عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Oct-2025

لماذا يكرهنا اللبنانيون؟!* حمزة عليان

الجريدة -

 
في الزمن القديم كان إذا عطس أحدهم في حيفا تسمع صوته في الناقورة، هذا ما نقله لنا أجدادنا بسبب القُرب الجغرافي بين جنوب لبنان وشمال فلسطين... والتداخل بينهما ليس وليد اليوم، بل قدر الجغرافيا والتاريخ.
 
الجميع في لبنان هذه الأيام يُصوِّبون أعينهم تجاه ما يحدث في غزة، مترقبين ما ستنتج عنه الأحداث على ضوء «خطة ترامب العظيم».
 
هل ستعيش غزة نموذج الجنوب اللبناني بعد وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن 1701، أي منطقة منزوعة السلاح، وتفويض كامل لجيش الاحتلال بضرب ما يشاء من مواقع وأشخاص تحت عنوان «ملاحقة الإرهابيين وحفظ الأمن الإسرائيلي»؟
 
قدر الجغرافيا خلق هذا التشابه، والربط بين ما يحدث في فلسطين قديماً والمُحتلة من قِبل الكيان الإسرائيلي حديثاً.
 
عَايشت فترة من عُمري المهني عندما كان لبنان مسرحاً للمقاومة الفلسطينية فترة الستينيات ومنتصف السبعينيات، وصولاً للحرب الأهلية عام 1975، وكُنت على صِلة مباشرة بالأحداث والاقتتال والتهجير، وما بينهما من معارك ومواجهات سياسية وأخرى عسكرية، بحُكم عملي في الصحافة اللبنانية (مجلة الحوادث - جريدة السفير - مجلة الدستور)، ولِي صداقات كثيرة مع أشقاء فلسطينيين كانوا زملاء لي.
 
لم تتوقف العلاقة بين الشعبين والبلدين عند حدود الجغرافيا، بل شَهدت حالات من المد والجزر، وفي معظم المحطات كان هناك سوء فهم أحياناً تسبَّب في تراكم الأخطاء والخطايا التي أنبتت أجواء من الكراهية والغضب.
 
قرأت، وبتمعُّن، للروائي والكاتب المسرحي اللبناني أسامة العارف، أحد نصوصه الرائعة (يا دنيا يا غرامي) ومقطوعة بعنوان: «لماذا يكرهنا اللبنانيون؟»، وفيها مطالعة واقعية عن ذلك التمازج والتداخل بين اللبناني والفلسطيني، يقول: «كان الفلسطيني قبل عام 1948 له موقع وحظوة لدى اللبناني، وكانت فلسطين قِبلَة اللبنانيين، خصوصاً مدينة حيفا، التي تموج بالحركة والنشاط الاقتصادي والاجتماعي، بحيث تحوَّلت إلى مركزٍ لاستقطاب الباحثين عن مصادر رزقهم وثروتهم».
 
كُنت أسمع من آبائنا الكبار كيف كانوا يذهبون من جبل عامل إلى المدن الفلسطينية للعمل هناك، ويروون لنا مشاهداتهم وانطباعاتهم، خصوصاً في العشرينيات حتى عام 1948 من القرن الماضي. كانت حيفا، على سبيل المثال، البلد الأساسي الذي توجَّه إليه اللبنانيون للعمل والبحث عن الثروة.
 
وفَدَت إلى حيفا، كما يروي أسامة العارف، عائلات مسيحية من شمال فلسطين ومن جبل لبنان، لا سيما من أبناء الطائفة المارونية، مثل: عائلة الخوري وخياط من مدينة صور، وسويدان من جبل لبنان، وتملكوا أراضي شاسعة هناك، وكانوا من أغنياء فلسطين، كما تملَّكت مجموعة من تجار بيروت من عائلات بسترس وسرسق والتويني وفرح آلاف الهكتارات من مرج بني عامر، أكثر من نصف مساحته، البالغة 1970 كم2، حتى إن سليمان ناصيف نال امتياز منطقة الحمّة.
 
لم تخرج من الفلسطينيين أي مظاهر للقلق أو التباغض للوافدين القادمين إلى مُدنهم من لبنان أو سورية.
 
برز اللبنانيون في مجال التعليم والمحاماة هناك، ومنهم: المحامي وديع البستاني، والصحافيان نجيب فرنجية، ونجيب نصار.
 
أثناء نكبة 1948 تحوَّل الفلسطينيون الأغنياء سكان المدن إلى لبنان، جاؤوا بأموالهم إلى بيروت، ومنحوا الجنسية اللبنانية، وهو ما أدى في النهاية إلى نقل مركز الثقل من حيفا إلى بيروت.
 
كانت هناك حالات استفادة متبادلة امتزجت فيها العلاقات الاجتماعية بالزواج والمصالح، وانعكس كل ذلك على مسألة الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، وتبعاته على الدول المجاورة، ومنها لبنان.