عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Jun-2025

حرب في المنطقة الرمادية*مالك العثامنة

 الغد

في لحظة فارقة من التاريخ الإقليمي والدولي، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليعلن عن ضربة عسكرية "محسوبة" ضد منشآت نووية إيرانية، وليقدمها كرسالة ردع قوية، لا كخطوة نحو الحرب، التي يحاول أن يتجنبها في ظل انقسام أميركي داخلي شديد خصوصا بين أنصاره ناهيك عن خصومه.
 
 
 لكن خلف هذه اللهجة المنتصرة، تتصاعد في واشنطن مشاعر القلق والتوجس من رد إيراني قد لا يكون مباشرا، ولكنه حتما قادم، وبأساليب قد تكون غير تقليدية، وربما خارج إطار التوقعات.
 
ترامب في خطابه لم يتحدث بلغة التصعيد المفتوح، بل تباهى بضربة "ناجحة" لم تسفر عن ضحايا، وكأن الأمر مجرد عملية جراحية عسكرية لوقف الخطر دون إثارة الفوضى، لكن هل تتعامل إيران مع المسألة بهذه الطريقة؟ 
السؤال يتجاوز النوايا، ليصل إلى معادلة الردع المتبادلة، وإلى اختبار الإرادات الذي يبدو أن واشنطن بدأت جولته الأولى.
الخطوة الأميركية، رغم دقتها، تفتح الباب أمام سيناريوهات كثيرة، فطهران لن تسكت طويلا على ما تعتبره استهدافا مباشرا لسيادتها وقدراتها الإستراتيجية، الرد الإيراني قد لا يأتي عبر صواريخ واضحة المعالم، بل عبر وكلاء إقليميين، في لبنان، في العراق، وربما في أماكن أخرى لا تملك فيها الولايات المتحدة رفاهية الحسم السريع.
إدارة ترامب تدرك هذه المخاطر، لكن يبدو أنها تراهن على أن تكون الضربة قوية بما يكفي لكبح الرد، ومحدودة بما يكفي لتجنب الحرب، وهي معادلة دقيقة، لا تحتمل الأخطاء ولا سوء الحسابات، خاصة في منطقة تغلي بكل أشكال التوترات.
في العمق، هذه الضربة ليست فقط رسالة لإيران، بل أيضا اختبار داخلي لترمب نفسه، وهو الذي يخوض حملة انتخابية يريد أن يظهر فيها بمظهر القائد الحاسم، وفي نفس الوقت، هي رسالة لحلفاء واشنطن التقليديين، بأن أميركا لن تتخلى عن موقعها القيادي في المنطقة، حتى وهي تسعى لتقليل انخراطها العسكري المباشر.
لكن الحسابات الأميركية قد تصطدم بحسابات أخرى، فطهران، وبرغم الضغط، ما تزال تملك أوراقا كثيرة، وأهمها قدرتها على الانتظار والمراوغة، وعلى استخدام هذا الصراع الرمادي كساحة للرد، وفي هذا السياق، تصبح المنطقة كلها رهينة لتطورات لا يمكن التنبؤ بها، حيث تكفي شرارة واحدة لتتحول اللعبة كلها إلى حريق شامل.
في المحصلة، الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة، قد تعيد رسم خرائط النفوذ والتحالفات. وترمب، بخطوته الأخيرة، أشعل فتيل مرحلة غامضة، لا أحد يستطيع التنبؤ إلى أين قد تصل. وحدها الحكمة والواقعية، هي التي قد تنقذ المنطقة من فوضى جديدة، لا يملك أحد ترف خوضها.