الغد
برغم الأضرار التي تعرضت لها إيران إلا أنه لا يمكن القول خلال هذه الساعات أن الحرب انتهت عند هذا الحد، بل ربما بدأت لاعتبارات كثيرة سياسية وعسكرية.
المشروع الإيراني لن يتراجع تحت وطأة الضربات للمنشآت النووية الإيرانية، ولا للمؤسسات العسكرية، وغيرها، لأن التراجع يعني اعتراف النظام بالهزيمة وانهيار النظام داخليا، في ظل سخط شعبي إيراني من الظروف التي يعيشها الإيرانيون، واذا كنا نعرف أن إزالة النظام الإيراني هدف مؤجل قليلا وليس طويلا، فإن طهران أيضا تخشى توليد فوضى داخلية من خلال شبكات عميلة، وعبر تعبيرات السخط الداخلي، وتحطيم المؤسسات العامة الإيرانية.
هذا يعني أن احتمالات توسعة الحرب واسعة، حيث إن موقع إيران الجيوسياسي يمكنها من مد الحرب، وتهديد أمن المنطقة، وما تزال ساحات عربية محسوبة على إيران فاعلة كليا، مثل العراق، او فاعلة جزئيا مثل لبنان واليمن، او متوقع إدخالها بطريقة ما مثل سورية، كما ان امكانات إيران العسكرية لم تنته تماما، حيث ما تزال تستحوذ على مخزون اليورانيوم المخصب، ولديها صواريخ مخزنة، مع الاخذ بالحسبان أن عودة الأميركيين لتوجيه ضربات لإيران يبقى واردا بقوة.
بعد ساعات من الضربة الأميركية لطهران لم ترد إيران على أي قاعدة اميركية، بما يعني أنها تجدول الرد، او تتجنبه ضد الأميركيين، وقامت بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، بما يؤشر حتى الآن على أن الرد على الأميركيين قد يكون عبر البوابة الإسرائيلية، لاعتبارات كثيرة، بما يعنيه ذلك من تأثير على امن الاحتلال.
السيناريوهات المحتملة الآن عديدة، أبرزها السعي لتقطيع أوصال النظام الإيراني وقصف المؤسسات الحكومية، واغتيال قيادات بحيث يتم انهاء الجسم الحاكم لإيران، بعد أضرار البرنامج النووي الإيراني حتى تصبح إيران بلا قيادة، تمهيدا لانقلاب داخلي وفوضى شعبية، والسيناريو الثاني مواصلة الرد على إسرائيل إلى درجة أعلى، بما يعنيه ذلك من تأثيرات على الإقليم، وثالثها دخول جبهات مساندة لإيران في توقيت واحد، وهذا سيناريو يحفل بنقاط ضعف محددة، ورابعها عودة الولايات المتحدة إلى الحرب بهدف إغلاق الملف كاملا، وقد تدخل سرا أو علنا قوى عسكرية أوروبية على خط إغلاق الملف، وخامسها اشتعال كل المنطقة في حال استعمال أسلحة غير متوقعة من جانب إيران أو الاحتلال، أو قصف القواعد العسكرية الأميركية في العالم العربي، ومن خلال جبهات مختلفة ومتعددة.
المؤكد وسط السيناريوهات السابقة أن إيران لن تكون معنية بعقد صفقة، بعد كل هذه الأضرار، كما أن قدرتها على ترقية شروطها وتحسينها تراجعت الى حد كبير، فيما المؤكد هنا أن ترتيب المنطقة سيشمل دولا ثانية في المنطقة إذا تم طي ملف إيران، من أبرزها تركيا، وبعض الدول العربية، لإنتاج شرق أوسط جديد.
الهجوم على إيران يأتي أيضا انتقاميا بسبب الضربات على إسرائيل، والواضح أن النظام الإيراني أمام خيارات تبدو انتحارية، لكنه سيفضل ألا يعلن تراجعه، وسيمضي أكثر في المواجهة، لاعتبارات مشروعة الإستراتيجي في المنطقة.
العقدة الأهم أن إسرائيل لن تحتمل استمرار الحرب، لأن الصواريخ تزلزل كينونة الاحتلال، وهذا يعني أن إيران ستواصل الرد على الطرف الذي بدأ الحرب، أي إسرائيل، وعندها ستتذرع واشنطن بذرائع مختلفة للعودة وتوجيه ضربات لإيران.
وسط هذه التقاطعات لا يمكن القول إن إسرائيل هي المستفيدة، فهي الأكثر خسارة، مقارنة بدول وشعوب المنطقة، وهذا ما ستثبته الأيام القليلة المقبلة.