السلام المفروض.. رؤية ترامب الجديدة للشرق الأوسط*د.عامر سبايلةد.عامر سبايلة
الغد
بعد فرض الرئيس ترامب لوقف الحرب في غزة، تنتقل المنطقة إلى الجزء الثاني والأهم وفقاً لرؤية الرئيس الأميركي نفسه، الذي يصرّ على أن وقف الحرب في غزة هو إعلان بداية لانطلاق مسار السلام في الشرق الأوسط. وعليه، فإن قراره زيارة المنطقة، بدءاً من إسرائيل وإلقاء خطاب في الكنيست، ثم التوجّه إلى مصر، يمكن قراءته كإعادة رسم لمشهدية السلام الإقليمي التي يسعى إليها ترامب.
ترامب، المسكون بفكرة السلام الإقليمي منذ حقبته الأولى، والتي بُنيت على جزأين: "صفقة القرن" و"الاتفاقيات الإبراهيمية"، يعود اليوم عبر سياسة وقف الحرب وفرض الحلول. وهو ما ينسجم مع المتغيرات التي حدثت بعد السابع من أكتوبر، فكما بدأت الحرب من غزة، يعود ترامب عبر غزة ليعلن رؤيته لما هو أبعد منها، في إطار مشهد سلام إقليمي يُفرض أميركياً.
لكن يبقى السؤال الأهم حول هذا النمط من السلام، أي "السلام المفروض على الجميع"، ومدى قدرته على النجاح والديمومة، وانعكاساته على الأطراف المعارضة أو المعطلة له. لذلك لا يمكن الاعتقاد بأن وقف إطلاق النار في غزة وفق الرؤية الأميركية سيمرّ دون تداعيات على المستوى الإقليمي، فهناك من سيُجبر على التأقلم مع شكل الحلول القادمة، وهناك من سيفرض عليه السلام بالقوة. بمعنى آخر، قد نكون أمام مشهد يفرض خيارين: الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، أو مواجهة خطر الصدام العسكري.
السلام المتعثر طوال السنوات الماضية تتم محاولة فرضه اليوم بنمط جديد من الدبلوماسية، هي دبلوماسية "فرض الرؤية"، في ظل التفرد الأميركي الكامل بالمشهد، وحالة "غياب الحلول" التي عاشتها المنطقة منذ عامين من الجبهات المفتوحة.
في فترته الأولى، طرح الرئيس ترامب عناوين للسلام الإقليمي ولم يفرضها، من "صفقة القرن" إلى "الاتفاقيات الإبراهيمية" التي قدّمها كمظلّة للسلام القادم. لكن ما يجري اليوم بعد حرب غزة خلق حالة من الفراغ تستدعي ملأه، عبر فرض الحلول على الجميع.
صحيح أن مثل هذا السلام لا يمكن تصنيفه كسلام حقيقي، لكنه بلا شك شكل من أشكال الحلول العملية المفروضة أميركياً. وهو لا يأتي فقط بعد التحولات التي شهدتها المنطقة على مختلف جبهاتها، بل يتزامن مع استعداد الولايات المتحدة وتلويحها بخيار الحرب. لذلك فإن هذه الدبلوماسية الأميركية ليست مبنية على التفاوض والحوار، بل على التهديد والفرض.
رغبة الرئيس ترامب في فرض صيغة حلّ تضع الجميع أمام خيار الأمر الواقع يمكن تسميتها "خطة سلام"، لكنها في جوهرها صيغة مفروضة للتعايش. قد لا تكون قابلة للحياة طويلاً، إلا أن كلفة رفضها في المرحلة الحالية قد تكون أعلى بكثير.
ما بعد غزة، قد تكون المنطقة أمام نموذج جديد لفرض الحلول في مناطق أخرى، عنوانه الأبرز في المرحلة الأولى محيط إسرائيل الجغرافي بما فيه سوريا ولبنان، ثم الانتقال للتعامل مع رافضي أو معطلي رؤية السلام على الطريقة الأميركية، بما قد يشمل لاحقاً العراق واليمن، وأهمها إيران.
لقد حدّد الرئيس ترامب عناوين وملامح المرحلة القادمة، وإصراره على زيارة المنطقة وإلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلي بالتزامن مع تسليم الرهائن الإسرائيليين، ثم التوجه إلى مصر لحضور توقيع اتفاق غزة وإطلاق رؤيته للسلام الإقليمي، يعني أن "الوصفة الأميركية للحل" باتت الوصفة الوحيدة المطروحة، والتي ستسعى إدارته إلى فرضها على الجميع. فالحل يبدأ في غزة، لكنه لم ولن يقتصر عليها.
أما السلام الإقليمي، وخصوصاً أن العنوان الأكبر لخطة ترامب هو تحسين علاقة إسرائيل مع الجميع، فيبدو أنه بات المشروع المركزي للإدارة الأميركية. فربط مسألة وقف الحرب في غزة بإطلاق رؤية ترامب للسلام في الشرق الأوسط يعني باختصار أن المشهد في غزة ليس إلا فصلاً من فصول الرؤية الأميركية الأوسع للمنطقة بأكملها.