظر أن الملك عبد الله حرص على إدخال البعد الثقافي والتعليمي في العلاقات، من خلال دعم تعليم اللغة اليابانية في الأردن، وتبادل المنح الدراسية، وتشجيع السياحة بين البلدين. كما شارك في فعاليات اقتصادية وثقافية في طوكيو، مما عزز صورة الأردن كشريك منفتح ومعتدل في المنطقة.
 
وقد ركز الملك عبدالله الثاني منذ بداية عهده الميمون على بناء جسور الثقة مع القيادة اليابانية، حيث التقى بالإمبراطور أكيهيتو آنذاك، ورؤساء الوزراء المتعاقبين، مؤكدًا على أهمية العلاقات التاريخية بين البلدين. وقد تميزت هذه اللقاءات بالدفء والاحترام المتبادل، ما ساهم في فتح آفاق جديدة للتعاون، خاصة في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه الأردن والمنطقة.
 
 
وقد أسفرت هذه الزيارات الملكية عن توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية، شملت مجالات الطاقة والمياه والنقل والتعليم. اليابان، باعتبارها من أكبر الدول المانحة للأردن، قدمت دعمًا ماليًا وتقنيًا لمشاريع تنموية حيوية، منها مشاريع الطاقة المتجددة، وتحسين البنية التحتية، وتطوير قطاع التعليم والتدريب المهني. كما ساهمت هذه الاتفاقيات في جذب الاستثمارات اليابانية إلى السوق الأردني، وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين.
 
ولفت الملك خلال زياراته الى الوضع الامني في المنطقة وبحث سبل التعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف، وتبادل الخبرات في المجالات الدفاعية والأمنية، وهو ما يعكس إدراك الطرفين لأهمية الاستقرار الإقليمي والدولي. كما تناولت المباحثات ملفات سياسية حساسة، أبرزها القضية الفلسطينية، حيث أبدت اليابان دعمها للموقف الأردني الداعي إلى حل الدولتين، وضرورة تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة.
 
 
وعلى مدى أكثر من عقدين من الزمن، نسج الملك عبد الله الثاني علاقات دبلوماسية متينة مع عدد من رؤساء الوزراء اليابانيين، عكست حرصه على ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين الأردن واليابان، وتوسيع آفاق التعاون في مختلف المجالات. هذه العلاقات لم تكن مجرد لقاءات بروتوكولية، بل شكلت محطات سياسية واقتصادية وثقافية مهمة، ساهمت في تعزيز مكانة الأردن في آسيا، وجعلت من اليابان شريكًا موثوقًا في التنمية والاستقرار.
 
فمنذ توليه العرش عام 1999، التقى الملك عبد الله بعدد من رؤساء الحكومات اليابانية، أبرزهم جونيتشيرو كويزومي، ياسو فوكودا، ناوتو كان، يوشيهيكو نودا، شينزو آبي، يوشيهيدي سوغا، وفوميو كيشيدا. وقد تميزت هذه اللقاءات بالدفء السياسي، والتفاهم العميق حول القضايا الإقليمية والدولية، خاصة ما يتعلق بالسلام في الشرق الأوسط، والأزمة السورية، ومكافحة الإرهاب.
 
والعلاقة الأبرز كانت مع رئيس الوزراء شينزو آبي، فكانت علاقة سياسية واستراتيجية متميزة، شكلت أحد أبرز محاور التعاون الأردني الياباني في العقدين الأخيرين. فقد التقى الزعيمان في عدة مناسبات رسمية، أبرزها زيارة الملك عبد الله إلى طوكيو في أكتوبر 2016، حيث أجرى مباحثات موسعة مع آبي تناولت تطوير العلاقات الثنائية، والتنسيق السياسي، والتعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين . تميزت هذه العلاقة بالاحترام المتبادل والرؤية المشتركة لقضايا الاستقرار الإقليمي والتنمية. فقد أبدى شينزو آبي اهتمامًا خاصًا بدعم الأردن في مواجهة التحديات الاقتصادية، وقدم من خلال حكومته مساعدات مالية وتنموية سخية، شملت قروضًا ميسرة لدعم الموازنة الأردنية، ومشاريع في مجالات المياه والطاقة والتعليم. كما دعمت اليابان الأردن في استضافة اللاجئين السوريين، وقدّرت دوره الإنساني والسياسي في المنطقة.
 
