الغد
عواصم – قبل ساعات من بدء هجمات الاحتلال الإسرائيلي على إيران، بتوقيت دول الشرق الأوسط، استبعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عصر الخميس الماضي بتوقيت واشنطن، هجوما إسرائيليا وشيكا، إلا أنه ذكر "أن شيئا ما يمكن أن يحدث بشكل جيد جدا".
وقال أيضا، إن الولايات المتحدة وطهران "قريبتان إلى حد ما من اتفاق جيد، لكن إيران ستحتاج إلى تقديم المزيد من التنازلات لتجنب الصراع"، وبعد نحو 4 ساعات فقط، بدأت أولى موجات الهجمات الإسرائيلية.
وترك تسلسل الأحداث الكثير من الشكوك حول تواطؤ أميركي ومباركة لهذه الهجمات رغم تحفظ ترامب على سؤال له، صباح أمس، خلال حديث مع شبكة "إن بي سي" حول طبيعة الدور الأميركي في العملية، وقال "لا أريد الرد على ذلك".
ويرى محللون أن إيران شعرت بالخداع من تصريحات ترامب والتي كان لها تأثير سيئ على مدى استعداد طهران لتلقي ضربات الاحتلال الاسرائيلي الموجعة.
ولم يستبعد محللون أن تلجأ إيران إلى الانتقام من التصريحات الأميركية، رغم استبعادهم رغبة إيران بحرب مفتوحة وواسعة مع الولايات المتحدة ستكلفها الكثير في ظل ما تعانيه من عقوبات تسببت بشلل شبه كامل لاقتصادها ورفع منسوب الأصوات في الشارع الإيراني مطالبة بتحسين مستوى المعيشة بعد سنوات من ظروف الحصار الأميركي المفروض عليهم.
ولم يمض كثير من الوقت قبل أن يصرح متحدث باسم الجيش الإيراني أن الهجمات الصاروخية على إسرائيل ستكون 20 ضعفا مقارنة بالهجمات السابقة، في حين قال مصدر عسكري إيراني إن الحرب ستتوسع في قادم الأيام لتشمل القواعد الأميركية في المنطقة.
ونقلت كالة أنباء فارس الإيرانية عن مصدر عسكري وصفته بـ"المطلع" أن الحرب التي بدأت باعتداءات إسرائيلية ستتوسع خلال الأيام القادمة لتشمل كل المناطق المحتلة والقواعد الأميركية بالمنطقة، وفق تعبيره.
وأضاف أن "المعتدين سيكونون هدفا لردنا الحاسم وواسع النطاق"، مشددا على أن القيادات العسكرية تؤكد أن المواجهة لن تقتصر على التحركات المحدودة التي نفذت الليلة الماضية.
كما قال المصدر العسكري المطلق إن الضربات الإيرانية "ستتواصل وستكون مؤلمة للغاية للمعتدين وستجعلهم يندمون".
واتهمت إيران الولايات المتحدة بالتواطؤ في الهجمات الإسرائيلية عليها، فيما نفت واشنطن الاتهامات وحثت طهران على المسارعة إلى إبرام اتفاق بشأن برنامجها النووي.
وقالت الخارجية الإيرانية، أمس إنه "لا يمكن لأحد أن يتصور أن الكيان الصهيوني ارتكب مثل هذه الجريمة دون إذن واشنطن".
وأضافت أن "الكيان الصهيوني تجاوز جميع خطوطنا الحمر عبر ارتكابه هذه الجريمة"، وأنه "تمنى جر الأطراف الغربية للمأزق ونجح بالتأثير على المسار الدبلوماسي".
وأكدت الوزارة أن "الطرف المقابل جعل الحوار بلا معنى، وبالتزامن يسمح لإسرائيل باستهدافنا".
وفي وقت سابق، اتهم السفير الإيراني بالأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني إسرائيل بالسعي إلى "قتل الدبلوماسية وتخريب المفاوضات وجر المنطقة إلى صراع واسع"، مؤكدا أن تواطؤ واشنطن "لا شك فيه".
وقال إيرواني خلال جلسة لمجلس الأمن "على من يدعم هذا النظام (الإسرائيلي)، وفي طليعتهم الولايات المتحدة، أن يدركوا أنهم متواطئون… فبدعمهم هذه الجرائم وتمكينها يتحملون كامل المسؤولية عن العواقب".
ويرى محللون أن التهديدات الإيرانية مبالغ فيها، وخلفت الهجمات الإيرانية في أحدث حصيلة مقتل 3 إسرائيليين، سقط اثنان منهم بقصف على مدينة ريشون ليتسيون جنوب تل أبيب، في حين قُتلت إسرائيلية جراء قصف بصاروخ إيراني في مدينة رمات غان في وقت مبكر من فجر أمس.
وبلغ عدد المصابين نحو 90 إسرائيليا، وسط حديث عن دمار غير مسبوق في منطقة تل أبيب الكبرى.
