الغد-آلاء مظهر
بينما أعلنت الحكومة الإثنين الماضي عن إنشاء 19 مدرسة جديدة، تخدم 12 ألفا من الطلبة في المحافظات، ضمن مشروع المسؤولية المجتمعية الذي أطلقته الحكومة في آذار (مارس) الماضي، وبادرت مؤسسات القطاع الخاص بدعمه، يرى خبراء في التربية، أن هذه الخطوة تعكس نموذجا متقدما للدور المتنامي للمسؤولية المجتمعية بدعم قطاع التعليم.
وأكدوا في أحاديث منفصلة لـ"الغد"، أن إشراك مؤسسات القطاع الخاص بمثل هذه المشاريع، يوسع من نطاق الخدمات التعليمية، ويجعل من المسؤولية المجتمعية أداة إستراتيجية لتطوير البنية التحتية، وتحقيق التنمية المستدامة، لافتين إلى أن ما يميز هذه الخطوة، هو عدم اكتفائها بتقديم حل تقني أو مادي، بل وتضع الإنسان في قلب العملية التعليمية، وتعكس فهماً عميقاً لارتباط البيئة التعليمية بجودة التعلم، مع استشراف لمتطلبات المستقبل، وتحديات القرن الـ21، ما يجعل هذه التجربة نموذجية وقابلة للتكرار والتوسع على نحو مستدام.
وأشاروا إلى أن هذا التعاون، يعكس وعياً اجتماعياً متقدماً، يقوم على تقاسم المسؤولية بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، بما يضمن تطوير البنية التحتية المدرسية، وتوفير تقنيات حديثة، ويعزز فرص الطلبة في الوصول إلى بيئة تعليمية أكثر عدلاً وابتكاراً، ما ينعكس إيجاباً على تكوين رأس مال بشري قادر على المنافسة في سوق العمل.
ويأتي مشروع إنشاء هذه المدارس في إطار مشروع المسؤولية المجتمعية الذي أطلقته الحكومة خلال آذار (مارس) الماضي، وبادرت مؤسَّسات القطاع الخاص بدعمه. وتضم هذه المدارس وفق بيان لوزارة التربية والتعليم أول من أمس 309 غرف صفية و15 غرفة رياض أطفال، وتتراوح نسب الإنجاز في 14 مدرسة بين
10 % و67 %؛ إذ يتوقع الانتهاء من أعمال البناء في 3 مدارس الشهر المقبل، و16 مدرسة العام المقبل.
خطوة إستراتيجية بالغة الأهمية
وفي هذا السياق، قال الخبير التربوي فيصل تايه، إن التعليم ركيزة أساسية للتقدم، تقوم عليه حياة الأجيال واستقرار المجتمع، وما يضمن استمراريته، هو جودته وفاعلية بنيته التحتية، ومن هنا فإن إشراك مؤسسات القطاع الخاص بمشاريع المسؤولية المجتمعية كإنشاء المدارس، خطوة استراتيجية بالغة الأهمية، إذ توفر هذه الشراكات فرصة لترسيخ منظومة التعليم وتجاوز التحديات التي تواجهها الدولة بتوفير بيئات تعليمية ملائمة، شريطة أن تدار في نطاق رؤية تربوية واضحة، وتخطيط دقيق يوازن بين البعدين البنيوي والتربوي،
وأكد أن إنشاء المدارس ليس هدفا مقتصرا على بناء المبنى حسب، بل ويشمل خلق بيئة تعليمية متكاملة تدعم نمو الطلبة فكرياً ونفسياً واجتماعياً، وتزودهم بالمهارات والمعارف لمواجهة تحديات المستقبل المعرفية والمهنية والاجتماعية. مضيفا أن المدارس الحديثة ليست مجرد مبانٍ جميلة فقط، بل تمثل بيئات تعليمية متكاملة، تؤثر في تجربة التعلم والتحصيل الدراسي، وتتيح للطلبة تطبيق أساليب تربوية حديثة، تشجع على التفكير النقدي والإبداع والعمل الجماعي، وتفتح أمامهم آفاق التعلم الذاتي والمبادرة المجتمعية، وتؤهلهم للمشاركة الفاعلة في الحياة العامة.
