عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Nov-2025

موضة "الفينتج" تتصدر السوشال ميديا.. و"سوق الجمعة" يستعيد ألقه

 الغد-ديمة محبوبة

 في الصباح الباكر، يكون "سوق الجمعة"، أنهى استعداده لاستقبال موجته الأولى من الزبائن، فيتوزع أصحاب البسطات في صفوف، تفصلهم ممرات ضيقة بالكاد تتسع لمرور الناس، فيما تمتد على الرفوف أكوام من الجواكيت، القمصان، الأحذية، والحقائب.
 
 
تمتاز القطع هناك، بحملها لأسماء "ماركات معروفة"، لكن بـ"أسعار غير معقولة"، - كما يصفها الباعة -. 
البعض ممن يرتادون سوق الجمعة أو محلات البالة كما يطلق على المحلات المتخصصة في بيع الملابس المستعملة، باتوا يريدون بجانب السعر المناسب قصات ملابس مختلفة، وقطع يمكن تصويرها وجعلها محتوى جديدا "لريلز" تقدم على "السوشال ميديا"، كإنجاز اقتصادي وموضة معا.
خلال الأعوام الأخيرة، برز الشراء من سوق الجمعة أو البالة، سلوكا مرتبطا بالطبقات الأقل دخلا إلى حركة اجتماعية تزداد حضورا، فرضتها "السوشال ميديا"، وأعادت صياغة الملابس المستعملة.
وعكست تحولا عميقا في طريقة مواجهة الأردنيين لغلاء المعيشة من دون الشعور بأنهم خارج الموضة أو خارج المشهد العام.
وخلال أقل من عقد، كانت كثير من العائلات تخفي شراءها من هذه الأسواق، إذ كان الأمر يعامل كخيار سري لا يصرح به أحد إلا القليل، لكن اليوم نجد رواد "السوشال ميديا"، في مشهد متكرر شاب أو شابة بين أكوام الملابس يلتقطان صورا ليوثقا "الكنوز" التي وجداها بأقل الأسعار، بريلز معنون "تحدي العشرة دنانير".
رواد "السوشال ميديا"، يستعرضون ما يمكن شراؤه بسعر لا يتجاوز العشرة دنانير، فيعودون إلى منازلهم محملين بحقائب بلاستيكية سوداء فيها العديد من القطع الجميلة بسعر زهيد، يمكن استغلال القطعة الواحدة لأكثر من موديل.
كانت تجربة مهمة لأم أسعد، التي ذهبت لسوق الجمعة برفقة أبنائها بعد أن شاهدت على "السوشال ميديا" قطعا مميزة تحمل علامات تجارية معروفة.
هناك، وجدت ما دفعها لتغيير رأيها تماما، فاشترت قطعا شتوية وجاكيتات لها ولأبنائها، وحتى لشقيقاتها أيضا.
كما ابتاعت إكسسوارات لافتة وأحذية للشتاء من المكان نفسه، ولم تكن تتوقع أن تغادر السوق محملة بالأكياس.. وبمبلغ لم يتجاوز 25 دينارا فقط.
وبمجرد أن غادرت أم أسعد السوق، سارعت إلى الاتصال بصديقاتها ومشاركتهن صور الملابس التي اشترتها، لتقول لهن: "إنتو بتضيعوا فلوسكم.. من هون بتقدروا تجيبوا أحلى القطع وبأقل الاسعار"!.
أسباب هذا التحول عديدة حسب اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، فتغير لغة الناس تجاه الظاهرة، بقولهم بدلا من ملابس قديمة أو مستعملة إلى "فينتج"، وهو مصطلح يمنحها قيمة ثقافية وذوقية بدلا من دلالتها القديمة. فالتغيير في الكلمة ينعكس على السلوك الذي تبدل مع تبدل التسمية.
ويقول خزاعي "إن ما يحدث ليس مجرد تبدل اقتصادي، بل اجتماعي وثقافي أيضا، فهناك تحول في معايير الفخر الاجتماعي، فجيل الشباب اليوم لا يخجل من الإعلان أن قطعة جميلة كلفتها دينارين، بل يعتبر ذلك دلالة على الذكاء".
ويكمل أن إعادة تعريف الذوق، التي تقودها "السوشال ميديا"، وتعيد تشكيل النظرة الاجتماعية للمستعمل، جعل السلوك الذي كان يمارس سرا، يخرج إلى العلن، وتحول إلى محتوى يحظى بآلاف المشاهدات. ويلفت إلى أن كل ذلك ساهم في كسر وصمة الشراء من الأسواق الشعبية المستعملة، ونقل التجربة من خانة "الضرورة" إلى خانة "الخيار".
ويرى أن مع كل فيديو ينشره أحد صناع المحتوى، يشعر آلاف المتابعين أن ما يفعلونه ليس خروجا على "البرستيج"، بل جزءا من موجة جماعية. فيقول خزاعي "في المجتمعات التي تمر بضغوطات اقتصادية، تصبح السوشال ميديا مرآة تظهر قبولا اجتماعيا سريعا، فالناس يرون أن الجميع يفعل الشيء نفسه، فيتبدد الإحراج ويحل الشعور بالمشاركة".
وبرأي الخبير الاقتصادي حسام عايش، أن سوق الجمعة اكتسب قيمة جديدة اجتماعيا، إلى جانب القيمة الاقتصادية. وبدلا من أن يكون ملاذا اقتصاديا فقط، فهو اليوم، "منافس وصيحة" على السوشال ميديا.
ويؤكد أن البالة أو محلات البيع للبضائع القديمة والمستعملة، لها دور اقتصادي وأساسي في حياة الكثر من العائلات الأردنية، خصوصا مع الأوقات التي تتزايد فيها أعباء العائلات عاما بعد عام، ومع التضخم الكبير وعدم معادلة رواتب الموظفين لذلك.
ويشير عايش، إلى أن هذه الأسواق وفرت توازنا في سوق يعاني من ارتفاع أسعار الملابس، وانخفاض القدرة الشرائية. فيقول "سوق الجمعة أصبح جزءا من بنية الاقتصاد الاستهلاكي للأردنيين، إذ تمكنت العائلات من شراء احتياجاتها بأقل التكاليف، وفي بعض الحالات هي الخيار الوحيد لها".
ويضيف عايش أن "السوشال ميديا" وما يقدمه مثل هذا المحتوى، مهم من منظور اقتصادي، إذ يظهر أن الشراء من مثل هذه الأسواق شيء جميل وذكي لبعض الفئات، مما ساهم في زيادة الإقبال عليها.
وأخيرا اليوم، ومن يراقب تلك الأسواق وروادها، يجد البعض أمام الكميرات متحديا جمهوره بأنه سيشتري قطعا جميلة و"فينتج" أغلبها كبناطيل الجينز العريضة أو جاكيتات الجلد القديمة أو الأحذية الغريبة، ذات الجلود الأصلية والطبعات النادرة.
ويشير خزاعي إلى ثلاثة أسباب رئيسية لهذا التصرف، تتمثل بالضغوطات الاقتصادية التي تدفع الناس للبحث عن بدائل، الرغبة في مواكبة الموضة من دون تكاليف كبيرة والقبول الاجتماعي الرقمي، الذي منح المشترين مساحة للتعبير من دون خجل.