رواية "إسعيدة" للزيود.. توثيق لذاكرة المكان وتحولاته الاجتماعية
الغد-عزيزة علي
وقع الكاتب د. محمد عبد الكريم الزيود روايته الجديدة "إسعيدة"، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، حيث توثق الرواية ذاكرة المكان الأردني وتحكي عن تحولاته الاجتماعية والتاريخية.
الحفل الذي أقيم في المكتبة الوطنية وحضره الأمين العام لوزارة الثقافة د. نضال العياصرة مندوبا عن وزير الثقافة مصطفى الرواشدة، شهد مشاركة عدد من الأدباء والنقاد الذين سلطوا الضوء على أهمية الرواية في المشهد الأدبي الأردني، ومكانتها بوصفها مرآة تعكس الهوية الوطنية والانتماء الثقافي.
وشارك في الحفل كل من: الدكتور مهند مبيضين، الروائي والكاتب رمضان الرواشدة، الناقد الدكتور عماد الضمور، فيما أدارته الإعلامية سمر غرايبة.
من جانبه، قال الدكتور مهند مبيضين "إن الرواية كانت تحتاج إلى مزيد من العمق والتطوير فيما يتعلق بالبنية السردية للمكان والتحولات الاجتماعية والثقافية".
ورأى مبيضين، أن الرواية تشكل نصا جميلا يوثق تحولات مجتمع "إسعيدة"، الذي أصبح لاحقًا مدينة الهاشمية، ذلك المجتمع الفلاحي الذي شهد عن قرب التحوّلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي رافقت إنشاء مصفاة البترول.
وأشار إلى أن الكاتب قدم روايته بأسلوب سريع ومكثف، وهو ما يحسب له من حيث القدرة على الإيجاز والاختزال، غير أنه كان بإمكانه أيضا أن يطيل أمد الكتابة ليستكشف مزيدا من الجوانب والزوايا في حياة المكان والشخوص.
وخلص مبيضين إلى أن الرواية تنتمي إلى الروايات الاجتماعية التاريخية التي توثق ملامح التحول في المنطقة، وتعد إنجازا مهما في سياق التجربة الإبداعية للكاتب.
من جهته تحدث الدكتور عماد الضمور عن رواية "إسعيدة"، مشيراً إلى أنها ذاكرة مكان وعنوان انتماء، قائلا "تنبني رواية "إسعيدة" على فعل سردي يعتمد تقسيما تناوبيا للأحداث، يتصاعد في بناء الزمن الذي يواكب ازدهار المكان وتحوله من قرية هادئة إلى بلدة ناهضة، تخضع لتحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية واضحة مرتبطة بحقبة الخمسينيات من القرن الماضي، وما شهدته قرية "إسعيدة"، المعروفة الآن باسم الهاشمية، من تطور متسارع بفعل التكنولوجيا وأثرها السريع".
وأضاف الضمور أن أحداث الرواية تتكشف من خلال السارد المتجسد في شخصية قاسم الصالح، الذي ينساق وراء علاقات سردية حكائية منحازة لماضي المكان وصيرورته الزمنية، ترسيخا للهوية الثقافية التي يحتضنها المكان، التي تواصل شخوص الرواية البحث عنها باستمرار.
ورأى الضمور، أن المتلقي للرواية يستشعر روح المكان الأردني الخصب، وتضحيات الأردنيين دفاعًا عن وطنهم، ورغبتهم الراسخة في النهضة والعمران، فنقرأ في كل حرف من حروف الرواية، صياغة فنية لزمن ماضٍ وفعل حضاري باقٍ.
وأشار الضمور إلى أن الروائي يميل إلى التأريخ من خلال إخضاعه لإنتاج معرفي معاصر، ويستعيد من خلاله الماضي في الحاضر، مستلهمًا فضاء "إسعيدة" الخصب بما فيه من أحداث وشخصيات وأماكن، وفق متخيل سردي يداعب وجدان المتلقي ويمنحه بعضًا من ألق المكان وعنفوانه.
وخلص الضمور إلى أن السارد في هذه الرواية ينحاز للمكان بشكل واضح، فالمكان هو بطل الرواية، والمؤلف والسارد والبطل يتحدون في الشخصية نفسها، مما يجعل رواية "إسعيدة"، تحمل بعضًا من ملامح السيرة الذاتية للمؤلف، مع إبراز الغيرية للمكان.
من جانبه، قال الروائي رمضان الرواشدة "إن الروائي محمد الزيود وضع بصمته المميزة في المشهد الروائي الأردني المعاصر من خلال عملين بارزين هما: "فاطمة: حكاية البارود والسنابل"، "إسعيدة"، مبينا أن الزيود ينتمي لجيل من كتاب الرواية والقصة الأردنيين الذين برزوا منذ تسعينيات القرن الماضي.
وأشار الرواشدة إلى أن حضور المكان الأردني والشخصية والهوية الوطنية في أعمال الزيود يتجلى بوضوح، مع حفاظه على امتداده القومي العربي وارتباطه الوثيق بالقضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية للأردنيين جميعًا.