وأشار تايه إلى أن التجارب العملية أثبتت أن مثل مشروع إنشاء 19 مدرسة جديدة بدعم من مؤسسات القطاع الخاص، يرفع مستوى التفاعل التعليمي ويهيئ الطلبة لتجربة تعليمية متكاملة ومتوازنة بين التعلم النظري والتطبيق العملي، ما يعكس فهماً معمقاً لارتباط البيئة التعليمية بجودة التعليم ونجاح العملية التربوية.
وبين أن أثر هذه الشراكات لا يقتصر على البنية التحتية حسب، بل يمتد لنقل الخبرات الإدارية والتقنية التي يمتلكها القطاع الخاص، بما يعزز كفاءة إدارة المشاريع التعليمية، ويضمن استدامة المدارس على المدى الطويل.
ولفت إلى أن الاستفادة من معايير التخطيط والبناء والصيانة، تتيح للدولة والمجتمع تحقيق أقصى استفادة من الموارد المالية والبشرية، وتدعم القدرة على متابعة أداء المدارس وتقييم أثرها، ما يظهر بوضوح قدرة القطاع الخاص على الإضافة النوعية للقطاع العام، ليس على صعيد المبنى حسب، بل في تطوير أساليب الإدارة التشغيلية وتحقيق مستويات عالية من الجودة المستمرة.
واعتبر تايه، إن الشراكات بين القطاعين العام والخاص ليست رفاهية، بل ضرورة تربوية استراتيجية لما توفره من حلول مبتكرة لتحديات التعليم المعاصر، ولفتح المجال أمام بيئات تعليمية متكاملة، قادرة على إعداد الطالب ليكون فاعلاً مبتكراً ومواكباً لمتطلبات المستقبل.
وأوضح أن قوة هذه الشراكات، تكمن في القدرة على الموازنة بين الأبعاد البنيوية والتربوية، وضمان الجودة والعدالة، مع تحقيق أثر ملموس ومستدام للأجيال، بما يجعلها نموذجاً حقيقياً للشراكة المسؤولة والفعالة بين الدولة والمجتمع، ويؤكد أن التعليم، الاستثمار الأكثر أماناً لمستقبل الوطن.
وأشار إلى أن ما يميز هذا التوجه، أنه لا يكتفي بتقديم حل تقني أو مادي، بل يضع الإنسان في قلب العملية التعليمية، ويعكس فهماً عميقاً لارتباط البيئة التعليمية بجودة التعلم، مع استشراف لمتطلبات المستقبل وتحديات القرن الـ21، ما يجعل هذه التجربة نموذجية وقابلة للتكرار والتوسع، منوها بأن مثل هذه الشراكات، تمثل فرصة إستراتيجية يمكن للخبراء والممارسين التربويين الاستفادة منها كنموذج واضح لكيفية توظيف الشراكات المجتمعية والقطاع الخاص، بتحسين جودة التعليم واستدامة بنيته التحتية، مع تحقيق أثر اجتماعي ومجتمعي طويل الأمد.
ارتفاع نسبة الأبنية المستأجرة
الخبير التربوي عايش النوايسة، أكد أن المسؤولية المجتمعية في قطاع التعليم باتت ضرورة ملحّة، نظرًا لجملة أسباب، أبرزها حاجة الوزارة لإنشاء مدارس جديدة نتيجة ارتفاع نسبة الالتحاق بالتعليم بشكل عام وانتقال الطلبة من القطاع إلى الحكومي بسبب الظروف الاقتصادية للأسر.
