عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Sep-2025

صبري .. كتابك في يمينك| أحمد سلامة

 

عمون-
قال لي احد النقاد النافذين، لماذا قلت في ندوة (كتاب دولة ابو العصام) عنه ولم تتناول الكتاب، فاجبته.. لان الحالة التي هي دولة عبد الرؤوف الروابدة، الاسمى والاعلى. وكنت احب ان اقول للجيل الجديد سجايا المؤلف، فان كان الاهتمام به جديا راح لقراءة الكتاب..
 
اليوم سأقول كل شيء عن كتاب معالي الدكتور صبري ربيحات (وكاني لازلت هناك) واتناوله من زاوية نقدية خالصة، وبموضوعية مطلقة.. وذلك لسببين:
 
اولهما محض شخصي، ان معالي المؤلف قد مر على علاقتي به في الكتاب دون ان يضفي اية عاطفة على زاوية رؤياه تجاه علاقتي به
وهذا خففني من اية عاطفة في تناولي للكتاب، اسوة بما فعل، وكذلك عاملنا الدكتور صبري في حفل اشهاره للكتاب بتل القمر الصديق محمد حسن التل وانا، على اننا من حواضر الاحتفال واتخذنا ركنا قصيا في الحفل… وغادرنا دون ان يحس بنا احد.. لحظة الانتهاء!!
 
اما السبب الثاني… فإنني اعلن بصورة اذعانية كاملة ان كتاب الدكتور صبري ربيحات قد فند كل اباطيل (البرمكي جعفر) في وصاياه للرشيد حين قال (ثلاثة تدل على صاحبها، الهدية والكتاب والرسول) وانني لن اعاود استعمالها كحكمة بعد ان اتممت قراءة كتاب الدكتور صبري ربيحات.. ذلك لان هذا ال صبري في ابداعه قد فند كل مزاعم (كل البرامكة وليس فقط قول جعفر) فكتاب (وكأنني لا زلت هناك) هو لوحة فنية تتسم بالابد والخلود وهي اي الكتاب كان هو صبري ذاته وكان صبري هو الاهم لان مؤلفه كان كل كله كان الشخص والكتاب شيءا واحدا
 
ابداء القول… قرأت النقد الادبي قبل نصف قرن على يد اساتذة ثلاثة في جامعة الكون كله والحب كله الجامعة الاردنية.. الاول كان الاستاذ الدكتور هاشم ياغي رحمه الله. والثاني الاستاذ الدكتور محمد عبده عزام صاحب الفضل الاكبر على حياتي رحمه الله. والثالث..
الاستاذ الدكتور محمود السمرة رحمه الله
 
ولم اعجب بفكرة النقد الادبي طوال حياتي وظننت ان الناقد ما هو الا مشروع مبدع لم يوافيه الحظ فاخفق فاختار النقد سبيلا للتعويض..
لكن بعد انتهائي من مصاحبة الدكتور صبري للوحته الخالدة اربعة ايام متوالية، لم اقدر ان افلت منه دقيقة واحدة، فلقد استولى على روحي بالكامل، فلقد انخت في محراب هذا الابداع، وانساني من هو صبري، وما علاقتي به، وما هي سجاياه وخصاله التي اعرفها..
 
وحين فرغت هذا الصبح، من قراءته من اول حرف حتى اخر حرف واحسست بالندم انه انتهى.. صفنت طويلا وعلى هيئة حزن مريب في اسبابه لصاحبه قلت لحالي لقد خدعني صبري ربيحات، خدعة العمر فانا على تواصل معه لعدة عقود، وكان ظني انني اعرفه بعمق
 
ولما فرغت من تعلمي من كتابه ادركت انني لم اكن اعرف صبري ولم اقف على كنهه.. هذا الانسان الاردني كله، المتمرد دوما البري ابدا، والوطني حد الهوس، الساخط بحدة والمبدع لاسلس سيرة وطنية ولا اقول ذاتية، وبكل فخر اضعها على رف لكتب لقنتني العلم والروح والادب جنبا الى جنب بل ربما من دون اي محاباة بتفوق على سير جبرا ابراهيم جبرا (البئر الاولى)، عبد الرحمن منيف (سيرة مدينة)، وعنبرة سلام، وبشير العظمة (جيل النصر والهزيمة) وتوفيق الحكيم، مذكرات نائب في الارياف…
 
ان دفتر ذكريات صبري ربيحات يجوز ومن باب نقدي بحت ان يوضع مباشرة بعد (عشناها لنرويها) لـ غابرييل غارسيا ماركيز.. وقد ارى شفاها تقلب عقب بعض من النساك والحساد بقولهم هذه صيغة مبالغة!!
 