تأثير كبير
وقال ديفيد دي روش، القائد العسكري السابق والأستاذ المساعد حاليا في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون الأميركي، إن "الهجمات سيكون لها تأثير كبير على المفاوضات. سأتفاجأ إذا حضرت إيران محادثات يوم الأحد (اليوم) في مسقط. الفكرة الإسرائيلية هي أن عملياتها ستكون قد قضت على الخطوط الحمراء لطهران بشأن الحفاظ على التخصيب النووي".
وأضاف "أعتقد أن الأمر سيتطلب سلسلة من الهجمات واعترافا إيرانيا غير معلن بأنه سيتم مهاجمتها إلى الأبد إذا استمرت في التخصيب. وحتى في ذلك الحين، يُظهر الماضي أن إيران ستغش في أي اتفاق نووي للحفاظ على القدرة على تخصيب اليورانيوم وبناء قنبلة نووية في نهاية المطاف".
بدوره، اعتبر خبير الشؤون الإستراتيجية ومدير مؤسسة دراسات دول الخليج جورجيو كافيرو، أن "إيران لن تستمر في المشاركة في هذه المحادثات مع واشنطن حتى إشعار آخر. حتى الآن، ماتت الدبلوماسية النووية بينهما نتيجة العدوان الإسرائيلي. أولئك في طهران الذين جادلوا بأن التفاوض مع أميركا كان ساذجا وغير حكيم، لديهم الآن اليد العليا في المناقشات الجارية بالجمهورية الإسلامية".
وبسبب الضربات العسكرية الإسرائيلية غير القانونية ضد إيران، تضاءلت آفاق الدبلوماسية بين واشنطن وطهران إلى حد كبير، وفق كافيرو.
وأوضح "لستُ متفائلا بشأن أي تخفيف للتوترات بين الولايات المتحدة وطهران. هذه نتيجة طالما أرادتها الحكومة الإسرائيلية، حيث ترى أن الدبلوماسية النووية الأميركية الإيرانية لديها القدرة على أن تؤدي إليه، وهو ما تعده تل أبيب سيناريو مرعبا. تريد إسرائيل الآن جر واشنطن إلى حرب شاملة مع الإيرانيين. يبقى أن نرى ما إذا كان ترامب يسمح بحدوث ذلك".
مصير المفاوضات
ومن المقرر عقد الجولة السادسة من المحادثات بين مبعوث إدارة ترامب ستيف ويتكوف ونظرائه الإيرانيين اليوم في سلطنة عمان.
واعتبرت صحيفة وول ستريت جورنال أن المفاوضات الأميركية مع إيران، والتي تهدف إلى كبح برنامج طهران النووي على نطاق واسع "كوسيلة مهمة للحفاظ على السلام الإقليمي"، قد انتهى بها الأمر إلى أن تكون الغطاء المثالي لهجوم إسرائيلي مفاجئ.
وكان ترامب قد غرّد على منصته "تروث سوشيال" بعد 10 ساعات منذ بدء الهجمات الإسرائيلية، واعتبر أنه ما زالت هناك فرصة للتوصل لاتفاق، وقال بصيغة تهديدية واضحة "تحدث بعض المتشددين الإيرانيين بشجاعة، لكنهم لم يعرفوا ما الذي سيحدث. لقد ماتوا جميعا الآن، وسوف يزداد الأمر سوءا".
وتابع "لقد كان هناك بالفعل موت ودمار كبيران، ولكن ما يزال هناك متسع من الوقت لانتهاء هذه المذبحة من الهجمات التالية المخطط لها بالفعل، والتي كانت أكثر وحشية. يجب على إيران إبرام صفقة قبل أن لا يتبقى شيء، لا مزيد من الموت والدمار، فقط وقعوا على صفقة قبل فوات الأوان".
انتقام إيران
يرى الخبير دي روش أنه من الصعب جدا رؤية أي فرصة للمفاوضات الدبلوماسية على الأقل على المدى القصير، خاصة مع تعهد القادة الإيرانيين بالرد، "لا يبدو أن طهران ستستسلم. في الساعات القليلة المقبلة سيكون لدينا فكرة أفضل عن مدى نجاح الهجمات الإسرائيلية وكيف سترد إيران. أعتقد أن جولة المفاوضات المقررة في مسقط ستعلّق، وقد تنسحب طهران من معاهدة حظر الأسلحة النووية".
أما كافيرو فأشار إلى أن إدارة ترامب ستدافع عن إسرائيل، لكنها لا تريد أن تفعل ذلك بطريقة تزيد فرص انتقام إيران من الأفراد الأميركيين في الشرق الأوسط. وتساءل "كيف سيحقق البيت الأبيض هذا التوازن، غير واضح".
في حين قال جودت بهجت، خبير الشؤون الإيرانية والمحاضر بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، إن الولايات المتحدة ستكون هدفا للانتقام الإيراني، والخط الإيراني الرسمي هو أن واشنطن وإسرائيل
متماثلان.-(وكالات)