عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Nov-2025

المطاردة العالمية للصحفيين تغذي الاستبداد

 الغد

ألون بن مئير* - (مدونة ألون بن مئير) 2025/11/21
 
 
يشكل الاعتداء العالمي على الصحفيين تهديدًا مميتًا مرتبطًا بالأنظمة الاستبدادية التي عادة ما تخنق حرية التعبير -بل وحتى ببعض الحكومات "الديمقراطية" التي تسعى عمدًا إلى إخفاء أنشطتها الشائنة.
 
 
أصبح العمل الصحفي في أنحاء كثيرة من العالم أكثر من مجرد مهنة شاقة. أصبح مهنة عالية المخاطر في ظل اعتداءات سلطة الدولة والنزاعات المسلحة والضغوط الاقتصادية وتآكل الحماية المؤسسية. ووفقًا للجنة حماية الصحفيين، سُجن 361 صحفيًا وقُتل 124 آخرون في مختلف أنحاء العالم بنهاية العام 2024، وهو أحد أعلى الأرقام منذ أن بدأت اللجنة في جمع البيانات. وفي الوقت نفسه، سجلت منظمة "مراسلون بلا حدود" في مؤشرها العالمي لحرية الصحافة للعام 2025 أن 34 دولةً تشهد تصاعدًا في عمليات الإغلاق الجماعي للمنافذ الإعلامية، ونفي الصحفيين والقمع المنهجي لهم.
إن اضطهاد الصحفيين ليس مجرد اعتداء على الأفراد، بل هو اعتداء على الديمقراطية والشفافية والإنصاف وحق الجمهور في المعرفة. فالصحافة الحرة والمستقلة تلعب أدوارًا رئيسية في كشف الفساد ومحاسبة السلطة، والإبلاغ عن جرائم الحرب، وإعطاء صوت للضعفاء وللذين لا صوت لهم. ومن دونها، تمر انتهاكات الحكومة والهيئات الخاصة والعامة بلا رادع، وتنتشر الأكاذيب ويتعزز الاستبداد.
محنة الصحفيين في الأنظمة الاستبدادية
غالبًا ما تكون وسائل الإعلام المستقلة في الأنظمة الاستبدادية من بين أوائل المؤسسات التي تنهار؛ كما أنها تتعرض في الديمقراطيات لضغوط متزايدة بسبب الصعوبات الاقتصادية، والتضليل الرقمي، وتقلص مساحات المعارضة. ولهذه الممارسات آثار عالمية مخيفة، حيث تصبح الرقابة الذاتية والخوف لدى الصحفيين هي القاعدة. وأدوات القمع التي تستخدمها الحكومات الاستبدادية صريحة ودقيقة. وتتضمن قائمة منظمة "مراسلون بلا حدود" المعنونة "سالبو حرية الصحافة للعام 2025" الدول التالية التي سُجن فيها الصحفيون أو عُذبوا أو نُفوا أو قُتلوا.
في بيلاروسيا، وصمت وسائل الإعلام المستقلة بـ"المتطرفة"، وتعرض الصحفيون للاعتقال والتعذيب أو النزوح القسري؛ وتشير التقارير إلى فرار ما بين 500 و600 صحفي من البلاد منذ العام 2020. ويفرض على وسائل الإعلام في بيلاروسيا إما الالتزام بخط الحكومة أو مواجهة العقاب والإغلاق.
وفي أذربيجان، تم إغلاق آخر وسيلة إعلامية مستقلة في شباط (فبراير) 2025 بعد حملة تطهير تدريجية لوسائل الإعلام الناقدة. وتشتهر أذربيجان بفرض أحكام سجن قاسية للغاية على الصحفيين بتهم ملفقة تمامًا أو ذات دوافع سياسية.
وفي تركيا؛ الدولة الديمقراطية المزعومة، من المتوقع سجن الصحفيين الذين لا يدعمون سياسة الحكومة في تقاريرهم. ومنذ محاولة الانقلاب العسكري المزعومة في العام 2016، شهدت البلاد حملة قمع واسعة. وقد سُجن أكثر من 100 صحفي، وقُتل العديد منهم بالفعل، وأُغلقت العشرات من وسائل الإعلام.
وفي إيران، يُحظر تمامًا نشر أي محتوى يعارض سياسة الحكومة، ويواجه من يتجاوز الحدود عواقب وخيمة. وقد اعتقلت إيران على مدار السنوات الخمس الماضية أكثر من 100 صحفي، وما يزال الكثيرون منهم في السجون.
