عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Oct-2025

اتفاق غزة ليس أكبر من أن يفشل

  الغد

جوست ر. هيلترمان؛ وناتاشا هول* - (فورين أفيرز) 12/10/2025
 
مع إعلان كل من "حماس" وإسرائيل توقيعهما على المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة، برزت فرصة نادرة لإنهاء عامين من العنف المروع. وبموجب الاتفاق الذي ترعاه الولايات المتحدة، وعدت "حماس" بإعادة جميع الرهائن المتبقين الذين ما يزالون محتجزين منذ العام 2023 مقابل إطلاق إسرائيل سراح نحو 2.000 معتقل فلسطيني وتعهدها بانسحاب جزئي لقواتها من القطاع. وإلى جانب المساعدات الإنسانية المنقذة لحياة الفلسطينيين في غزة وعائلات الرهائن، يأمل كثر في أن يعيد الاتفاق الاستقرار إلى المنطقة.
 
 
غير أن التجارب السابقة تشير إلى أن الآمال في تحقيق سلام دائم -أو حتى تخفيف مستدام لمعاناة الفلسطينيين- قد تخيب مرة أخرى. فقد عاد ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير) الماضي وهو عازم على استبدال سياسة سلفه الفاشلة في الشرق الأوسط، وقد فعل ذلك بأساليب اختلفت عن سياسات إدارته الأولى. في الواقع، استهل ولايته الثانية بشكل لافت ومبهر، حيث ساعد على التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، حتى قبل أن يتسلم منصبه ومهامه رسمياً. وفي الأشهر القليلة الأولى من ولايته، اتخذ خطوات جريئة، بما في ذلك فتح قناة اتصال مباشرة غير مسبوقة بين الولايات المتحدة و"حماس"، واستئناف المفاوضات النووية مع إيران، والتوصل إلى هدنة مع الحوثيين في اليمن، ورفع العقوبات الأميركية عن سورية.
أعرب مسؤولون في واشنطن عن أملهم في إمكانية توسيع نطاق "اتفاقات أبراهام"، التي طبعت العلاقات بين إسرائيل ودول عربية عدة. وسيكون من شأن ذلك أن يعزز الهدف طويل الأمد المتمثل في إدارة التوترات في المنطقة من خلال مجموعة من العلاقات التي تشرف عليها الولايات المتحدة، بما يسمح لها بنقل مواردها العسكرية إلى أجزاء أخرى من العالم. إلا أن الإدارة الأميركية وجدت سياساتها وهي تُقلب رأساً على عقب باستمرار بسبب الأعمال الإسرائيلية.
في آذار (مارس) الماضي، خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة الذي توسطت فيه واشنطن، ثم جرّت إدارة ترامب إلى المشاركة في ما سُميت عمليات إنسانية تجاوزت إطار الأمم المتحدة الراسخ منذ زمن طويل. وبحلول أواخر الربيع، دفعت المجاعة المتفاقمة أعداداً متزايدة من السكان الفلسطينيين في غزة نحو الحدود المصرية، مما أثار توتراً في اتفاقات السلام طويلة الأمد التي تربط إسرائيل بكل من مصر والأردن. ثم في حزيران (يونيو) الماضي، قوضت إسرائيل المفاوضات الأميركية مع طهران، ليس من خلال قصف إيران فحسب، بل أيضاً عن طريق إقناع إدارة ترامب بالانضمام إليها في استهداف المنشآت النووية الإيرانية الرئيسة باستخدام قنابل خارقة للتحصينات.
