الجمعة العظيمة في إيطاليا*د. محمود عبابنة
الغد
شاء الحظ العاثر أن تندلع حرب غزة ويبدأ تنفيذ الإبادة الجماعية للناس هناك، وإيطاليا الحرة لم تعد كما كانت بعد أن تسلم زمام الحكم حزب الأخوة الإيطالي والأحزاب اليمينية المتآلفة معه، والذي تترأسه رئيسة الوزارء جورجيا ميلوني والمعجبة بمؤسس الفاشية الإيطالية « موسليني» وحزبها من المناهضين لهجرة الأجانب ومعاد للإسلام، ولذلك كان الاستهجان والاستغراب بادياً لكل من عاش في إيطاليا أو كان مراقبا للحياه السياسية فيها، فلقد سجلت إيطاليا فضل السبق بين الدول الأوروبية في تضامنها مع منظمة التحرير في الثمانينيات من القرن الماضي، وكطلاب عرب كنا نلمس ذلك في الجامعات ومن مختلف شرائح الشعب الإيطالي وأحزابه أيام كانت الأحزاب اليسارية بقيادة القائد التاريخي «برلينغوير» و» برتيني»، وكان المرحوم عرفات يحل على روما ويجري الترحيب به كرئيس دولة تعترف بها إيطاليا واقعيا وبرتوكوليا، الا أنه في غمره المد اليميني المتصاعد في أوروبا الذي ظهر اثر أزمات الهجرة وخاصة بعد الصراع المسلح في سورية، وهجمات داعش الإرهابية، وشيوع الخطاب الشعبوي لبعض الزعماء ذوي النزعه القومية، والمؤمنين بصراع الحضارات، ولم تعد مارين لويان وحيده في أوروبا، فظهر فايدل في ألمانيا، وأوربان في المجر، وسالفيني، وميلوني في إيطاليا والأخيرة فازت في الانتخابات عام 2022 وبقيت ممسكة بزمام أمور إيطاليا، وما يهمنا هو موقفها من القضية الفلسطينية وحرب غزة تحديداً، فبالرغم من كلمات التضامن التي كانت تعبر عنها على استحياء تجاه المدنيين إلا أنها كانت تختتم حديثها بجمله مكررة « لإسرائيل حق الدفاع عن النفس» وتزيد وتشير إلى التطرف الإسلامي وضرورة الدفاع عن الحضارة والحفاظ على الهوية الثقافية.
الا أن يوم الجمعة العظيم في إيطاليا قلب كل الموازين عندما دعت نقابة العمال ومنظمات حقوق الانسان الإيطاليين، والناشطون، وأحزاب اليسار الى إضراب عام طال القطاع العام والقطاع الخاص، وتم تنظيم المسيرات المنددة بموقف إيطاليا وميلوني بالذات من أحداث غزة والتعرض لأسطول «الصمود» البحري، وموقفها بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية على خلاف كل الدول الأوروبية، وانتفضت أكثر من مائة مدينة وبلدة إيطالية على رأسها: روما، وميلانو، وبولونيا، وجنوا، ونابولي، وتورينو، وصدحت الجماهير الإيطالية بعبارات التضامن مع فلسطين ومع أسطول الحرية الذي انطلق من الموانئ الأوروبية، وردد المتظاهرون: Palestina libera (فلسطين حرة)،Firma il Genocidio a Gaza ( أوقفوا حرب الإبادة على غزة )، Blocchiamo tutto (لنُقفل كل شيء/ دعونا نوقف كل شيء).
صحيح أن معظم المدن والعواصم الأوروبية في: لندن، وبرشلونة، ومانشستر، وبرلين، انتفضت نصرة للحق الفلسطيني وتنديدا بالإبادة الجماعية، التي ينفذها أبشع احتلال في التاريخ البشري بدعم صريح ومباشر من الإدارة السياسية المتصهينة للولايات المتحدة الأميركية، التي لا تكن للشعوب سوى العداء والكراهية، المؤسسة على كراهية العرب والمسلمين وإن كانوا لا يجاهرون بذلك إلا أن الأمر بات واضحا ومفضوحا، وهنا يجب ألا نتنصل من المسؤولية، فأعمال داعش الإرهابية، وتجنيد الانتحاريين المهووسين بالحوريات، وعمليات الدهس بالحافلات، والطعن بالسكاكين، آتت ثمارها وأسهمت في ظهور الحركات اليمينية في أوروبا.
الإضراب العام في إيطاليا الذي عطل الموانئ ومنها: ميناء جنوا ورافينا، حيث تم رفض تقديم الخدمات للسفن الإسرائيلية، ومسيرات أحرار إيطاليا وجماهير أحزاب يسار الوسط الإيطالي ومنها: حزب « خمسة نجوم»، والحزب الديمقراطي الإيطالي، والحزب الديمقراطي الاجتماعي، وكل الشرفاء وأصحاب الضمير من الإيطاليين، دقت يوم الجمعة أول إسفين في نعش حركه اليمين الفاشي في إيطاليا، على الأقل جماهير الشعب الإيطالي الأوروبي المسيحي البطل الذي اصطف مع الضمير الإنساني، والذي رفض الصمت المريب على مذابح غزة وسياسة الكيل بمكيالين، وجاب الشوارع والساحات في إيطاليا مكللا بالعلم الفلسطيني وصدح بالحرية لفلسطين المحاصرة ولغزة الذبيحة التي تترنح في لجة البحر العربي المسلم.