وصفت "لجنة حماية الصحفيين" الوضع في غزة بأنه الأكثر دموية في العالم. ففي العام 2024 وحده، من بين 124 صحفيًا قُتلوا عالميًا، قُتل 85 منهم على يد القوات الإسرائيلية في غزة. ولم يعد الصحفيون الفلسطينيون ينقلون أخبار الحرب فحسب، بل أصبحوا ضحاياها. ولا تضمن ستراتهم الصحفية سلامتهم؛ بل إنها في كثير من الحالات تُميزهم كأهداف.
وتحتجز روسيا ما يقرب من 60 صحفيًا، بينما سجنت الصين، المعروفة بصرامة قبضتها على الصحافة، ما يقرب من 200 صحفي منذ العام 2019.
القمع "غير القاتل" للصحفيين
إلى جانب الاعتقالات والقتل، ثمة اضطهاد واسع النطاق غير قاتل للصحفيين. لكنه مع ذلك مدمر للغاية. ووفقًا لـ"مركز الأخبار والتكنولوجيا والابتكار"، ذكر ما يقرب من نصف الصحفيين الذين شملهم الاستطلاع في العام 2025 أن حكوماتهم تسعى إلى فرض "سيطرة مفرطة" على تقاريرهم. كما أن الجدوى الاقتصادية للصحافة المستقلة تتعرض لضغوط شديدة: تشير منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى أن الهشاشة الاقتصادية تشكل الآن تهديدًا كبيرًا للصحافة الحرة بقدر ما يشكله القمع السياسي المباشر.
كما يمثل التحرش الرقمي بعدًا آخر. تواجه الصحفيات والصحفيون الملونون والمراسلون المثليون وأولئك المنحدرون من أقليات عرقية مستويات غير متناسبة من الإساءة من خلال الإنترنت والمراقبة وحملات الكراهية المنسقة. ويؤدي إغلاق الإنترنت واستخدام المعلومات المضللة التي يولدها الذكاء الاصطناعي كسلاح إلى تآكل المساحات الآمنة للصحفيين. وقد أفادت "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" (اليونسكو) بأن التحرش بالصحفيين يشكل اتجاهًا عالميًا خطيرًا، مما يربطه بالأجندة الأوسع المتمثلة في إعاقة حرية التعبير.
وليست الولايات المتحدة بمنأى عن ذلك. ففي منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، أصدرت وزارة الدفاع الأميركية بقيادة ترامب قواعد جديدة تنص على أن السلك الصحفي في البنتاغون يخاطر بفقدان إمكانية الوصول إلى الوزارة إذا نشر مواد، حتى لو لم تكن سرية، لم يوافق عليها وزير الدفاع مباشرةً. وقد استنكر هؤلاء الصحفيون الموقف الذي أُجبروا عليه -إما الخضوع للرقابة، أو فقدان إمكانية الوصول التي مكّنتهم من تغطية أعمال الجيش. وينبغي الإشادة بهم لاختيارهم، بالإجماع تقريبًا، تسليم تصاريحهم الصحفية بدلًا من الموافقة على هذه القواعد الاستبدادية.
مشكلة جوهرية هي الإفلات من العقاب
نادرًا ما يحاسب الجناة في البلدان التي يُقتل فيها الصحفيون أو يُحتجزون. ونظرًا لغياب الآليات القضائية أو الدولية الفعالة، نادرًا ما تفضي الهجمات على حرية الصحافة إلى تحقيق العدالة. ويسلط احتفال الأمم المتحدة باليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين الضوء على تتيح بيئات الصمت في جميع أنحاء العالم ارتكاب المزيد من الانتهاكات. عندما يُقتل الصحفيون في مناطق الحرب، فإن التكلفة ليست شخصية فحسب، بل جماعية أيضًا. وينجم عن ذلك تقلص غرف الأخبار، وتوقف التحقيقات، وبقاء المجتمعات المحلية في جهل تام بفقدانها مراقبيها.
هناك حاجة ملحة للتصدي بفعالية لاضطهاد الصحفيين، مما يستلزم استجابة متعددة الأطراف فعالة وشاملة:
التضامن والمساءلة على مستوى العالم: يجب على المؤسسات العالمية ومنظمات حرية الصحافة والدول المانحة رصد الانتهاكات وفرض العقوبات والضغط من أجل الملاحقة القضائية. لا يمكن السماح لمرتكبي عمليات القتل المستهدف والاعتقالات الجماعية أو القمع الرقمي بالقيام بذلك من دون عقاب.
دعم الصحافة المستقلة: ينبغي إنشاء أدوات اتصال آمنة، وملاجئ آمنة، وشبكات دعم قانوني. ويجب معاقبة الدول التي تقمع الصحفيين والضغط عليها لتبني وتطبيق قوانين تحمي الصحفيين، وتصون سير عملهم، وتحاسب مرتكبي التهديدات أو العنف أو الرقابة.
ينبغي على المنظمات الدولية والدول الديمقراطية توفير تأشيرات طارئة أو برامج مرور آمن مخصصة للصحفيين المهددين لتمكينهم من الفرار من الخطر المباشر.
حماية الصحافة في مناطق النزاع: يجب اعتبار الصحفيين مدنيين بموجب القانون الدولي. ويجب أن يترجم القانون الإنساني إلى حماية عملية وشفافية من الهجمات وإجراء تحقيقات شاملة عند استهداف المنشآت.
أدوات السلامة الرقمية ومكافحة التحرش: يجب أن تلعب المنصات دورًا في منع الانتهاكات المنسقة، وخاصة استهداف الصحفيين المعرضين للخطر، وينبغي للمؤسسات الإخبارية تدريب موظفيها على الأمن الرقمي.
العقوبات المستهدفة: ينبغي أن تركز العقوبات على المسؤولين أو الوكالات المسؤولة عن اضطهاد الصحافة، بدلًا من فرض العقوبات الشاملة التي تضر بعامة السكان.
الدعم المالي للصحافة: تحتاج وسائل الإعلام المستقلة إلى تمويل مستدام، وخاصة في المناطق التي تُهمش فيها أو تتعرض للتهديد. ويمكن أن يأتي هذا الدعم المالي من مجموعة من المصادر، بما في ذلك الدول الديمقراطية التي تخصص أموالًا لحرية الصحافة. كما يمكن للجهات المانحة الخاصة والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الخيرية، مثل مؤسسات المجتمع المفتوح، أن تسهم أيضًا في هذا المجهود.
يشكل اضطهاد الصحفيين حول العالم مقياسًا لحرياتنا الأوسع. في الواقع، عندما يكون من الآمن استنطاق السلطة أو مساءلتها والإبلاغ عن الظلم وكشف الحقيقة، يتجه المجتمع نحو مزيد من الانفتاح والعدالة. وعندما يتم إسكان أصوات الصحفيين -سواء بالرصاص أو بالقضبان أو بالتعصب- تقوض حرية المعرفة والمعارضة.
تنشئ الرقابة والقمع على الصحافة مجتمعًا يفتقر فيه الناس إلى المعلومات التي يحتاجونها، مما يعزز الاستبداد ويقلل من مساءلة الحكومة ويمنع الجمهور من استنطاق ومساءلة سياسات أو إجراءات السلطات، مما يشكل تحديًا للديمقراطية في جوهرها.
إن التهديد الذي تواجهه حرية الصحافة عالمي النطاق. وعندما يكمم فم صحفي، فإن مجتمعًا بأكمله يصاب بالعمى. وليست حماية الصحفيين ترفًا؛ إنها آخر دفاع للعالم ضد الاستبداد. إن الدفاع عن حرية الصحافة هو دفاع عن الديمقراطية وحمايتها.
 
‏*ألون بن مئير Alon Ben-Meir: أستاذ متقاعد في العلاقات الدولية، عمل سابقا في مركز الشؤون العالمية بجامعة نيويورك وزميل أول في معهد السياسة العالمية، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط وغرب البلقان، والمفاوضات الدولية، وحل النزاعات. خلال العقدين الماضيين، شارك بشكل مباشر في مفاوضات سرية عدة تضم إسرائيل والدول المجاورة وتركيا. ألف اثني عشر كتابا تتعلق بالشرق الأوسط، ويعمل حاليا على كتابين جديدين عن سورية وتركيا. 
*نشر هذا المقال بالإنجليزية تحت عنوان: Global Hunt of Journalists is Feeding Totalitarianism