وبكل اطمئنان اجيب (ان الاوطان المحدودة في امكاناتها لا تنتج عمالقة في الابداع) وهذا قدرتا…
 
اولا: عن مبدع النص. صبري عبد اللطيف ربيحات على ذكره لـ التحاقه بالجامعة الاردنية تبين الي انه كان في الدفعة التي تلت دفعتي، ولم اعثر عليه طوال ذرعي لشوارع الجامعة وصخبها وضجيجها سوى صورة بعيدة، لريفي جاء الجامعة ويرتدي جرزاية شتوية في مطالع الصيف
هذه صورة وهمية لانني بالفعل لم اعثر له في ذاكرتي على اي تقاطع بيننا
 
وقد فسر لي هو في الكتاب اسباب ذلك انه عزف مبكرا عن اي نشاط سياسي حين اعتذر لصديقه الشيوعي وارجع له البيان السري بعد ان قرأه!!
 
اما انا فلم يكن في حياتي سوى فلسطين والسياسة في ذلك الحين!! وجاء الخل الوفي الحبيب المحب الاستاذ الدكتور علي العضايلة بمبادرة وصل بيننا حين كان هو ضابط وصرت انا في (الراي) صحفيا وعلي الغالي كان هو الرابط لكن العلاقة ظلت على الحواف لكن الذي له الفضل في ان نتداخل بالكثير من الصداقة، والكثير من الحب، هو الدكتور مصطفى الحمارنة في مطالع التسعينيات
 
انتقلت للعمل في المقر السامي وصبري كان على حاله يترفع نجمة عقب نجمة، وابو صطيف اخذ على عاتقه، تجسير الناس مع بعضهم بعضا بشرط ان يكون لك موقعا يفيد، وحين تنتهي ينتهي واشهد الله ان فترة التلاحم بيننا حين صرنا ثلاثة صبري، مصطفى، وانا ثالوث
اضحى بطعم استثنائي وما زالت الهواجس تدفعني الى ان شخصا ذا تاثير ساحق هو من اخذ على عاتقه فكفكة هذا الثالوث لان البعد الواحد مستحب اكثر في حركة الناس على سطح المرحلة التي نعيش..
 
المهم ان صلتي بصبري قد توطدت اكثر وربما لسبب انتمائنا (لعمون) والاستجابة لمبادرات الاخ سمير الدافءة. ومن سوء حظنا صبري وانا
ان مصطفى قد ذهب بعيدا مع الريح
 
سألت ابو عبداللطيف.. تصدق افتقدت مصطفى في حفل التدشين في تل القمر لانني جلت ببصري وحيدا في المكان حين كانت تلك السيدة النبيلة تهيمن على المكان بسطوة روحها (ام العبد / نسرين) وهربت من سطوتها لاستحوذ على بعض حقي في المكان التي تكرست بقاع عميق من ذكريات يصعب الافراج عن اغلبها كتابة وقفز الى قلبي مصطفى..
 
هل فكرت بدعوته يا صبري: سرح صبري بحزن وتململ عبر تحريك شفاهه: والله انا افتقدته ايضا، ولم يزد !!
 