وفي سورية، كثفت إسرائيل ضغطها العسكري على حكومة الرئيس أحمد الشرع الجديدة، في وقت كانت واشنطن تمدها فيه بمساعدات اقتصادية ودبلوماسية حيوية. وفي أيلول (سبتمبر)، هاجمت إسرائيل قطر، وهي حليفة حيوية للولايات المتحدة تستضيف المقر الرئيس للقيادة المركزية الأميركية، قاعدة "العديد" الجوية، وكانت قد أدت دوراً محورياً في المفاوضات بين إسرائيل و"حماس"، وفي نزاعات أخرى كثيرة. في الواقع، كان هذا العمل المتهور، الذي فاجأ الإدارة الأميركية، أحد أبرز العوامل التي دفعت ترامب إلى الإصرار بقوة على إنهاء الحرب في غزة.
والآن، مع الاتفاق الذي قادته الولايات المتحدة بين إسرائيل و"حماس"، ربما يبدو أن هذا النمط من الأحداث قد انتهى. فمن خلال فرض مطالب صارمة على إسرائيل و"حماس" على حد سواء، تمكن ترامب من جمع الطرفين بسرعة على طاولة المفاوضات والاتفاق على المرحلة الأولية من الخطة. وعلى الرغم من تفضيل الحكومة الإسرائيلية الواضح مواصلة الحرب، لم يكن أمام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خيار سوى التوقيع، بعدما أوضح له ترامب أنه ضاق ذرعاً بتصرفاته في محادثة "شديدة اللهجة" مع الزعيم الإسرائيلي. ولكن حتى هذا الاتفاق قد ينهار قريباً بسبب أهداف إسرائيل المتباينة. ففي سعيه إلى تهدئة الجناح اليميني وضمان بقائه السياسي، قد يميل نتنياهو إلى استئناف الحرب على "حماس" بمجرد إطلاق سراح الرهائن، وقد يعرقل وصول المساعدات الإنسانية المفيدة مرة أخرى. وقد يهاجم إيران مرة أخرى لتحويل الأنظار عما يعتبره استكمال المهمة في غزة.
إن تفضيل الحكومة الإسرائيلية استخدام القوة العسكرية لإبقاء الخصوم في حال ارتباك قد يقوض أهداف الولايات المتحدة، مثلما حدث مع جهود إدارة ترامب السابقة في المنطقة. وينطوي هذا المسار الحالي الواضح، الذي تتولى فيه إسرائيل دور مسبب للفوضى بينما تتبعها الولايات المتحدة على مضض، على أخطار جسيمة. فإذا قرر نتنياهو نقض اتفاق التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي مع "حماس" بعد تحقيق أهدافه الأولية، أو إذا انهارت مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق، فقد تجر إسرائيل الولايات المتحدة مجدداً إلى حرب لا تريدها واشنطن.
ولكن ليس من الضروري أن تسير الأمور على هذا النحو. فقد أظهرت إدارة ترامب في الأشهر الأولى من توليها السلطة وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، أنها قادرة على رسم مسارها الخاص، بل وفي بعض الأحيان، استخدام النفوذ الكبير الذي يتمتع به البيت الأبيض. ويظهر الاتفاق الحالي أن هذا النوع من الضغط يمكن أن يحرز نتائج إيجابية أولية على الأقل. ولكن لكي تنجح هذه الجهود على المدى الطويل، حري بالولايات المتحدة أن تدرك مدى اختلاف مصالحها طويلة الأمد عن مصالح إسرائيل، وعدد المرات التي تعرضت فيها سياستها في الشرق الأوسط للتقويض على يد أقرب حلفائها في المنطقة. ولكسر هذه الدينامية والخروج من هذه الحلقة المفرغة، على الولايات المتحدة أن تواصل الضغط المستمر على إسرائيل للالتزام بمسار يعزز الاستقرار الإقليمي بدلاً من زعزعته. وبخلاف ذلك، قد يتحول هذا الاتفاق الأخير إلى مبادرة سلام فاشلة أخرى بقيادة الولايات المتحدة.
