عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Nov-2025

أكبر لعبة إستراتيجية*جمال الكشكي

 الغد

استيقظ العالم على خطة جديدة، قدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف حرب الأخوة السلاف: الروس والأوكران.
أربع سنوات من القتال الضاري تركت الجانبين منهكين، وأوروبا على حافة الانهيار العسكري والاقتصادي.
 
 
الخطة تضم ثمانية وعشرين بندا، تشبه مبادرات ترامب السابقة، مثل وقف الحرب في قطاع غزة.
ومن خلالها شكل «مجلس السلام العالمي» وحصل على غطاء دولي، منح مبادرته صفة قانونية دولية.
روسيا اطلعت على بنود الخطة الجديدة، وربما اسهمت في صياغة بعضها.
أما أوروبا، فقد تلقت النسخة الأولى بصدمة، معتبرة أن بعض البنود تنازلات كبيرة على حساب سيادة أوكرانيا.
بروكسل قدمت مسودة مضادة، في محاولة لإعادة التوازن.
كان من المقرر أن يلتقي ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المجر للتوصل إلى اتفاق.
إعلان الاتفاق تأجل نتيجة مخاوف أمنية عميقة، خشيت معها موسكو وواشنطن اهتزاز ميزان القوى الدولي.
التأجيل منح أوروبا فرصة لالتقاط الأنفاس، بعد ابتلاع لقاء ألاسكا بين العم سام والدب الروسي.
دفعت الخطة العواصم الأوروبية لإعادة تشكيل عقيدتها العسكرية.
ألمانيا استعادت برنامج التسليح الحديث وفكرت في التجنيد الإلزامي والطوعي.
فرنسا أعادت تنشيط برنامجها النووي، ورفعت جاهزية منظومتها الصحية، وباعت طائرات رافال لأوكرانيا.
أما بريطانيا، فسارعت في مشروع الغواصات النووية المتقدمة.
لسان حال العواصم الأوروبية كان يقول إن الصدام مع روسيا بات احتمالا كبيراً، بينما كان ترامب يبتعد تدريجيا عن الانغماس في حرب نووية الأطراف.
الخطة تضمنت الأخطر: الاعتراف بالقرم ودونيتسك ولوجانسك أراض روسية، وتجميد خطوط التماس في خيرسون وزابوروجيا، وتحويل جزء من المنطقة إلى منطقة عازلة منزوعة السلاح تحت السيطرة الروسية، والطرفان يلتزمان بعدم تغيير الحدود بالقوة.
الخطة تمنع نشر قوات الناتو في أوكرانيا، مقابل تعزيز دفاع بولندا بطائرات مقاتلة، وإطلاق حوار أمني بين الولايات المتحدة وروسيا والناتو،
وتشكيل مجموعة عمل مشتركة، وتعهد روسي قانوني بعدم الاعتداء على أوكرانيا وأوروبا.
على الصعيد الاقتصادي، تقترح واشنطن وأوروبا حزمة ضخمة لإعادة الإعمار.
مائة مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة، نصفها للولايات المتحدة والنصف الآخر لأوروبا، مع إنشاء صندوق تنمية أوكرانيا لاستثمارات طويلة المدى.
رفع تدريجي للعقوبات، وعودة روسيا إلى مجموعة الثماني، وبناء شراكة اقتصادية طويلة المدى مع واشنطن.
وفي الطاقة، إعادة تشغيل محطة زابوروجيا النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقاسم الكهرباء بين روسيا وأوكرانيا بالتساوي، ودعم أميركي لإعادة بناء شبكة الغاز الأوكرانية.
آلية التنفيذ صارمة
اتفاقية ملزمة قانونيا يشرف عليها مجلس السلام بقيادة ترامب، مع عقوبات فورية على أي انتهاك، ووقف فوري لإطلاق النار فور التوقيع، والانسحاب إلى المواقع المتفق عليها.
الخطة أثارت جدلاً واسعاً
موسكو رأت فيها فرصة لإعادة إدماجها إلى النظام الدولي، والاستفادة من رفع تدريجي للعقوبات والدعم الاقتصادي.
أوروبا تحفظت، معتبرة أنها تنازلات خطيرة.
أوكرانيا تخشى من تقييد خياراتها العسكرية، والحد من دورها في أي حلف مستقبلي.
الخطة تقوم على منطق «سلام القوة»، وليس «قوة السلام»
الاعتراف بالقرم ودونيتسك ولوجانسك يمنح موسكو اعترافا دوليا، ويفرض تحديات على الغرب.
لكن تجميد خطوط التماس وتحويل المناطق إلى عازلة يحد من التصعيد الفوري.
وعدم نشر قوات للناتو في أوكرانيا مقابل تعزيز بولندا، يخلق توازنا دقيقا بين الردع المباشر والمصالح الأوروبية.
الحزمة الاقتصادية تجعل أوكرانيا منطقة نفوذ مالي، وتجعل روسيا شريكا ماليا في إعادة بناء ما دمرته الحرب.
إعادة تشغيل زابوروجيا النووية، وتقاسم الكهرباء، يحول الطاقة إلى أداة ترابط بدلا من صراع.
أما آلية التنفيذ والعقوبات الفورية تضيف جدية قانونية، وتشكل ضغطا مستمرا للالتزاممن كل الأطراف.
هكذا تقترب لعبة إستراتيجية كبرى من نهايتها.
سنوات من حرب استنزاف بين روسيا وحلف الناتو، خلفت شللا اقتصاديا وسياسيا.
ترامب يريد فرض سلام القوة
استنزاف روسيا، شعب الفلاحين المحارب، وضع العالم أمام طريق مسدود، ومنع الإدارة الأميركية من التركيز على المواجهة الكبرى مع الصين وجنوب شرق آسيا.
الانغماس الطويل في المستنقع الأوكراني أضاع الوقت، وعطل التحولات الجيوسياسية، من وجهة نظر ترامب.
ولذلك، يبدو مجلس السلام الدولي أكبر لعبة إستراتيجية بعد الحرب العالمية الثانية، ومحطة فاصلة لإعادة رسم ميزان الهيمنة في النظام الدولي.
البعض يتذكر اتفاق يالطا عام 1945، حين تم تقاسم السوفييت والأميركيين، وتركوا اوروبا، والبعض يرى أن الشيطان يكمن في التفاصيل.