كان صبري دوما على مدار ما كان ناقدا وطنيا، وحكاء متعجرفا يفرض سطوته في الحديث باحتيالات ابناء الريف التي تستعمل الالحاح في الكلام من وحي خبرتها في الالحاح على ممسك المحراث واللز على الاطراف ليدرك المنتهى
 
لم يقبل صبري في حواراته الا دوما بالفوز المطلق وكذلك هو ملول في الاستماع ويهرمش الاخر انى قرر هو بصرف النظر عن الحال الراهنة
 
اعني كان له منهجه الخاص، حين يتيقن من اللاجدوى من فوزه بغنيمة الاقناع ينسحب تحت شعار ساخر ارتبط به وحده (طمني عنك؟) ويزيد بملء التهكم (عنك طمني)
 
صبري تنقل بين مؤسسات الدولة كلها لكنه ظل وفيا لمؤسسته الاولى ففي صف احتفاله الاول بتل القمر كان الصف في اغلبه حكرا لـ (الامني) وباستثناء دولة ابو عصام، والزوجة الدكتورة الفاضلة عقيلة معالي الاخ الحبيب عاطف عضيبات، والدكتور مجدي الخيري كان الصف اوله امني (مدير مخابرات سابق) ووسطه امني (قائد حرس ملكي سابق، ومن بعد ذلك موج من باشوات ما جعل شخص مثل الدكتور ممدوح العبادي ان يتخذ مكانا قصيا وكذلك فعل خليل عطية
 
ان الاخلاص لمعنى الامن في شخص صبري ظل هاجسه في حبه للاردن وظل يحس انه لا احد بقادر ان يزاود عليه في اي شيء يقول ان اقتضى الحال المراجعة او المساءلة
 
كان صبري عذب المجالس وصعب كنديم في آن لكنه ظل نسيجا وحده وطغى حضوره على المكان العماني ولا يستطيع احد ممن سيكتب عن عمان بحياد وصدق تجاوز فعله واثره
 
ثانيا: النص ( وكاني لا زلت هناك )
 
في كتابتي عن (ابو عبد اللطيف) كنت بلا عواطف لكن كتاب (ابو عبداللطيف) ساتحول بكلي قلما وفكرا وروحا الى (العاطفي)
 
هذا نص لا يستطيع مقاومة سحره الا محايد في قضية الوطن الاردني او عديم الذوق او الاحساس
 
نص صبري ربيحات
 
لم اصدقه حين قال عبر دموعه في تل القمر انه كتاب عن الناس وكان هو مجرد شاهد وظننته ضربا من ضروب احتيالات صبري الاستدراجية للحضور لكن حين اتممت قراءة نص الكتاب اقول فيه بلا تردد انه (انجيل جيلنا) في الوطنية والحب
 
هذا نص ابدعته القسوة على اقدام طفل في الجنوب، وكان حبره حزمة من حظوظ تقاطعت كاقدار نورانية في حياة فتى جنوبي تعيس
فرفعته الى العلى..
 
وحروف النص مشروع وطن عربي صاغه الهاشميون على هيئتهم فهندسوا وراثة البدوي واللاجيء والفلاح هندسة جعلت من طفل يخترق المسمار قدمه العارية وهو يبحث عن اجرة ليشتري فيها اقلامه، الى شخص يجعل من الريح ثقافة ومن المهرجان بستان حياة
 
من جعل من الطفل الذي انشغل ابوه مع امرأة ثانية عنه، وزيرا يصنع ثقافة الوطن واتاح له فرصة اغلاق الدائرة النفسية من طفل يلاحقه العتب لانه يدخل الكروم في محاولة لاختصار مشاوريه للمدرسة بين عيمة والطفيلة ليخلق بالرسم تلك اللوحة الملائكية في مكان قصي عن مسقط الرأس في العالوك
 
انها همته وحده ومرجلته بالارادة الحاسمة التي لا تقبل نصف حل وقبل هذا مشروع الدولة الاردنية التي اعتنت بهذا النموذج النفسي الاردني الذي كان يسميه سمو الامير الحسن في الثمانينات (النموذج النفسي الاردني المسكون بهاجس الوطنية والمثابرة)
 
ان القاء نظرة على اسماء طلبة المنح للدكتوراه في عصر دراسة الدكتور صبري في كاليفورنيا تشي بوضوح ان الدولة اخذت قرارها في انصاف من هم في صف اهل الموهبة واهل الحاجة ومنحهم كل الفرص المتاحة (على العضايلة، عبد الله العكايلة، محمد ذنيبات، صبري ربيحات) وهكذا
 
