الراي
تمرض الشركات، كالأنسان، وربما تشفى أو تموت، وهذا يعود للعناية والعلاج والذي يكون أحياناً آخر العلاج الكي وقد رأينا ذلك من خلال الفوسفات وفي الملكية الأردنية وشركات اخرى، جرى تحضير نعيها ورثائها، ومنها من شفي وتقدم واصبح نموذجاً ومنها ما زال يرواح ويتلمس طوق النجاة
من هذه الشركات التي سعيت لمعرفة سبب اضطرابها ثم كيف استطاعت أن تخرج أكثر قوة وتأثير، ولفتاً للانتباه من خلال النتائج التي حققتها، شركة البريد الأردني، وهي التي سخرت لها إدارة جديدة استطاعت انتشالها واعادة انتاجها وموضعتها حتى غدت نموذجاً تحدث لي عنه رئيس مجلس الادارة، الوزير السابق سامي كامل الداوود، الذي كانت ترافقه في جولة واسعة على البريد، المديرة العامة السيدة هنادي الطيب.
المسيرة الصاعدة للبريد لم تكن هينة، فقد اعترضتها عقبات متراكمة وحتى مفتعلة، ولكن الاصرار على التغيير والاصلاح وتقديم بريد يليق بالاردن حاليا كان هاجس هذه الادارة التي بدأت منذ تولي مسؤولياتها في اعادة نشر المكونات على القراءة والتفتيش والتغيير.
البريد لم يعد دائرة تقليدية كما عهدناه قبل عشرين وثلاثين سنة وأكثر، فهذه المؤسسة التي نشأت مع تأسيس الدولة الأردنية واستعملت كل الادوات التقليدية التي كانت مستعملة هي اليوم شركة مترامية الاقسام ومتعددة المهام التي تدخل في إطار عملها، وقد فوجئت بذلك حين زيارتي لمقر البريد في المقابلين ولقائي مع معالي سامي الداوود، الذي زودني بمعلومات هامة عن البريد الأردني ومجموعة اوراق لكشف مساحات العمل وعمقه، تحت عنوان المواءمة مع رؤية التحديث الاقتصادي وقد عرفت ان البريد الأردني الآن نظيف كيوم صنعته الدولة الأردنية منذ تأسيسها، فلا ديون تغل يديه، وسيكون كما وعدت ادارته خاليا من الديون لخمس سنوات قادمة.
إن ما لفت انتباهي واستدعى زيارتي لإدارة البريد هو النتائج الباهرة لأرباح البريد التي تجاوزت أربعة ملايين دينار وحجم الشركات التابعة لشركة البريد والتي حطت في إطار عمل البريد ونشاطه، فاعطاها قدرات جديدة مكنها من ادارة عملها بشكل افضل.
أهداني معالي سامي كتاباً ثميناً عنوانه (مئوية تاريخ الطوابع الأردنية 1921 – 2021)، وهو وثيقة هامة يؤرخ لتطور الطوابع وهي تعكس التاريخ الأردني وتاريخ مسيرة المملكة الموثقة بالطوابع لإبرز الأحداث.
لقد تطورت المملكة بشكل هائل وعظيم منذ البداية حين أعلنت إمارة الشرق العربي،1921، وعلينا أن نلاحظ أن اسم الأردن لم يكن موجوداً في التسمية، وانما الشرق العربي، وأن الامير عبد الله الاول والاردنيين قد ناضلوا لتكون إمارة شرق الأردن ثم المملكة الأردنية الهاشمية عام 1946، وما زالت المسيرة تصعد للمؤية الثانية التي قطعنا ربعها باليوبيل الفضي لجلالة الملك عبد الله الثاني في المملكة الرابعة المجيدة اليوم من عام 2025.