قال الرواشدة "إن "إسعيدة" وما حل بها منذ خمسينيات القرن الماضي، وما آلت إليه أوضاعها والتطورات الحياتية اللاحقة، هي حكاية كل قرية أردنية شهدت تطورًا اقتصاديًا مشوهًا أدى إلى موجة من التغريب الاجتماعي والسياسي، وصولا إلى تهميش الأطراف لصالح المركز، دون أي مراعاة لأهمية توزيع المكتسبات بين المركز والأطراف".
ورأى أن الرواية ترصد التحولات الاجتماعية في منطقة مهمة خلال الفترة الممتدة من خمسينيات القرن الماضي حتى بداية ثمانينياته، حين بُنيت مصفاة للبترول في الأراضي الزراعية في قرية "إسعيدة".
وأشار إلى أن هذا الحدث كان إحدى نتائج أخطاء متعددة أدت إلى هجر المراعي والزراعة، وانخراط أبناء القرية في العمل بالمصفاة كعمّال. وما حدث في "إسعيدة" لم يكن استثناءً، إذ تكررت هذه الظاهرة في مناطق أخرى من الأردن، حيث ترك أهلها الزراعة والتحقوا بالعمل لدى آخرين، كنتيجة طبيعية لهذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح الرواشدة أن الرواية ترصد أيضا، التحولات الاقتصادية التي شهدها الأردن من خلال التطور في مجالي الصناعة والعمران على حساب الأراضي الزراعية، وهو ما أدى إلى تشوهات مقلقة في الاقتصاد الوطني.
وأشار الرواشدة إلى أن الروائي يرصد بعين يقظة أهم الأحداث السياسية، من هجرة الفلسطينيين العام 1948، إلى هزيمة الخامس من حزيران 1967، وصولا إلى النصر الكبير الذي حققه الجيش الأردني في معركة الكرامة يوم الحادي والعشرين من آذار العام 1968.
وتأتي هذه الأحداث، حسب الرواشدة، متجسدة في قصة استشهاد كريّم العليان، ابن القرية الذي مضى إلى الجندية مدافعاً عن بلده الأردن. ويبدو أن قدرنا، نحن أبناء العسكر والفلاحين، أن نموت دفاعاً عن هذا الوطن الذي نحبه وننتمي إلى ترابه.
وأشار الرواشدة إلى أنه ثمة إضاءة في الرواية، تتجلى فيها علاقة متشابكة وعريقة بين الشعبين الشقيقين، الأردني والفلسطيني، من خلال قصة "نوفة"، جدّة بطل الرواية قاسم الصالح. فقد هجرت، مع أهلها، من قريتهم قرب رام الله نتيجة العدوان والاحتلال الصهيوني، وجاءت إلى الأردن كما جاء مئات الآلاف إلى هذا الحمى العربي. وقد استقبل الأردنيون هؤلاء المهاجرين بكرم وأحسنوا رعايتهم، مما يعكس عمق الروابط الإنسانية والوطنية بين الشعبين.
وعندما يشير الزيودي، بحسب الرواشدة، إلى التحولات الاجتماعية التي طرأت على قرية "إسعيدة" بوضوح بالغ، فإنه لا يقتصر على ذلك فحسب، بل يسلط الضوء أيضًا على التغييرات التي أصابت المكان الأردني، حيث طُمرت أسماء القرى والأماكن الأردنية القديمة لتحل محلها أسماء جديدة، في مؤشر على محاولات طمس الهوية المحلية والتاريخية.
ورأى الرواشدة أنه حتى الصفحة الثمانين من الرواية، كان يتساءل: أين تقع قرية "إسعيدة"؟ فقد كانت معرفتي بالمكان الأردني جيدة جدًا، وخصوصًا بالقرى المحيطة بها، مثل "غريسا" و"المسرّة" و"العالوك" و"القنية" وغيرها، كما ورد في الرواية. لكنني اكتشفت أن المختار طلب من الدولة تغيير اسمها التاريخي، ليصبح اسمها اليوم "الهاشمية"، بالقرب من موقع مصفاة البترول الأردنية، وهو ما يبرز كيف يمكن للتغيرات الرسمية أن تمحو جزءًا من الذاكرة المحلية والهوية التاريخية للمكان.
وهذا الأمر تكرّر في العديد من القرى والأماكن الأردنية الأخرى، التي سلبت هويتها وذاكرتها، وحُلت أسماءها التاريخية بأسماء جديدة، في عملية تمثل محاولة لتغيير وجه المكان ومحو جزء من ذاكرته الشعبية والتاريخية.
وخلص الرواشدة إلى أننا أمام رواية تؤرخ للمكان الأردني بهويته وشخوصه، وهي رواية جديرة بالاقتناء والقراءة.
في نهاية الحفل، شكر الروائي الزيود المشاركين على حضورهم وما قدموا من إضاءات على مضامين الرواية، ثم قام بتوقيع الرواية للحضور.