عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Oct-2025

"عيوب قاتلة": شكوك حول خطة توني بلير لمستقبل غزة

  الغد

بيتر بومونت* - (الغارديان) 30/9/2025
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
يقول توني بلير إنه مستعد للانضمام إلى "مجلس السلام" الذي شكله دونالد ترامب للإشراف على إدارة غزة.
 
 
تشكل عودة ظهور توني بلير كقنصل محتمل مؤقت لغزة وعضو في "مجلس السلام" الخاص بدونالد ترامب أحدث تجسداته وإعادة ابتكاره لنفسه كوسيط قوة محتمل في الشرق الأوسط.
وباعتباره أحد المهندسين الرئيسيين للغزو الكارثي للعراق، ومروّجًا لتفسير تبسيطي للتطرف الإسلامي بوصفه التحدي الأمني الأكبر في العالم، وشخصًا اتُّهم بخلط مصالحه التجارية الخاصة بدوافعه السياسية، فإنه يبدو في بعض الجوانب ملائمًا تمامًا لعصر ترامب الجديد.
لكن الأقل وضوحًا هو ما يمكن أن يقدمه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق فعليًا ويكون ذا معنى إلى واحدة من أعقد مشكلات العالم، باستثناء إيمانه المطلق بنفسه.
كثيرًا ما يتم استحضار دور بلير كمهندس لاتفاق "الجمعة العظيمة" الذي أنهى الاضطرابات في أيرلندا الشمالية، لكن سجله في الشرق الأوسط يظل محطًا لقدر أكبر بكثير من الجدل.
في نظر الدبلوماسيين، يُنظر إلى سنواته في القدس عندما عمل لصالح "اللجنة الرباعية الخاصة بالشرق الأوسط" -ممثلًا للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا– على أنها كانت نجاحًا متوسطًا في أحسن الأحوال، بينما كان الفلسطينيون يرونه عائقًا أمام جهودهم لدفع قضيتهم قدُمًا نحو الدولة.
عُيّن بلير في ذلك الحين بدعم من الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش، والأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بان كي مون، في حين لم يكن الاتحاد الأوروبي وروسيا متحمسين كثيرًا لهذا التعيين. وكان دور بلير منذ البداية محدود الصلاحيات وبلا أسنان تقريبًا، وانصبّ تركيزه في الغالب على التنمية الاقتصادية. واشتكى المسؤولون الفلسطينيون في ذلك الوقت من أنه كان أكثر تعاطفًا مع إسرائيل.
وحتى في العام الذي سبق توليه مهمة مبعوث "اللجنة الرباعية"، كان البعض ينظرون إلى أعماله على أنها تُسهم في ما سيصبح عقدين ممتدين من الأزمة في غزة في أعقاب الانتخابات الفلسطينية في العام 2006. كانت "حماس" قد فازت بتلك الانتخابات، في وقت بدت فيه الجماعة أكثر انفتاحًا على الانخراط السياسي، لكن بلير انحاز إلى بوش وإسرائيل في رفض النتائج. وكان داعمًا لفرض مقاطعة على "حماس"، وهو ما سمح لحركة "فتح" بالاستمرار في السلطة في إطار "السلطة الفلسطينية"، ولو أنه سيلتقي لاحقًا بقادة "حماس".
أسهمت تلك المقاطعة في تأجيج التوترات التي بلغت ذروتها في استيلاء "حماس" العنيف على غزة في العام 2008. وفي العام 2017، اعترف بلير متأخرًا بأن المجتمع الدولي كان ينبغي أن يحاول "جلب حماس إلى حوار"، لكن أفعاله اللاحقة أثارت المزيد من الشكوك فحسب.
يقول خافيير أبو عيد، المسؤول السابق في فريق المفاوضات الدبلوماسية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية": "عندما أصبح (بلير) مبعوث اللجنة الرباعية، اعتقد بعض الناس بأن قدومه من موقع رئيس وزراء بريطانيا سيعني أنه سيأخذ المهمة بجدية، وأن تقدمًا سيتم إحرازه بسبب ذلك". 