لقد كتب استاذي الدكتور علي محافظة اطال الله عمره الشخصية الوطنية العلامة في التاريخ المعاصر، مقدمة علمية جميلة للكتاب بعنوان (الطوابع الأردنية في مئة عام)، ورأيت في الكتاب صورة مذهلة لبيت قديم من غرفتين من الحجر المكحل بالجير بالقرب من المدرج الروماني، ولا يكاد المرء يصدق حجم التطور الذي شهده الأردن في كل مناحي الحياة، وهو ما يجب ان يلفت انتباه الحاصل له، وقد كان ذلك السبب الذي دفعني لوضع كتبي عن كل المدن الأردنية في مجلدات مصورة تروي تاريخ هذه المدن منذ نشوئها حتى اليوم تحت اسم سلسلة (في هوية المكان) ليقرأ هذا الجيل التاريخ على الورق، بعد أن غاب في روايات شفوية لم تحفظه أو بأيد غير امينة لم تكتبه كما يجب أن يكتب.
في كل كتاب من كتبي، وجدت جديداً لم يعرفه الكثيرون، ولم يصل الى المناهج ولم يجر الاطلاع عليه، وبعضه مهم وفارق ومؤثر وضروري في رسم الهوية الأردنية القائمة في بعد من أبعادها من التاريخ. لتوشيح الجغرافيا، ولا مجال للتفصيل فيمكن العودة الى هذه الكتب المتوفرة لمن أراد ذلك.
يستحق الذين أنجزوا الكتاب عن البريد الشكر حيث يعتزم السيد سامي الداوود باسم البريد الأردني تجديده ليغطي الفترة اللاحقة ويطور ما جاء فيه من معلومات وصور للطوابع وشروحات، ولقد رأيت في أول صفحة صورة ساعي البريد الأردني وهو يركب حصاناً أمام ساحة المدرج الروماني أوائل العشرينات ليبدأ بتوزيع البريد الذي يحمله في (الخرج) والأكياس المتدلية من فوق سرج الحصان، كما استعملت الجمال في الصحراء لتوزيع البريد، وقد كتب عن ذلك المفكر والمؤرخ الشهير عزت دروزة، الذي عمل في بدايات حياته موزعاً للبريد في مناطق الانتداب البريطاني عام 1921، في منطقة النقب وجنوب فلسطين.
هناك طوابع من العهد الفيصلي كانت الإمارة تستعملها قبل صناعة الطوابع الأردنية حيث استخدمت طوابع المملكة العربية السورية، في السلط في فترة مبكرة من عام 1921، وفي عام 1918، قبل تأسيس الإمارة كانت الطوابع في بلادنا عثمانية، تحمل الأختام البريدية من تلك الفترة، وكان لكل مدينة ختمها على الطوابع، الكرك/ معان / عجلون، ثم جاءت اختام المملكة العربية، بعد زوال الحكم العثماني ومجيء الملك فيصل الى سوريا وبقيت الطوابع تختم بختم السلط، والكرك، باسم الحكومة السورية، وعليها النجمة السباعية الهاشمية، تميزاً لها عن النجمة الخماسية العثمانية، ثم جاءت طوابع مستقلة باسم شرق الأردن، ثم جاءت طوابع مؤاب، وكانت العملة (بالمليم )وعشر القرش وفئة القرش، الى أن جاء طابع لافت باسم، حكومة الشرق العربية عمان 1922 شرقي الأردن، وذلك في نيسان عام 1921، وقد طبعت في عمان حيث أضيف شرقي الأردن اليها.
وكما حمل شعار الجيش (الجيش العربي) كانت الطوابع تشير الى عروبة مولد هذه الدولة الاردنية، وما زال هذا الجذر يغذي توجهات الدولة ونهجها وانتمائها، ثم تغيرت الطوابع الى (شرق الأردن) عام 1950، ثم بعد ذلك طبعت طوابع خاصة بالأردن تحمل صورة الأمير المؤسس عبد الله الأول بن الحسين وذلك في تشرين الأول عام 1927، وبعضها كل ما يتعلق بالأدبيات والموروث الاردني بداية من طابع باسم الدستور