مساران متباعدان
ليست الفكرة القائلة بأن لإسرائيل والولايات المتحدة أهدافاً مختلفة ضمن إطار استراتيجي مشترك جديدة ولا مثيرة للجدل. لكن العامين الماضيين كشفا هذه الفكرة بشكل غير مسبوق. على مدى عقود، قامت الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط على ركيزتين أساسيتين هما دعم إسرائيل والحفاظ على التدفق الحر للنفط. وإلى جانب هذين الهدفين، حددت الإدارات الأميركية المتعاقبة سلسلة من الأهداف المترابطة التي تتمثل في منع الخصوم من امتلاك أسلحة دمار شامل، والحفاظ على وجود عسكري أميركي كافٍ لدرء التهديدات الأخرى لمصالح الولايات المتحدة، وضمان فاعلية جهود مكافحة الإرهاب. مع ذلك وبشكل عام، فضلت واشنطن منذ الحروب التي اندلعت في الأعوام الأولى من حقبة ما بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) شرق أوسط مستقراً نسبياً، يتعايش فيه حلفاء الولايات المتحدة مع بعضهم بعضاً حتى لو لم تربطهم علاقات رسمية.
من جهتها، تمحورت المصالح الاستراتيجية لإسرائيل حول أمنها القومي وتحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة. وقد اعتبرت الإدارات الأميركية المتعاقبة حروب إسرائيل دفاعاً عن النفس، وزودتها بأسلحة متطورة ودعم عسكري، وتبنت في الوقت نفسه فكرة قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وافترض كثيرون في واشنطن أن اتفاقات السلام، من كامب ديفيد في العام 1978 إلى عملية أوسلو في تسعينيات القرن العشرين، كانت تدفع إسرائيل نحو توافق عام مع الولايات المتحدة. لكنّ واشنطن فشلت طوال هذه الأعوام في التصدي بجدية للتوسيع الإسرائيلي المستمر للمستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، مما حال تدريجاً دون إمكان قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. وبهذه الطريقة، كان وراء "عملية السلام" تباعد متعاظم بين الإدارات الإسرائيلية والأميركية.
في الواقع، مع تزايد نفوذ رأس الحربة اليميني في إسرائيل، بدأ تعريف الدولة لمصالحها يبدو مختلفاً تماماً عما كان يعرض في الخطاب الأميركي الرسمي. وقد اختفت تقريباً أحزاب يسار الوسط الداعمة لحل الدولتين، وأصبح الأمن القومي يرتبط أكثر فأكثر بضم الضفة الغربية على الأقل، وهي خطوة من شأنها أن تمنع قيام دولة فلسطينية ذات سيادة. وعندما شكل نتنياهو حكومة مع أحزاب اليمين المتطرف في العام 2022، تسارعت وتيرة التوسع الاستيطاني على نحو غير مسبوق، وأصبح الإشراف الوزاري على الاحتلال الآن بيد بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وهما قائدان متطرفان يرفضان أي فكرة تتعلق بالحكم الفلسطيني -أو حتى الوجود الفلسطيني على المدى الطويل في أي جزء من أراضي فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني سابقاً.
مع ذلك، حتى أيلول (سبتمبر) 2023، كانت إدارة بايدن تعتقد أنها على الموجة نفسها مع إسرائيل، حيث رأت أن اتفاقاً إسرائيلياً - سعودياً قد يمهد الطريق لحقبة من الاستقرار الذي طال انتظاره، في غياب تسوية عادلة للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. لكنّ حكومة نتنياهو وجدت بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) فرصة ذهبية لدفن قضية الدولة الفلسطينية. ومنذ العام 2024، سعت إسرائيل أيضاً إلى توسيع وجودها العسكري أكثر فأكثر في إيران ولبنان وسورية واليمن، وحتى قطر. وعلى الرغم من أن هذه المغامرات العسكرية غالباً ما تعارضت مع أهداف السياسة الأميركية المعلنة، فإن إسرائيل لم تواجه أي مقاومة حقيقية من إدارة بايدن -أو ترامب حتى الآن.
