بقاء أو حل.. مجلس النواب على مفترق السياسة*جهاد المنسي
الغد
عاد للواجهة عن جديد وخلال الأسبوع الماضي الحديث عن إمكانية حلّ مجلس النواب، غذت هذا موجة من التحليلات السياسية التي تتراوح بين قراءة المشهد الداخلي وربطه بتطورات إقليمية ودولية متصاعدة.
الحقيقة الثابتة دستوريا أن حل المجلس ليس أمرًا مستبعدًا من حيث المبدأ؛ فالدستور منح جلالة الملك صلاحية اتخاذ هذا القرار حين تقتضي الظروف ذلك، سواء كانت اعتبارات وطنية داخلية أو حسابات تتعلق بإدارة المرحلة السياسية، وفي المقابل، لا يوجد ما يشير اليوم إلى أن الأسباب الدستورية أو السياسية قد نضجت بما يفرض الاتجاه نحو الحل، ما يجعل المشهد مفتوحًا على كل الاحتمالات، ويستدعي قراءة متزنة لا تستجيب للمبالغات أو الضجيج.
ومع ازدياد زخم التكهنات والتوقعات، ظهرت مقولات تربط بين مصير المجلس وبين ما يُثار دوليًا، وتحديدًا في الولايات المتحدة، وتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كـ»تنظيم إرهابي»، إلا أن هذا الربط، يبدو ضعيف الأساس؛ فالأردن تعامل مع ملف الجماعة منذ سنوات بحسم قانوني، وحُظرت الجماعة كتنظيم، وبقي حزب جبهة العمل الإسلامي إطارًا سياسيًا مرخصًا يخضع للقانون، شأنه شأن باقي الأحزاب، وحتى لو طُرحت مستقبلاً سيناريوهات تتعلق بالحزب، فإن ذلك شأن قانوني محكوم بالتشريعات، والمؤكد ان الدولة بحكم مسؤولياتها لا يمكن أن تتجاهل أي معطيات قد تتعلق بتعاطي أي حزب أو جهة مع خلايا داخلية أو ارتباطات خارجية، إن ثبتت بالأدلة، وهنا يصبح الحديث مختلفًا؛ إذ إن التعامل مع هكذا معطيات يكون في إطار الأمن الوطني، وهو أمر قد يفرض على الدولة إعادة تقييم المشهد السياسي برمته، بما في ذلك شكل المرحلة المقبلة وأدوات إدارتها، لكن ذلك يبقى في إطار الفرضيات، وليس الحقائق، إلى أن يصدر ما يؤكدها أو ينفيها رسميًا.
أما على المستوى الداخلي، فإن تقييم أداء مجلس النواب العشرين يستوجب النظر إلى المشهد بصورة أشمل، فالمجلس وجد نفسه في قلب تحولات سياسية غير مسبوقة، بدءًا من إطلاق منظومة التحديث السياسي، مرورًا بالقوانين الجديدة للأحزاب والانتخاب، ووصولًا إلى إعادة هيكلة الإدارة العامة وإلغاء ديوان الخدمة المدنية، وقد أثرت هذه التحولات على طبيعة عمل المجلس، وخلقت ضغطًا مضاعفًا عليه.
ورغم الانتقادات التي تُوجّه للمجلس، والتي تُعدّ جزءًا طبيعيًا من الحياة البرلمانية، إلا أن الحديث بأن الحل بات حتميًا يتجاهل حقيقة أن الدستور هو الفيصل في هذه المسألة، وأن قرار الحل مرتبط حصريًا بتقدير جلالة الملك وليس برغبات أطراف سياسية أو ضغوط مواقع التواصل، فجلالة الملك، بحكم مسؤوليته الدستورية، هو الأعلم بالظروف التي تستوجب بقاء المجلس أو حله.
وأيضا فان سيناريو استمرار المجلس حتى نهاية مدته الدستورية يبقى قائمًا بقوة، بل ربما يكون هو الأقرب في ضوء غياب أي مؤشرات على أزمة سياسية كبرى تستدعي إعادة إنتاج السلطة التشريعية عبر انتخابات مبكرة، بل إن استكمال المجلس لمدته قد يمنح مزيدًا من الاستقرار خلال فترة إقليمية مضطربة تحتاج لوجود مجلس النواب.
بموازاة ذلك، يجب الاعتراف أن مناخ التحولات السياسية في الأردن اليوم أصبح يتطلب نقاشًا شفافًا حول أداء المؤسسات، لكن دون الانزلاق نحو حالة التوقع الدائم للحل، فالمشهد السياسي لا يبنى على الإشاعات ولا على الرغبات، بل على تقدير هادئ للواقع ومعطياته.
بالمجمل يبقى الأردن دولة مؤسسات، والقرار الفصل في بقاء المجلس أو حله هو قرار دستوري سيادي يمارسه جلالة الملك وفق تقدير المصلحة الوطنية العليا، وبين تكهنات الحل وواقعية البقاء، يقف مجلس النواب في منطقة وسطى، بانتظار ما ستكشفه المرحلة القادمة من معطيات، وحتى ذلك الحين، يبقى من الحكمة قراءة المشهد بعيدًا عن المبالغة، وبثقة بأن الدولة تمتلك من الخبرة والرؤية ما يكفي لإدارة اللحظة السياسية.