 
وساهمت الزيارات الملكية الى اليابان في تعزيز الرؤية العربية الى مساهمة اليابان في لعب دور سياسيً في المنطقة وفي عهد السيد ابي ناقش الملك ملفات حساسة مثل القضية الفلسطينية، والأزمة السورية، ومكافحة الإرهاب، حيث أبدت اليابان تفهمًا كبيرًا لمواقف الأردن، خاصة فيما يتعلق بحماية المقدسات في القدس، وحل الدولتين. وقد عبّر الملك عبد الله عن تقديره العميق لجهود آبي في تعزيز السلام والاستقرار، لا سيما عند إعلان الأخير استقالته في أغسطس 2020، حيث بعث جلالته برسالة رسمية أشاد فيها بدور آبي القيادي، وبالعلاقات التي تطورت في عهده بين البلدين.
 
مع يوشيهيدي سوغا، استمرت العلاقات بنفس الزخم، حيث ناقش الطرفان تداعيات جائحة كورونا، وسبل التعاون في مواجهة آثارها الاقتصادية والإنسانية، خاصة في ظل الضغوط التي واجهها الأردن نتيجة استضافة اللاجئين السوريين. أما مع فوميو كيشيدا، فقد تركزت المباحثات على دعم رؤية التحديث الاقتصادي الأردنية، وتعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا والابتكار، بما يتماشى مع أولويات الحكومة اليابانية في التحول الرقمي.
 
لقد شكلت علاقة الملك عبد الله الثاني برؤساء الوزراء اليابانيين نموذجًا للدبلوماسية الهادئة والفاعلة، حيث استطاع أن يحول العلاقات الأردنية اليابانية من تعاون تقليدي إلى شراكة استراتيجية شاملة، تقوم على الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، والرؤية الموحدة للاستقرار والتنمية.
 
اما الزيارة الحالية فتتجه الانظار الملكية مع تولي ساناي تاكايتشي منصب رئيسة وزراء اليابان، الى فتح الأردن لصفحة جديدة في علاقاته مع طوكيو، وهي علاقات رسّخها الملك عبد الله الثاني على مدى أكثر من عقدين من الزمن، وفي ظل هذا الإرث الدبلوماسي، يُتوقع أن يحمل لقاء الملك عبد الله مع تاكايتشي طابعًا استراتيجيًا، يعكس تطلعات الأردن لتعزيز التعاون مع اليابان في مرحلة دولية مليئة بالتحديات.
 
الملك عبد الله، الذي عرف عنه حرصه على تنويع الشراكات الدولية، سيجد في تاكايتشي شخصية سياسية محافظة ذات اهتمام خاص بالأمن القومي والتكنولوجيا، ما يفتح المجال أمام ملفات جديدة للتعاون، أبرزها الأمن السيبراني، الابتكار، والتحول الرقمي. ومن المرجح أن يطرح الملك رؤية الأردن للتحديث الاقتصادي، ويبحث سبل دعم اليابان لهذه الرؤية، سواء عبر الاستثمارات المباشرة أو من خلال برامج التمويل التنموي التي لطالما كانت طوكيو رائدة فيها.
 
الملف الفلسطيني سيحضر بقوة في المباحثات، خاصة في ظل الدور الأردني التاريخي في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والدفاع عن حل الدولتين. الملك عبد الله سيحرص على تأكيد أهمية الدعم الياباني للموقف الأردني، لا سيما في المحافل الدولية، وفي المشاريع التنموية التي تستهدف الأراضي الفلسطينية. ومن المتوقع أن تبدي تاكايتشي تفهمًا لهذا الدور، استنادًا إلى سياسة اليابان الخارجية التي تميل إلى الاعتدال والدعم الإنساني. كما سيطرح الملك ملف الأمن الإقليمي، خاصة في ظل تصاعد التوترات في المنطقة، وسيؤكد على أهمية التنسيق الأردني الياباني في مكافحة الإرهاب والتطرف.
 
وسيكون لقاء الملك عبد الله الثاني برئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي محطة مهمة في مسار العلاقات الأردنية اليابانية، ليس فقط لتأكيد استمرارية التعاون، بل لتوسيع آفاقه بما يتماشى مع التحولات العالمية، وطموحات الأردن في بناء اقتصاد حديث، ومجتمع منفتح، وشراكات دولية متوازنة. وسيشكل هذا اللقاء امتدادًا طبيعيًا للعلاقة التي بناها الملك مع قادة اليابان السابقين، وعلى رأسهم شينزو آبي، لكنه سيحمل أيضًا بصمة جديدة تعكس روح المرحلة وتحدياتها.
 
 
* رئيس الجمعية الاكاديمية الأردنية اليابانية