تجاهل السلطة
كشفت الأحداث بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) عن تباعد في السياسات بين إسرائيل والولايات المتحدة كان قد بدأ يتكون منذ أعوام. فبعد هجوم "حماس" ورد إسرائيل العنيف، أرادت إدارة بايدن إنهاء الحرب بسرعة لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، بل واقترحت أن مثل هذه الخطوة قد تحظى بدعم إقليمي واسع. وعلى الرغم من تصعيد إسرائيل للحرب في غزة، واصلت إدارة الرئيس جو بايدن الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق سعودي - إسرائيلي قبل نهاية ولايته في كانون الثاني (يناير) 2025. وعلى صعيد الرأي العام السائد في الشرق الأوسط وحول العالم، قرأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المشهد بدقة أكبر. 
لكن فكرة التسوية لم تلق قبولاً لدى نتنياهو أيضاً الذي كان في حاجة إلى استمرار فصول الحرب ليتمكن من استرضاء شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف وتأجيل أي مساءلة قضائية تتعلق بتهم الفساد الموجهة إليه. والحقيقة أن اتفاقات أبراهام نفسها بدت أقل أهمية بالنسبة لنتنياهو، حيث واصلت إسرائيل استعراض قوتها العسكرية في مختلف أنحاء المنطقة خلال العام الأخير من إدارة بايدن، وأنقذتها مراراً الولايات المتحدة ودول عربية صديقة. وفي المقابل، فشلت إدارة بايدن في فرض أي عقوبات جدية على الحكومة الإسرائيلية لسماحها -أو حتى تشجيعها لحملة عنف متصاعدة مارسها المستوطنون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، مكتفية بفرض عقوبات على بعض المستوطنين الأكثر عنفاً. وفي ظل هذا الفراغ السياسي، استولت إسرائيل في العام 2024 على أراض في الضفة الغربية أكثر مما استولت عليه خلال الأعوام العشرين السابقة مجتمعة.
وعلى الرغم من انطلاقتها الجريئة، أثبتت إدارة ترامب الثانية، خلال الأشهر الثمانية الأولى من ولايتها، أنها عاجزة بالقدر نفسه عن تعزيز أهداف الولايات المتحدة المرتبطة بإرساء سلام واستقرار طويلي الأمد. على الرغم من أن ترامب نجح في تحقيق وقف إطلاق النار في غزة في اليوم الأول من توليه الحكم، فإنه وقف متفرجاً عندما انتهكت إسرائيل الاتفاق بعد ستة أسابيع، ثم منح اليمين الإسرائيلي المتطرف هدية حين طرح فكرة تحويل القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد أن يغادره السكان الفلسطينيون، على حد زعمه. وعندما كثفت إسرائيل حملتها في غزة وفرضت حظراً كلياً على دخول المساعدات، لم تضغط الولايات المتحدة للحيلولة دون انتشار المجاعة هناك. بل تعاونت المصالح التجارية الأميركية والجيش الإسرائيلي لتأسيس ما سمي "مؤسسة غزة الإنسانية" المثيرة للجدل، وأغلقت مئات نقاط توزيع المساعدات في جميع أنحاء قطاع غزة. وبحلول آب (أغسطس) الماضي، قتل ما يقارب 900 شخص كانوا يبحثون عن الطعام قرب مواقع تلك المؤسسة، وفقاً للأمم المتحدة.
في الواقع، تمثل أكبر إنجاز حققته إسرائيل في إظهارها للعالم أن الولايات المتحدة لن تتساهل مع عدوانها المستمر على غزة فحسب، بل أيضاً مع حربها الإقليمية المتوسعة، مهما ابتعدت تلك الأفعال عن المصالح الأميركية بعيدة المدى. ولنأخذ إيران مثالاً: في الربيع، وبينما كان ترامب منخرطاً في محادثات حول مصير البرنامج النووي الإيراني، أبدى رغبته في التوصل إلى اتفاق. وأبدت نسبة كبيرة من القاعدة السياسية للرئيس الأميركي، بمن في ذلك المعلق اليميني المؤثر تاكر كارلسون، معارضتهم لخوض حرب جديدة مع طهران.
