عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Oct-2025

الطلاق المبكر يتزايد بين الشباب.. غياب للنضج والصورة "المثالية" عن الزواج

 الغد- تغريد السعايدة

اعتبر أردنيون الأرقام التي نُشرت مؤخرا "صادمة"، بعدما كشفت الإحصائية الأخيرة لدائرة الأحوال المدنية والجوازات للعام 2024 عن تسجيل 14657 حالة طلاق في المملكة، وبمعدل طلاق عام بلغ %28.6، لتتصدّر الفئتان العمريتان (25–29)
 
 
و(30–34) الأعلى في نسب الطلاق.
هذه الأرقام التي جرى تداولها على نطاق واسع، أثارت تساؤلات حول الظروف التي أدت إلى هذه الزيادة المطّردة في حالات الطلاق.
واللافت هو أن أعلى نسب الطلاق للإناث، وتتركز في أوائل ومنتصف العشرينيات، بينما للذكور في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات، تكون في سنوات الزواج الأولى والإناث ليكون الطلاق في سن أصغر من الذكور.
وفي المقارنة، ما بين الأعوام السابقة، تشير بيانات رسمية من تقارير سنوية لدائرة قاضي القضاة للسنوات التسعة 2015-2023، تم نشرها سابقاً "إلى وجود استقرار في عدد حالات الطلاق السنوية، لذا لا يمكن أن تؤخذ الزيادة في واقعات الطلاق إن حصلت في سنة معينة كمؤشر يدعو للقلق من قبل ذوي الشأن"، كما جاء في التقرير.
يصف الكثيرون، من خلال ردود الأفعال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بأن هذه الأرقام "مرعبة"، على حد تعبيرهم، كونها تعني "هدم بيوت وتشتت أسرة وضياع مستقبل أطفال قد يكونون في سنواتهم الأولى، بما أن الطلاق يحدث مبكراً".
-  هل نفتقد حسن الاختيار؟
الاستشاري الأسري الاجتماعي مفيد سرحان، يقول في ذلك، خلال حديثه لـ"الغد" إن الاهتمام بالأسرة يجب أن يبدأ قبل الزواج، حيث يعد حسن الاختيار من أهم عوامل نجاح العلاقة الزوجية، كون الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، واستقرارها يعد أساسا لاستقرار المجتمع، واختيار كل طرف للآخر يجب أن يستند إلى أسس صحيحة واضحة تشمل الكفاءة، والخلق، والدين، والبيئة الاجتماعية، ومراعاة الظروف المادية.
وهذا يساهم، وفق سرحان، في تحقيق أهداف بناء الأسرة ومنها السكن والطمأنينة، والاستقرار النفسي والعاطفي لكلا الزوجين، وكذلك إنجاب الأبناء لاستدامة إعمار الأرض، وعليه، يجب أن يدرك الزوجين أن الزواج رباط مقدس يقوم على الاحترام المتبادل، ويحتاج الى قدر كبير من الوعي والتحمل والصبر.
وعلى كلا الزوجين أن يساهم في إنجاح هذا الزواج، بحسب إمكانياتهم، والحرص على تنميتها من خلال الدورات التي أصبحت متاحة والتثقيف الذاتي أيضا.
 تتساءل منيرة جبر، من خلال تعليقها "أين دور الأهل في هذا الطلاق؟ لماذا لا يضع الوالدين حد لهذا التسرع في طلب الطلاق وانهدام الأسر؟ وهل يُعقل أن يقرر زوجان حديثا الزواج مستقبلهم الأسري وفك رباط زوجية وثيق".
- ارتفاع المهور وتراكم الديون
وبما أن الأرقام تشير إلى ارتقاع الطلاق عند الفتيات في سن مبكرة، يعلق زين أحمد بقوله إن الفتيات يعتقدن أن الزوج قادر على تحقيق جميع مطالبهن المعقولة وغير المقعولة، وأنه يملك مالا يملكه الآخرون، عدا عن صعوبة تحمل مسؤولية بيت وزوج وأطفال وعلاقات اجتماعية جديدة، وهذا يدفعها إلى الضجر وعدم تحمل تلك الأعباء الجديدة وطلب الطلاق، وهذا أمر خطير جداً.
وعلق العشرات بذات القول إن من أبرز أسباب هذا الطلاق هي ارتفاع المهور، الذي تستمر آثاره لما بعد الزواج، لما فيه من تراكم الديون، وزيادة الأعباء المادية التي تتزايد مع متطلبات الحياة الزوجية، الأمر الذي يولد ضغوط داخل الأسرة حديثة العهد، وسرعان ما تصل إلى الطلاق المبكر.
