الدستور
«تقنيات الذكاء الاصطناعي» ذات قدرات عجيبة تجعل من المستفيد يتجاوز كثيرًا من العقبات، كما أن لديه في الغالب جوابًا لكل سؤال، فهو ملاذٌ آمنٌ لتوفير المعلومة وحتى صياغتها وإخراجها تقريبًا بشكلها النهائي في أيٍّ من المجالات المختلفة.
التكنولوجيا والتقنيات الحديثة باتت جزءًا مهما في حياتنا اليوميّة، فهي لا تعرف حدودًا ولا تقف عند نقطة، وديناميكيّتها العالية تجعلها تتخطى عقبات وأحيانًا تفكر عن الإنسان ذاته، لكن تباينت استخداماته والاستفادة منه بين دول الشمال ودول الجنوب بحسب تصنيفات الأمم المتحدة، حيث قامت دول الشمال، وهي الدول الكبرى، بتسخير التقنيات التكنولوجية بمعظمها ودمجها في سياساتها المختلفة، خاصة العسكرية، وهذا ما نراه واقعًا في خضم الحروب الدائرة حاليًّا، أمّا الدول النامية، وهي دول الجنوب، ركزت على استخدامها في تقديم خدمات مباشرة لمواطنيها سهلة وتلقائية، وانخرطوا فيها لتصبح نهج حياتهم باستخدامات قد تجنح نحو الوقوع في سلبيات التكنولوجيا بشكل كبير، أي إن الانخراط فيها كان اجتماعيًّا وليس على مستويات سياسات الدول وصناعة القرار فيها.
في البداية لا بد أن نقول إن بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي تُعد منظومة متكاملة تستخدم معلوماتها ضمن سياق صحيح نوعًا ما، من خلال إعادة تدوير المحتوى دون فهم المواضيع المطروحة وأسباب الاستفسار عنها، غاضّة الطرف عن مدى دقة المعلومات ومصداقيتها ومصادرها أو مقاربتها، وهذا يشكل عاملًا مساهمًا في توفير الوقت وتقييم المعلومات إن أمكن واختيار المناسب مع الاستفسارات أو المواضيع أو المعلومات المطلوبة مهما كانت.
لا بد أن نعترف أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ينضوي تحتها الكثير من المخاطر والسلبيات، فهي أقصر الطرق للتجهيل والاستغناء عن الاطلاع والمثابرة في المعرفة والتعليم، فكل المعلومات بالنسبة لطالبها ذات قيمة مضافة بغضّ النظر عن صحتها أو مصدرها، وإعطاء المستفسر الحق باستخدام هذه المعلومات لمشاريع وبرامج فردية دون أي مجهود يُبذل.
على سلبيات هذه التقنيات، على أهميتها، تتمثل في صناعة شباب المستقبل، فهو يُسهّل على الطلبة، سواءً الأكاديميين أو طلبة الجامعات، من خلال قدرته على الاستنساخ، توفير الأجوبة بعد إعادة تدوير المعلومات لديه، الأمر الذي سيحتاج استجابة سريعة من القطاع التعليمي من خلال طرق أكثر تعبيرًا وإيجابية في تقييم الطلاب بناءً على المفاهيم المشتقة وبعيدًا عن إعادة تدوير المحتوى، عدا عن أنه سببٌ فاعلٌ في تراجع مهارات التفكير النقدي، ويدعم الغش الأكاديمي، ويقلل من مستوى كفاءة التعليم، إضافةً إلى أنه أحد أهم الأسباب للانفصال المعرفي.
إن تراكم هذه السلبيات سيؤثر على الحضارات الإنسانية في الدول النامية، مع عدم قدرة شبابنا على الكتابة بالورقة والقلم، وليس لديهم الدافع أو الطاقة لاستخدام الكتب والقراءة والبحث والتنقيب، والاعتماد على الإجابات عبر تقنيات المحادثة، أي عملية تجهيل متدرجة لأجيال قادمة ما عاد لها هوية خطية أو ثقافة تطورها بناءً على سير الأحداث، ولا تاريخ جديد تصنعه.
هذا التسلسل يمكن أن يوصلنا إلى أن تحتل الأجهزة عقولنا وألسنتنا لتتحدث عوضًا عنّا، وبالتالي نفقد مهاراتٍ ممكن مراكمتها مع مرور الوقت.
مجارات التكنولوجيا وتقنياتها الحديثة لا يمكن إدارة الظهر عنها، لكن هذا الطوفان الهادر قد يأخذنا إلى أن نفقد حاضرًا ومستقبلًا مع صعوبة بناء تاريخ علمي وعملي وحضاري، كما أنه يجعل من ظاهرنا متعلمًا وواقعنا بحرًا من الجهل، فلا قدرة لنا على القراءة أو الكتابة بخط اليد أو استخدام العقل والاعتماد على المقاربات العملية والعلمية من واقع تجاربنا، وهذا يُنذر بظاهرة عامة غاية في الخطورة تتمثل في فقدان طاقات ثروتنا البشرية.