عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Oct-2025

أوهام ليبرالية بشأن فلسطين

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
كاتلين جونستون* - (مدونة كاتلين) 26/9/2025
المشكلة الحقيقية هي أنّ الغرب أنشأ في الشرق الأوسط دولة تعتنق -باعتبارها أيديولوجيتها التأسيسية- فكرة أنّ أصحاب الأرض الذين كانوا يعيشون هناك قبل قيامها هم أقلّ من بشر، والتي تلقن مواطنيها اليهود منذ الولادة تقبّل اعتناق الرؤية العالمية الكارهة والاستعلائية التفوقية باعتبارها الوضع الافتراضي الدائم.
 
 
لعل الفائدة الحقيقية الوحيدة من هذا "الاعتراف" الغربي الأخير بدولة فلسطين هو أنّه دفع سياسيين إسرائيلين بارزين إلى أن يشرحوا لليبراليين الغربيين، بلغة إنجليزية صريحة، واضحة وحقيقية، أنّ دولة إسرائيل بأسرها تقف ضد رؤية هؤلاء الليبراليين لحلّ يقوم على مبدأ دولتين.
في الآونة الأخيرة، نشر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، بيني غانتس، مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز" صرّح فيه بوضوح بأنّ المعارضة لقيام دولة فلسطينية هي جوهر إجماع وطني بين الإسرائيليين يمتد عبر كامل الطيف السياسي السائد، وأنّ هذا الإجماع ليس مجرد عائق مؤقت سيزول بمجرد خروج نتنياهو من السلطة.
كتب غانتس: "غالباً ما ينظر القادة الغربيون إلى سياساتنا في هذه الحرب لا من خلال عدسة الأمن القومي، بل من خلال منظور الأفراد -وعلى وجه الخصوص رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو. في معظم الأحيان، يتم تأطير النقاش وكأنه يتعلق بما يخدم رئيس الوزراء، وكأنّ الأمن القومي لإسرائيل يبدأ وينتهي بشخص واحد. إن هذا التصور خاطئ ويأتي بنتائج عكسية تضر بالاستقرار العالمي، والتطبيع الإقليمي، وبأمن إسرائيل نفسه".
ويضيف غانتس: "قد كنتُ أنا نفسي ناقداً صريحاً للسيد نتنياهو. لكن المصالح الأمنية الجوهرية للأمة ليست أملاكًا حزبية. وهي اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مرتكزة إلى إجماع وطني راسخ ومتجذر في الحقائق الصعبة التي تميز منطقتنا. وتقف المعارضة للاعتراف بالدولة الفلسطينية في القلب من هذا الإجماع".
وهكذا، يوضح غانتس الأمر ويبوح به بالأبيض والأسود. كما أن تأطير المسألة على طريقة بيرني ساندرز، التي تُصوِّر الكابوس في فلسطين على أنه مشكلة متعلقة بنتنياهو والتي يمكن حلّها وشفاؤها سريعاً من خلال حلّ الدولتين، ليس سوى حكاية خرافية يتداولها الليبراليون الغربيون في ما بينهم حتى لا يواجهوا الحقيقة القاسية: حقيقة أن المشكلة هي دولة إسرائيل نفسها.
جاء هذا بعد تصريح نتنياهو العلني بأنّها "لن تكون هناك دولة فلسطينية إلى الغرب من نهر الأردن"، وبعد إعلان وزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، بأنّه "لن تكون هناك دولة فلسطينية أبداً".
في الحقيقة، إن إسرائيل هي المشكلة. إنها ليست نتنياهو. وليست "حماس". وليست مسألة أنّ الطرفين فشلا بشكل مأساوي في الجلوس وإيجاد أرضية مشتركة بمفاوضات يتم إجراؤها بحسن نية.
المشكلة هي أنّ الغرب أنشأ في الشرق الأوسط دولةً تعتنق -باعتبار ذلك عقيدتها التأسيسية- فكرة أنّ سكان الأرض الأصليين هم كائنات أقلّ من البشر، ويجب ألا يُسمح لهم أبداً بالوصول إلى الطيف الكامل من حقوق الإنسان.
المشكلة هي إسرائيل: دولة كانت دائماً مشروعاً عنصرياً منذ نشوئها نفسه. دولة يتم تلقين مواطنيها اليهود منذ الولادة تقبّل اعتناق الرؤية العالمية الكارهة والاستعلائية التفوقية، التي تعد ضرورية حتى يتم القبول بنظام الفصل العنصري والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان باعتبارها الوضع الافتراضي الدائم.
لن تخرج أي حلول حقيقية إلى الوجود ما لم يتعامل الغرب بجدية مع هذا الواقع.
ما دام الليبراليون الغربيون يواصلون الوقوع في خديعة هذه الأوهام الضبابية والتخيلات الهروبية التي تزعم أنّ إسرائيل لا تبعد سوى انتخابات واحدة عن حلّ على أساس الدولتين إذا ما واصلَت الولايات المتحدة تمويل منظومة القبة الحديدية وحافظت على علاقات ودّية مع تل أبيب، فإننا سنستمرّ في مشاهدة إسرائيل وهي تمارس نفس العنف المتواصل والإساءات المستمرة التي تعتبرها ضرورية لوجودها بصيغتها الراهنة كدولة.
كما يبدو، لن ترضي أي حلول قائمة على الواقع الصهاينة الليبراليين كما يُرضيهم حلم اليقظة بشأن حلّ الدولتين. لكن الحقيقة هي أنه لا يمكن لإسرائيل ببساطة أن تستمر في الوجود ككيان صهيوني.
يجب أن يتم نزع سلاحها، وإعادة هيكلتها جذرياً، وإجراء عملية اجتثاث شاملة للنزعة النازية المتطرفة من مجتمعها. وهذا لن يحدث من دون قوة، وهذه القوة الضرورية لن تأتي من العالم الغربي طالما ظللنا نخدع أنفسنا بأوهام طفولية.
إن الإسرائيليين أنفسهم هم الذين يقيمون هذه القضية، ويقولونها لنا مباشرة في وجوهنا. وقد آن أوان الاستيقاظ.
 
*كاتلين جونستون Caitlin Johnstone: كاتبة وصحفية أسترالية مستقلة معروفة بمقالاتها النقدية حول السياسة الدولية والإعلام الغربي، تنشر بانتظام عبر منصاتها الخاصة ونشرات بريدية، وتتمتع بمتابعة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي. تركز في أعمالها على قضايا الإمبريالية الأميركية، الحروب، فلسطين، حرية التعبير، والتلاعب الإعلامي، وغالباً ما تكتب بأسلوب مباشر وصادم يهدف إلى كسر السرديات السائدة في الغرب.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: A Liberal Fantasy of Palestine