وأبرز الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع نسب الطلاق بين النساء في هذه الفئات، كما يرى سرحان، يعود إلى التسرع في الاختيار لدى الطرفين، بحيث لا يتم الاختيار على أسس صحيحة وواضحة، فضلا عن ضعف وعي الطرفين لأهمية الزواج وبناء الأسرة.
ورغم من انتشار التعليم والتعليم العالي بين الجنسين إلا أن ذلك لا يساهم في التقليل من نسب الطلاق، وهذا الأمر يجب التوقف عنده، بمعنى أن التعليم يجب أن يساهم في زيادة الوعي والنجاح في الحياة وفي مقدمتها الحياة الزوجية، فمؤسسة الزواج أهم مؤسسة على مستوى الأفراد والمجتمع، على حد تعبير سرحان.
- الاصطدام مع الواقع المعيشي 
عدا عن ذلك، فلا بد من الإشارة إلى الظروف الاقتصادية، كما يشير سرحان، إلى أن لها أثرا كبيرا في ارتفاع نسب الطلاق، وذلك لعدم القدرة والتكيف مع متطلبات الزواج وبيت الزوجية من خلال الاصطدام مع الواقع المعيشي ومتطلبات الحياة المتعددة. خصوصا مع انتشار ثقافة الاستهلاك.
من جهتها، تتحدث الاختصاصية في الإرشاد النفسي والتربوية الأسرية الدكتورة هنادي الجبالي عن هذه الأرقام التي صدرت مؤخراً، وما أثارته من جدل "مجتمعي"، أن أرقام الطلاق بين الفئات الشابة "مخيفة بالفعل"، وعندما نرى أن أغلب حالات الانفصال تقع في أوائل ومنتصف العشرينات، فهذا يعني أننا أمام جيل يدخل الزواج بعاطفة كبيرة، ولكن يفتقر للنضج النفسي.
وتتسائل الجبالي "عن دور الأهل؟"، حيث كانوا في السابق هم "جسر الأمان بين الزوجين"، ويتدخلون بحكمة، يهدّئون الخلاف، ويذكّرون الطرفين أن الزواج يحتاج وقتا وصبرا، أما اليوم نجد الأهل غائبين تمامًا عن مشاكل أولادهم، أو يتدخلون بطريقة تزيد النار اشتعالًا.
بينما المطلوب أن يكونوا وسطاء راشدين، يسمعون أكثر مما يحكمون، ويمنحون فرصة للإصلاح قبل أن يُتخذ القرار الكبير، وكما ترى الجبالي أن الكثير من حالات الطلاق المبكر كانت يمكن أن تُنقذ لو وجد الزوجان أهالي "يحتوون لا يحاكمون".
- افتقار للثقافة الأسرية الواعية
بيد أن سرحان أيضاً يشير إلى الصورة السلبية عن الزواج والأسرة وتغيير النظرة لمؤسسة الزواج لكلا الطرفين، والتي زادت من نسبة الطلاق، ما يدل على أن هناك افتقارا للثقافة الأسرية لدى الكثير من الشباب والفتيات وعدم القدرة على التعامل مع المشكلات، فيتم اللجوء إلى الطلاق بدون محاولة للبحث عن وسائل أخرى، على الرغم من أهمية أن يكون الطلاق آخر الحلول، بعد بذل الجهود من كلا الزوجين والأسرة والمصلحين الاجتماعيين وعند استنفاذ كل هذه الجهود يمكن اللجوء إلى الطلاق.
"بعضهم يعد الطلاق حلاً سريعا"، وهذه من الأمور التي أيضاً تزيد من صعوبة الحياة الزوجية الممتدة، كما يقول سرحان، وهذا له آثاره السلبية على الزوجين وعائلاتهم وأبنائهم، والمجتمع ككل، ويرافقها بعد ذلك النظرة سلبية للمطلق والمطلقة، ما قد يؤثر في فرص الزواج مجدداً.
وتتفق الجبالي مع سرحان، في مدى تأثير ذلك على الأزواج حتى وإن لم يكن هناك أطفال، إذ يبدو الأمر في ظاهره سهلاً، لكن في العمق، هو أكثر وجعًا، لأن العلاقة تنتهي فجأة دون شيء يربط الطرفين أو يعطي معنى لما عاشوه، وتبقى مشاعر "الفراغ واللاجدوى قوية جدًا، ويشعر بعضهم وكأنهم خسروا أنفسهم قبل أن يتعرّفوا عليها".