مع ذلك، نجح نتنياهو من خلال إطلاق حملة عسكرية إسرائيلية ضد إيران في إقناع ترامب بإشراك القوات الأميركية في عمليات هجومية. وفي حزيران (يونيو) الماضي، شنت الولايات المتحدة ضربات استخدمت فيها قنابل خارقة للتحصينات أرسلتها عميقاً في فتحات التهوية في منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية في فوردو ونطنز. وعلى الرغم من أن حجم الضرر الكامل ما يزال موضع جدل، فإن تلك الهجمات أظهرت مدى قدرة إسرائيل على جر الولايات المتحدة إلى خوض عمليات عسكرية كبرى تخدم مصالح إسرائيل بشكل خاص.
تزداد التباينات بين الأهداف الأميركية والإسرائيلية في لبنان وسورية. تقول إدارة ترامب إنها تريد تحقيق الاستقرار في لبنان وتعزيز إشرافها ووصايتها المباشرة على البلاد، خاصة بعد إضعاف "حزب الله"؛ التنظيم الإسلامي الرئيسي المدعوم من إيران. وقد دعمت الولايات المتحدة انتخاب رئيس جمهورية ورئيس وزراء جديدين للبنان في كانون الثاني (يناير)، وعززت قدرات الجيش اللبناني لكي يحل محل "حزب الله" في الجنوب، وشاركت في لجنة ترأستها بنفسها بعد أن أنشئت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار المتفاوض عليه مع إسرائيل هناك.
في المقابل، واصلت الحكومة الإسرائيلية عملياتها العسكرية في لبنان، مما أعاق محاولات البلاد لاستعادة الاستقرار. وما تزال القوات الإسرائيلية تحتل نقاطاً عدة في الجنوب في خرق للاتفاق الذي رعته واشنطن. وتواصل طائراتها شن غارات على أهداف يشتبه في أنها تابعة لـ"حزب الله" في جميع أنحاء البلاد، مما يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين. كما تجاهلت إسرائيل إلى حد كبير لجنة المراقبة التي تشارك فيها هي نفسها.
على الجانب الإيجابي بالنسبة للولايات المتحدة، أسهمت الحرب الإسرائيلية في لبنان وهجماتها على إيران في خريف 2024 في تسريع وتيرة سقوط نظام بشار الأسد، وهو ما اعتبر نصراً واضحاً لواشنطن والمنطقة بأسرها، خاصة للشعب السوري. في البداية، أدى إسقاط النظام السوري على يد جماعة إسلامية متمردة تتحدر من تنظيمي "داعش" و"القاعدة" الإرهابيين إلى إثارة قلق إدارة بايدن. لكن الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، نال إعجاب ترامب. في أيار (مايو) الماضي، وبعد اجتماع غير متوقع معه، أعلن ترامب أن واشنطن سترفع العقوبات المفروضة منذ أعوام على سورية، مما يمنحها فرصة حقيقية للانتعاش الاقتصادي. بالنسبة للولايات المتحدة، يعد بناء سورية جديدة آمنة ومستقرة أولوية لتجنب انهيار الدولة وعودة ظهور تنظيمات مثل "داعش"، ومنع اتساع رقعة الاضطرابات الإقليمية التي يمكن أن تستغلها إيران وغيرها من الخصوم.