كنت دوما اردد ان اهم معجزات جلالة المغفور له سيدنا الحسين انه (وطن البدو) وجعل منهم قادة وطن واسكن (اللاجئ) وانتزع من داخله وتد (المؤقتية)
 
نص صبري ربيحات حين تبدا به مع طفل احترف الرعي الى ختمة زراديشتية بخبرة لم يتحصل عليها الملك تشارلز نفسه من اسفار ومناصب وملكيات وحب وثقافة وتعليم.. فان النتيجة يسهل قولها (ان الاردن المشروع الرسالي للعرب كلهم) هو جائزة الهاشميين للامة وتعبير الامتنان للسلالة الطاهرة
 
وكذلك ان النص (يبرئ الاردني الواعي) ان كان من الخليل او الجليل من الكرك او الطفيلة من السلط او نابلس يبرءه من اي فكر (جنجويدي)
 
وكتاب صبري يدحض علميا الانحيازات الرديئة والتنظير السمج، الذي يعتدي على المشروع النهضوي الاردني ويجعل من منطق الحارات خيارات وطنية
 
لقد سكب صبري ربيحات من روحه السامية حبا خالصا للحالة الوحدوية والكتاب صورة للتجميع على المثل ولقد احببت كيف انه كان مدرسة خاصة به في قراءة احداث الفتنة في ايلول قبل عشرات السنوات
 
ونص الكتاب يتوفر على قداسة في الحروف حين يتناول امور الحرية والتنوع والتعدد ووجوب قبول الرأي الاخر
 
ان المباهاة التي فرضها صبري ربيحات بما اتاه فصيل فلسطيني مقاوم على صورة السابع من اكتوبر ستظل تخلد بالفضح مرة لاكاذيب يهود وبالعزة والامل في مستقبل امة العرب
 
كان صبري في تعاطيه مع اسطورة السابع من اكتوبر هو الاسطورة لما اتاه من حكمة انسانية وطنية عربية لم يسبقه احد في ترصدها كما هو فعل
 
اختم
 
ابوة صبري، تكرار لعاطفة كل منا تجاه الابن وكلنا متأخرين في انجازها ام مبكرين تظل هي هي كما وصفها ابو العبد (الابدية والخلود)
 
لقد ابدع صبري في رسم حبه للميلاد الاعظم في حياته ميلاد عبد اللطيف وحين استشار نسرين حول مشروع الوزرنة للمرة الثانية اجابته بدفء النابلسية تلك المدينة التي هي من صنع نجوم النحوم في عمان ومن قدم الشهداء اول شهداء الرئاسة كان منها برغم ان الكثير من المؤرخين يحشرون انفسهم في ثنائية الاستشهاد بين وصفي وهزاع.. فقط
 
ابراهيم هاشم هو من كان الثاني عقب ان عمد الملك المدهش الشهيد بدمه درب الشهادة واحمد طوقان وقدري طوقان وبهاء طوقان، وعدنان ابو عودة، كلهم رؤساء في المقر السامي
 
واختتمت نابلس في اخر رئيس وزراء منها ادرك الدوار الرابع اطال الله في عمره وجنبه كل كرب صحي دولة ابو نشأت
 
كانت نسرين بنت هذه البيئة التي تعبق بشهوة السلطة فاجابت صبري بسكينة ودون مواربة (بحب ان يلد ابني وان يكون ابوه وزيرا)
 
ان للسلطة شهوة لا يدركها الا لمن فاتته وليس من فاتها وبهذا المعنى فانني اتمنى من اعمق روحي لـ عبداللطيف المشروع الوحدوي الذي يربط بين نابلس مدينتنا الحبيبة التي هي اول وعي عندي ولا استطيع ان اكون محايدا فانا بالتبعية خال عبد اللطيف اتمنى له ان يعيد هو وجيله الماء للنهر
 
بورك قلبك الندي
يا ايها ال صبري
 
ومرحبا بك في عالم الكبار من اهل السير الخالدة
 
ونهنئ انفسنا بـ (وكأني لا زلت هناك)
 
انت منذ اليوم هنا في قلب كل اردني مخلص