لذا، يجب "التأني" قبل إتخاذ تلك الخطوة، قبل إجراء عقد الزواج، وخصوصا أن الشرع أتاح للشاب والفتاة الجلوس أكثر من مرة، ولا يتم التسرع في عقد الزواج، مع ضرورة أن يكون هناك دورات إلزامية للمقبلين على الزواج، لمختلف الأعمار، لأن الوعي ليس مرتبطا بسن الزواج وهي مسألة نسبية.
- دور المؤسسات التربوية والتعليمية
كما يؤكد سرحان على أهمية دور المؤسسات التربوية والتعليمية بنشر ثقافة الأسرة وكل ما من شأنه مساعدة الشباب والفتيات على بناء أسرة، على أسس صحيحة ومتينة وتمكينهم من التعامل مع أي مشكلات أو معوقات يمكن أن تعترض الحياة الزوجية، وأن وجود المشكلات أمر طبيعي والحياة لا يمكن أن تخلو منها.
كما يمكن تضمين المناهج الدراسية موضوعات لها علاقة بالزواج وبالأسرة واهمية بنائها على أسس صحيحة، والتوسع في تقديم الاستشارات للمتزوجين، قبل تفاقم المشكلة، التي يصعب حلها، أو لعدم وجود الوعي لدى الزوجين للتعامل معها.
الوصول إلى هذا الحد من التفاقم والعناد، ترى الجبالي أن له آثارا نفسية تصل إلى درجة الطلاق، حيث إن الشباب اليوم يعيشون تحت ضغط مستمر، غلاء، قلق من المستقبل، مقارنات على السوشال ميديا، وصورة مثالية عن الزواج لا تشبه الواقع أبدًا، وكل هذا يجعلهم أسرع في الغضب وأضعف في التحمل.
وتعتقد الجبالي أن الخلاف البسيط يُفسَّر كإهانة، والمشكلة الصغيرة تبدو نهاية العالم لدى هؤلاء الشباب، على الرغم من أنهم لا يفتقدون الحب، بل يفتقدون أدوات التواصل وضبط الانفعال، إلى أن تمتد أثار هذه الحالة النفسية إلى ما بعد الطلاق في سنواته الأولى، فهي ليست سنوات راحة مطلقة، كما يظن الآخرون.
- ضغوط يمارسها المجتمع
وفي البداية قد يشعر أحد الطرفين بالارتياح، لكن بعد فترة تظهر الندبة العاطفية، بحسب الجبالي، كأن يشعر الطرفين بـ"بالفشل، فقدان الثقة، حيرة في إعادة بناء الذات، وخوف من تكرار التجربة، والمرأة غالبًا تواجه ضغطًا اجتماعيًا أكبر، والرجل يعيش وجعًا صامتًا لا يُظهره بسهولة، وكلاهما يخرج من التجربة أضعف مما دخلها إن لم يجد دعمًا نفسيًا أو توجيهًا بعد الانفصال".
كما يرى سرحان أن الآثار النفسية يُضاف لها "آثار اقتصادية مادية مرتفعة على الزوج"، بالإضافة إلى الآثار السلبية الاجتماعية على الأسرة عموما، وليس فقط للفتاة، وهنالك آثار تتعلق بالأبناء وإمكانية حدوث التفكك الأسري بين الأبوين على أحقية تربية الأبناء والعناية بهما وما يترتب عن ذلك من حقوق نفقة للأبناء وللزوجة.
لذا، يشدد سرحان على أهمية الدور الإيجابي للأهل والأصدقاء، في تشجيع الزوجين على الاستمرار في حياتهما والثبات عند التعرض لأول خلاف، لا سيما وأن معظم حالات الطلاق تتم لأسباب بسيطة يمكن حلها. 
وتنهي الجبالي حديثها بالقول "الطلاق المبكر لا يعني أن الحب اختفى، بل أن النضج لم يكتمل بعد وما نحتاجه اليوم ليس فقط قوانين جديدة، بل ثقافة جديدة تُعلّم الشباب كيف يديرون الخلاف، وكيف يعبّرون عن مشاعرهم؟ ويصبرون قبل أن ينهوا قصة يمكن أن تُصلح بحوار، وقد تكون البداية من بيوتنا ومدارسنا، حين نعلّم أبناءنا أن "الزواج ليس حلمًا جميلًا فقط، بل مسؤولية تحتاج عقلًا ناضجًا، وقلبًا يعرف كيف يحبّ رغم الاختلاف".