وأشار النوايسة، إلى أن ارتفاع نسبة الأبنية المستأجرة والمدارس العاملة بنظام الفترتين، ينعكس سلبًا على جودة التعليم، إذ يحرم الطلبة من العدالة والمساواة بين من يدرسون بمدارس الفترة الواحدة والفترتين، فضلًا عن أن الأبنية المستأجرة لا توفر بيئة تعليمية ملائمة، ومن هنا تبرز أهمية إشراك القطاع الخاص ببناء مدارس حديثة مجهزة، بما يضمن بيئة تعليمية مناسبة.
وقال النوايسة، أن التحول نحو التعليم المهني والتقني يتطلب بنية تحتية مختلفة، إذ تحتاج هذه التخصصات لمدارس مجهزة ببيئات تطبيقية متطورة، ما يستدعي شراكة حقيقية مع القطاع الخاص لتوفير الجانب العملي المرتبط بالمهارات والكفايات التي يتعلمها الطلبة.
وشدد النوايسة، على أن الاستدامة في التعليم جزء لا يتجزأ من المشاركة المجتمعية، داعيا لتعزيز ثقافة التبرع لصالح المدارس، وتغيير الصورة النمطية التي تربط التبرعات بالمؤسسات الدينية فقط، مؤكدا أهمية تفعيل "الوقف التعليمي"، بما يتيح للأفراد والمؤسسات المساهمة بتخصيص أراضٍ أو موارد لبناء مدارس جديدة.
وأفاد أن هذه الخطوة نموذج متقدم للدور المتنامي للمسؤولية المجتمعية بدعم قطاع التعليم، موضحا بأن إشراك مؤسسات القطاع الخاص بمثل هذه المشاريع، ويوسع من نطاق الخدمات التعليمية، ويجعل من المسؤولية المجتمعية أداة استراتيجية لتطوير البنية التحتية وتحقيق التنمية المستدامة، لافتا إلى أن بناء مدارس حديثة مجهزة بأفضل التقنيات الرقمية والمختبرات، سينعكس إيجابًا على جودة التعليم.
مصادر تمويل إضافية للمشاريع التربوية
وقال أستاذ علم الاجتماع د. حسين الخزاعي، إن إشراك القطاع الخاص بمشاريع المسؤولية المجتمعية، خطوة استراتيجية لتعزيز جودة التعليم، إذ يسهم بإدخال موارد إضافية وخبرات متنوعة للمنظومة التعليمية.
وأشار الخزاعي إلى أنها شراكة ستكسب الدولة مصادر تمويل إضافية للمشاريع التربوية والأبنية المدرسية والإضافات الصفية والصيانة، ما يمكنها من مواكبة روح العصر، مبينا أن مشاركة القطاع الخاص بتمويل البنية التحتية التعليمية، تفتح آفاقاً جديدة للتوسع الأفقي ببناء المدارس، وتخفف الضغط عن الموازنات العامة، بما يضمن استدامة التطوير وتحسين نوعية المرافق التعليمية.
وأضاف الخزاعي أن هذا التعاون، يعكس وعياً اجتماعياً متقدما، يقوم على تقاسم المسؤولية بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، بما يضمن تطوير البنية التحتية المدرسية وتوفير تقنيات حديثة، ويعزز فرص الطلبة في الوصول لبيئة تعليمية أكثر عدلاً وابتكارا، ما ينعكس إيجاباً على تكوين رأس مال بشري قادر على المنافسة في سوق العمل.
وأشار إلى أن هذه المبادرات لا تقتصر على تحسين الأداء الأكاديمي حسب، بل تسهم أيضاً بتعزيز صورة الشركات والمؤسسات أمام المجتمع، إذ تُظهر بأن أهدافها تتجاوز الربح المادي، لتشمل خدمة المجتمع وتنميته. مؤكدا أن هذا البعد الإنساني والاجتماعي، حافز لبقية المؤسسات الاقتصادية للمشاركة بدعم التعليم، ما يخلق نموذجاً اجتماعياً يقوم على الشراكة والتكامل.