مع ذلك، وعلى الرغم من تعهدها بتقديم دعم قوي للحكومة السورية الجديدة، لم تعرقل إدارة ترامب التدخلات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في سورية. منذ سقوط نظام الأسد، دمرت إسرائيل معظم القدرات العسكرية السورية من خلال مئات الغارات الجوية، واستولت على أراضٍ سورية تتجاوز مرتفعات الجولان التي تحتلها منذ العام 1967، وطالبت بـ"نزع سلاح" جنوب سورية بحجة حماية الأقلية الدرزية في البلاد. وقد قوضت هذه التحركات التعافي الهش للبلاد وزادت من التوترات مع تركيا؛ حليفة الولايات المتحدة وعضو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وربما يكون هذا هو الهدف المنشود. وقد بذلت إدارة ترامب جهوداً حثيثة لجمع الحكومة السورية والفصائل الدرزية للتفاوض على وقف لإطلاق النار بعد التصعيد الأخير في الجنوب، لكنها لم تفعل شيئاً يذكر لإلغاء المكاسب العسكرية الإسرائيلية التي أبقت سورية ضعيفة داخلياً ومنقسمة، وهو هدف كانت إسرائيل قد أعلنت عنه بشكل صريح أمام واشنطن.
وأخيراً، هناك قضية غزة نفسها. فالاتفاق بين "حماس" وإسرائيل يمنح المنطقة هدنة طال انتظارها من العنف، على أمل أن تشمل الجوع أيضاً. وستتمكن عائلات الرهائن أخيراً من رؤية أحبائها أو دفن موتاها. ومع استئناف تدفق المساعدات على نطاق واسع، قد يتمكن سكان غزة من الابتعاد عن شفير المجاعة. لكن التفاصيل المتعلقة بالجانب الإسرائيلي من الاتفاق غامضة بما يكفي لتتيح لنتنياهو إفشال الخطوات التالية. على سبيل المثال، قد تواصل إسرائيل عرقلة وصول المساعدات والطواقم الطبية والعاملين في المجال الإنساني، وتنفذ هجمات متقطعة مميتة يشنها جيش الدفاع الإسرائيلي أو الجماعات التي تدعمها، وتمتنع عن الانسحاب ومواصلة احتلال شبه عسكري لغزة. وما يزال الكثير من الغموض يكتنف "قوة الاستقرار الدولية" التي يدعو إليها الاتفاق. أما التحدي الأكبر فهو قضية الدولة الفلسطينية التي لم تعالج بعد، والمرفوضة علناً من حكومة نتنياهو. ومن غير المؤكد ما إذا كان الفلسطينيون سيعتبرون الهيئة التكنوقراطية غير السياسية التي يتحدث عنها الاتفاق شكلاً شرعياً من أشكال الحكم الفلسطيني في غزة، حيث إنهم لم يكونوا طرفاً في المفاوضات أصلاً.
النفوذ المعلق
على غرار ما فعله أسلافه، تولى ترامب منصبه معلناً رغبته في تقليص الوجود الأميركي في الشرق الأوسط. ومرة تلو أخرى، وجدت الولايات المتحدة نفسها متورطة من جديد في الصراع، عسكرياً ودبلوماسياً، بسبب توسع العمليات الهجومية الإسرائيلية في المنطقة. وربما يكون الوضع مختلفاً هذه المرة، لكن ترامب يميل حتى الآن إلى دعم نجاحات نتنياهو التكتيكية حتى عندما تتعارض مع المصالح الاستراتيجية الأميركية طويلة الأمد، أو حتى عندما تعوق الجهود السياسية الأميركية الجارية. إن اعتماد إسرائيل المتزايد على قوة السلاح، ورفضها الحلول التفاوضية للصراعات لأنها تفضل إبقاء جميع الأعداء الحاليين والمحتملين في حالة ارتباك من خلال القوة العسكرية، ينطوي على أخطار جسيمة بالنسبة لواشنطن. وقد سبق أن نجحت إسرائيل مرة في جر الولايات المتحدة إلى القتال، وقد تحاول فعل ذلك مجدداً، سواء في إيران أو اليمن -أو حتى غزة- حيث قد يؤدي أي تحرك لدفع السكان الفلسطينيين إلى سيناء إلى إشعال فتيل صراع مع مصر.
