الغد-محمد الكيالي
في ظل التصعيد بين طهران والكيان الصهيوني، يتزايد القلق من احتمال انزلاق المواجهة نحو استهداف منشآت نووية، وهو سيناريو لا يمكن استبعاده في ظل الخطاب المتوتر والتهديدات العلنية المتبادلة بينهما.
وهنا، يبرز سؤال جوهري: هل ستتحول المنشآت النووية، لنقاط اشتعال تقود المنطقة إلى كارثة غير مسبوقة، أم أن القوى المتصارعة ما تزال تتحلى بالحد الأدنى من العقلانية، وتخشى تجاوز الخطوط الحمراء؟
من ناحية أخرى، يُثار تساؤل حول مدى استعداد كيان الاحتلال للمضي قدما بتنفيذ تهديداته، وإلى أي حد تملك إيران فعليا أدوات ردع.
انزلاق نحو المجهول
في هذا النطاق، ويرى خبراء سياسيون، أن الكيان الصهيوني المدعوم بتفوق عسكري وتقني واضح، بالإضافة إلى التأييد الغربي، لا يتردد بفرض رؤيته بالقوة، بخاصة في ظل غياب الرقابة الدولية على ترسانته النووية.
في المقابل، تُظهر إيران درجة من ضبط النفس، برغم امتلاكها لنفوذ إقليمي واسع وأدوات تأثير متعددة. كما يوحي المشهد العام بمواجهة غير متكافئة، لكن تداعيات أي ضربة على منشآت نووية سواء في بوشهر أو ديمونا، قد تكون كارثية على الجميع دون استثناء.
وهنا يظل التساؤل مطروحا: هل نحن أمام مواجهة عقلانية محسوبة، أم أن المنطقة على أعتاب انزلاق نحو المجهول؟
وعلى الرغم من التوتر القائم، ما تزال هناك مؤشرات تدل على تريث إيراني، يقابله اندفاع من الكيان، تغذيه اعتبارات داخلية وتحالفات دولية. وتبقى خطورة المرحلة بإمكانية تحول أي قرار غير مدروس إلى واقع دموي، قد تضع المنطقة بأكملها أمام جنون وتداعيات كارثية، بخاصة إذا خرجت المواجهة عن السيطرة وأخذت طابعا نوويا، حتى لو اقتصر ذلك على مستوى التهديد فقط.
سيناريوهات غير متوقعة
من هنا، يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية د. بدر الماضي، أن التطورات المتسارعة في المنطقة، تنذر باحتمالات الذهاب لأفعال غير متوقعة من الجانبين إيران والكيان، برغم ما تفرضه المعطيات من ضرورة للتروي والحذر باتخاذ قرارات مصيرية بهذا الحجم، مبينا أن تقييم القدرة على الإيذاء المتبادل يظهر تفوقا واضحا للاحتلال من حيث القدرات العسكرية والتقنية.
وأوضح أن طهران، لا تبدو راغبة في التصعيد إلى مستويات أوسع من تلك التي وصلت إليها حتى الآن في ظل توازنات إقليمية ودولية دقيقة، موضحا أن الاحتلال يسعى لفرض رؤيته على محيطه بمنع خصومه وعلى رأسهم إيران، من توسيع نفوذهم أو التأثير في خريطة المنطقة، لافتا إلى أن الكيان لا يريد منح طهران أو غيرها من القوى الإقليمية، فرصة لتثبيت وجودها أو تمرير رؤاها السياسية والعقائدية في الإقليم.
وأضاف الماضي، أن طهران، حتى اللحظة، لم تظهر استعدادا للعودة لنهج الدولة "العاقلة والرشيدة" في الإقليم، عبر التعاون مع الدول المحيطة، بعيدا عن علاقتها بالكيان، بل ما تزال متمسكة بمشروعها التوسعي، برغم التحولات التي طرأت على مكانتها منذ سنوات.
وأكد الماضي، أن الإشكالية معقّدة ومتداخلة، ولا تقتصر على ثنائية الصراع بين الطرفين، بل تمتد لتشمل طبيعة النظامين السياسيين فيهما، وتوجهاتهما الإقليمية. مشدّدا على أن المشهد في المرحلة المقبلة قد يظل ضبابيا، مع غياب تصور دقيق لشكل المواجهة المنتظرة.
وشدد على أن أي تصعيد يمس المنشآت النووية في إيران أو الكيان، ستكون عواقبه كارثية، لا عليهما فقط، بل على الإقليم بأسره، بما يحمله من هشاشة أمنية وتوترات قابلة للانفجار في أي لحظة.
"جنون نووي" بدعم غربي
بدوره، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والنائب السابق د. محمد القطاطشة، أن ما تمارسه حكومة الكيان "جنون سياسي"، خصوصا وأنها حكومة متطرفة، تمتلك سلاحا نوويا خارج إطار الرقابة الدولية، ولم تخضع يوما لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مبينا أنه "برغم ذلك يدّعي الاحتلال، تطبيقه للقانون الدولي، ويتصرف كأنه فوق المساءلة، في حين أن رئيس وزرائه ووزراء في حكومته، مطلوبون للمحكمة الجنائية الدولية".
وأشار القطاطشة، إلى أن تصرفات الكيان في المنطقة تفتقر للعقلانية، مشيرا إلى أن الحكومة الصهيونية الحالية، لا تسعى للتهدئة بل تتبنى نهجا تصعيديا مستمرا، مبينا أن إيران، تُظهر حتى الآن قدرا من ضبط النفس، ولا تبدو راغبة بجرّ المنطقة لمواجهة مفتوحة.
وأضاف "من حق إيران كأمة فارسية، امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية، طالما أنها لم تُنتج أسلحة نووية، وهذا حق تكفله القوانين الدولية. لكن ما نراه هو أن الكيان، وبدعم صريح من الغرب، خصوصا من الولايات المتحدة، يحاول فرض نفسه كشرطي على المنطقة، وتوظّيف تفوقه العسكري دون رادع".
وأكد القطاطشة، أن الموقف الأردني الرافض لهجوم الاحتلال على إيران، والذي عبّر عنه جلالة الملك عبدالله الثاني، يُشكّل موقفا متوازنا، يتقاطع مع تحركات إقليمية، أبرزها الاتصال الذي أجراه ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الإيراني في محاولة لاحتواء التصعيد.
وتابع "برغم وجود خلافات عربية مع إيران، تتعلق بتدخلها في شؤون بعض الدول، فإن هذه الخلافات لا تبرر الوقوف إلى جانب الحكومة الصهيونية في سلوكها العدواني"، مضيفا أن "الحكومة الحالية تمثل اليمين الصهيوني المتطرف، وهي امتداد لتلك الجماعات التي اغتالت رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين، وأظهرت عداء صارخا لأي مسار سلام".
واختتم القطاطشة، "إذا واصلت الاحتلال استفزاز إيران ومحاولة كسر شوكتها، فإن المنطقة بأكملها ستجد نفسها رهينة أجندة الكيان، تفرضها بقوة السلاح والتأثير السياسي في البيت الأبيض". مبينا أن "على العرب إدراك أن إضعاف إيران بهذا الشكل لن يصب في مصلحتهم، بل في مصلحة عدو مشترك لا يخفي نواياه التوسعية".