"لكن موقفه أصبح واضحًا عندما طلب الفلسطينيون مساعدته في قضايا مثل سياسة هدم المنازل التي تنتهجها إسرائيل. كان يقول إن لديه تفويضًا سياسيًا. ولكن بعد ذلك، عندما ذهبت فلسطين في العام 2011 إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف والعضوية، أصبح واضحًا أنه كان يضغط ضد ذلك المطلب".
ما يزال بلير شخصية مرفوضة لدى كثيرين في حزب العمال بسبب دوره في الحرب على العراق، وليس من الواضح مدى الدعم الذي يحظى به سعيه إلى لعب دور في غزة لدى حكومة كير ستارمر. وكان أفضل ما استطاع ديفيد لامي، نائب رئيس الوزراء، أن يقوله عندما سُئل عن مسودة خطة بلير لغزة ما بعد الحرب أثناء حدث على هامش مؤتمر حزب العمال، هو أنه لا يملك "أدنى فكرة" عنها.
يرى المنتقدون أن رؤية بلير للعالم يهيمن عليها اعتقاده بأن التطرف الإسلامي هو التهديد الأمني الأول والأعلى في العالم. والجانب الآخر من ذلك، كما يقولون، هو تغاضيه عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها بعض أنظمة المنطقة التي يراها حليفة له.
على مر السنوات، خالط بلير طغاة، من بينهم معمر القذافي في ليبيا من بين آخرين. وعندما يتعلق الأمر بمصر، قال إن الجيش المصري "لم يكن لديه خيار" سوى الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيًا لمحمد مرسي.
وقال بلير لصحيفة "جويش كرونيكل" في العام 2020: "هناك قيادة جديدة وناشئة في الشرق الأوسط تريد حقًا تحديث بلدانها والتأكد من أن لا يُساء استخدام الدين أو أن يتحول إلى أيديولوجيا سياسية. هذا هو مغيِّر قواعد اللعبة الوحيد الأبرز بالنسبة للشرق الأوسط".
ولكن حتى لو ظل بلير، ومعه مؤسسته، من أنصار حل على أساس الدولتين، فإن اتجاه دعوته تجاوزه الواقع الوحشي الذي صنعته حرب قتلت فيها إسرائيل عشرات الآلاف من الناس في غزة.
قبل تسريب مسودة خطة بلير لغزة، قال جوش بول، المؤسس المشارك لمركز الأبحاث الأميركي "سياسة جديدة": "بعد أن عملتُ مع توني بلير حين كان مبعوث اللجنة الرباعية لسلام الشرق الأوسط، أستطيع أن أحذّر على الفور من عيبين قاتلين في أي خطة يقترحها.
أولًا، أي شيء سيتم اقتراحه سيعطي الأولوية للتنمية الاقتصادية على حساب التقدم السياسي وحق الفلسطينيين في تقرير المصير. وكما أظهرت محاولات فاشلة متعددة بهذا الاتجاه في الضفة الغربية، فإن النجاح الاقتصادي يعتمد على الحكم الذاتي الفلسطيني وضمان الحريات الأساسية في الحركة والنشاط الاقتصادي، وليس العكس.
وثانيًا، مهما تكن المزايا التي تنطوي عليها الخطة، فإن الحكومة الإسرائيلية ستتبناها ثم تمنع تنفيذها من خلال استراتيجية الموت بألف جرح -الاستنزاف المتواصل للفلسطينيين واستهدافهم بضربات صغيرة، وإنما متواصلة- بحيث تجعل حتى الأهداف البسيطة غير قابلة للتحقيق".
"إن مسعى بلير هو مجرد تشتيت متأسس على سوء فهم جوهري للديناميات الإسرائيلية – الفلسطينية وللاقتصاد السياسي لفلسطين المحتلة".
 
*بيتر بومونت Peter Beaumont: مراسل دولي رفيع غطّى بشكل مكثف مناطق النزاع، بما في ذلك أفريقيا والبلقان والشرق الأوسط وأوكرانيا. كان مراسل صحيفة "الغارديان" في القدس، وحاز جوائز عدة، من بينها "جائزة أورويل" عن عمله في العراق. وهو مؤلف كتاب "الحياة السرية للحرب: رحلات عبر صراعات العصر الحديث" The Secret Life of War: Journeys Through Modern Conflicts.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: ‘Fatal flaws’: analysts cast doubt on Tony Blair’s plan for future of Gaza