على الرغم من أن مثل هذه المخاوف قد تبدو نظرية، فإن الهجوم الإسرائيلي على قطر الشهر الماضي أظهر مدى الثقة التي أصبحت إسرائيل تشعر بها. فباستهدافها مفاوضي "حماس" في العاصمة القطرية؛ الدوحة، حاولت إسرائيل نسف حتى مجرد احتمال وهم السعي إلى حل دبلوماسي للحرب في غزة. وعلى الرغم من فشل الهجوم، نجحت إسرائيل، مرة أخرى، في إظهار قدرتها على فرض شروطها.
الآن، بعد عامين من سفك الدماء غير المسبوق، أصبح العالم في معظمه ينظر إلى إسرائيل باعتبارها دولة مارقة تخرق الأعراف الراسخة من دون عقاب، وبتواطؤ من الولايات المتحدة. وقد أخبرنا عدد من القادة العسكريين الأميركيين رفيعي المستوى بأنه ما لم تفرض واشنطن على إسرائيل الالتزام بجدية في بناء مستقبل فلسطيني قابل للاستمرار، فإن النهج الإسرائيلي المتمثل في السعي إلى الهيمنة العسكرية سيعني حروباً لا نهاية لها ومزيداً من عدم الاستقرار الإقليمي. وإذا كان النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة أشبه بلعبة "جينغا" جيوسياسية، فمن المرجح أن تكون إسرائيل هي من يسحب القطعة الأخيرة التي تؤدي إلى انهيار البرج بأكمله.
بالنظر إلى الديناميكيات الداخلية المثيرة للجدل المحيطة بالعلاقات الأميركية - الإسرائيلية، سيتطلب الأمر شجاعة سياسية من أي إدارة أميركية للضغط على إسرائيل من أجل كبح جماح توسعها العسكري والسعي إلى سلام دائم، أولاً من خلال إصلاح شراكاتها مع الدول العربية. ولكن قبل وقت ليس ببعيد، كان يعد من الجسارة أن تتصرف إسرائيل بما يخالف مصالح راعيتها العظمى، وليس العكس. وقد هدد الرئيس دوايت آيزنهاور والرئيس جيرالد فورد بإعادة تقييم العلاقة بسبب التعنت الإسرائيلي. والرئيس رونالد ريغان والرئيس جورج بوش الأب أخرا إرسال شحنات الأسلحة وضمانات القروض للتعبير عن استيائهما من بعض العمليات العسكرية الإسرائيلية والتوسع الاستيطاني. وهكذا، فإن استخدام النفوذ لفرض المصالح الأميركية ليس نهجاً جديداً ولا ينبغي أن يكون مثيراً للجدل. ففي وقت يشهد تحديات استثنائية للقوة الأميركية حول العالم، سيكون من الغريب جداً أن تتنازل الولايات المتحدة عن أجندتها الأمنية الأوسع لمصلحة نزوات حليف مدجج بالسلاح.
لقد اتخذ ترامب الخطوة الأولى في تغيير هذا المسار، وهو يتمتع بحصانة سياسية كبيرة، وربما فريدة من نوعها، مما يمكنه من الإقدام على مثل هذه الخطوات. لكن الأمر يتطلب ضغطاً مستمراً وشجاعة لتحقيق "السلام القوي والدائم والأبدي" الذي يقول الرئيس إنه يريده. وبالنسبة لعائلات الرهائن وعشرات الآلاف الذين فقدوا أرواحهم وأفراد عائلاتهم ومنازلهم إلى الأبد، من المحزن أن تكون الولايات المتحدة قد امتنعت كل هذا الوقت عن استخدام قوتها لإنهاء الحرب. وفي ظل التهديدات الأمنية العالمية المتعددة حول العالم، يتعذر على واشنطن تحمل الفشل مرة أخرى.
 
*جوست ر. هيلترمان: المستشار الخاص لـ"برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" في مركز "مجموعة الأزمات الدولية" للبحوث. *ناتاشا هول: زميلة بارزة غير مقيمة في "معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية". الترجمة العربية لصحيفة "الإندبندنت" حيث نُشرت في 12/10/2025.