عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Dec-2025

السلام أثر بعد عين في فيديو إعدام ميداني إسرائيلي

  الغد

بيل ترو* - (الإندبندنت) 2025/12/2
عقب اللقطات المصورة الأخيرة لعملية القتل المتعمدة التي نفذها الجيش الإسرائيلي، حذرت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا من الزيادة الخطرة في أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون في حق الفلسطينيين. وقد تصاعدت أعمال العنف في الضفة الغربية مع توثيق إعدام الفلسطينيين، وسط تحذيرات دولية من هجمات المستوطنين وتفاقم الانتهاكات، مما يكشف عن فشل خطط السلام ويؤكد الحاجة إلى محاسبة المسؤولين وضمان حماية المدنيين وفق القانون الدولي.
 
 
في مقطع الفيديو القصير الذي عُرض للمرة الأولى على شاشة قناة تلفزيونية مصرية، يخرج رجلان فلسطينيان أعزلان كما يبدو من مبنى مدمر جزئياً رافعين أيديهما فوق رأسيهما، ثم يأمرهما عدد من عناصر قوات الجيش الإسرائيلي بالانبطاح.
بعد ذلك، يطلق الجنود النار عليهما من مسافة قصيرة فيرديانهما قتيلين. حصل ذلك بعد ظهر يوم الخميس، 30 تشرين الثاني (نوفمبر)، خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود لمدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة.
ونشرت المجموعة الحقوقية الإسرائيلية "بتسيلم" اسمي الرجلين، وهما يوسف عصاعصة (39 سنة) والمنتصر بالله
عبدالله (26 سنة)، مضيفة أنهما كانا يسلمان نفسيهما ولم يشكلا أي خطر ظاهرياً.
وقد زعم الجيش الإسرائيلي، من جهته، أن الشخصين كانا "مطلوبين"، ومرتبطين "بشبكة إرهابية" لم يكشف عن اسمها. وكتب الجيش: "بعد خروج المشتبه بهما، تم إطلاق النيران في اتجاههما"، مضيفاً أن "الحادثة قيد التحقيق من القادة الميدانيين".
لكن عملية القتل السافرة التي التقطتها عدسات الكاميرات، دفعت شركة البث العام الإسرائيلية "كان" إلى الإفادة بأن رئيس الأركان العامة الإسرائيلي، إيال زامير، طلب إجراء "تحقيق عاجل" في الحادثة.
كما أفادت "كان" بأن الجنود قالوا إنهم كانوا ينفذون الأوامر، لذلك يبدو أنها ليست حادثة معزولة، ولا يرجح أنها كانت "خطأ" عملياتياً.
كان هذا من أوضح الفيديوهات التي تبين تصاعد وتيرة العنف وتفشي انتهاكات القانون الدولي على يد القوات الإسرائيلية، وهو عنف عملت مجموعات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية ودولية محترمة على توثيقه والتحذير منه منذ اندلاع الحرب في غزة في تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
خلال السنتين الماضيتين، لقي أكثر من 1000 شخص، من بينهم عدد كبير من المواطنين الأجانب، حتفهم في الضفة الغربية على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين الإسرائيليين، بحسب الأمم المتحدة.
وقد بلغت حصيلة القتلى درجة من الارتفاع دفعت المجموعات الحقوقية إلى اعتبار السنتين الماضيتين أكثر الفترات دموية التي تعيشها المنطقة، منذ احتلال إسرائيل لهذه الأراضي للمرة الأولى في العام 1967، أي منذ ما يقرب من 60 عاماً.
سبق للقوات الإسرائيلية أن اقتحمت أربعة مخيمات للاجئين وأفرغتها من سكانها، وهي جنين ونور شمس وطولكرم والفارعة. وقد هجّرت أكثر من 40 ألف شخص قسراً من منازلهم في شباط (فبراير) الماضي.
وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة "بتسيلم"، يولي نوفاك، إن عمليتي الإعدام الأخيرتين، كما في أعمال العنف والقتل الأخرى، تأتي "نتيجة لتسريع عملية تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتخلي النظام الإسرائيلي التام عن توفير الحماية لحياتهم". وأضافت: "ليس في إسرائيل أي آلية يمكنها وقف قتل الفلسطينيين أو محاكمة المسؤولين" (عن القتل)، وحثت المجتمع الدولي على التدخل.
يشكل هذا كله فشلًا جديدًا. لم يرد في "خطة السلام" التي وضعها دونالد ترامب لغزة وحظيت بإشادة واسعة أي ذكر للضفة الغربية المحتلة، مع أن هذا المستوى الحاد من العنف يحدث بالتزامن مع المقتلة الكبيرة المستمرة في غزة، التي أسفر القصف الإسرائيلي غير المسبوق فيها عن مقتل نحو 70 ألف فلسطيني، وفق مسؤولي الصحة الفلسطينيين.
وحتى في غزة التي جرى التصديق على اتفاق ترامب الخاص بها في تشرين الأول (أكتوبر)، واعتبر أنه فجر سلام جديد للمنطقة، أفادت السلطات الصحية الفلسطينية في الأسبوع الذي تُكتب فيه هذه السطور عن مقتل أكثر من 340 فلسطينياً بينما تواصل إسرائيل قصف بعض أجزاء القطاع المحاصر واقتحامها.
وبما أن الضفة الغربية غير مذكورة في الاتفاق، تستمر الاقتحامات العسكرية فيها، وينتج عنها -كما بيّن مقطع الفيديو المذكور- عمليات إعدام ميدانية.
لكن العنف لا يقتصر على أعضاء قوات الأمن الإسرائيلية وحدهم. يوم الخميس، أصدرت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بياناً مشتركاً يدق ناقوس الخطر، محذراً من التصاعد الكبير والقاتل في أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون في حق الفلسطينيين -وهي أعمال كرر شهود العيان على مسامعي أنها تحدث تحت أنظار قوات الأمن.
تجدر ملاحظة أن إسرائيل استولت على الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة في حرب الأيام الستة في العام 1967. وقد اعتبرت "محكمة العدل الدولية" احتلال إسرائيل لهذه الأراضي غير قانوني ومخالفاً لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم.
منذ ذلك الحين، بنت إسرائيل مستوطنات على هذه الأراضي، وقامت بتوسيعها لدرجة أن الضفة الغربية تؤوي حالياً أكثر من 500 ألف مستوطن إسرائيلي.
منذ الهجمات القاتلة التي شنتها "حماس" على جنوب إسرائيل يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، سلحت الدولة عدداً كبيراً من المستوطنين وجندتهم ضمن قوات أطلقت عليها اسم "وحدات الدفاع الإقليمية"، وهي قوات تقول المجموعات الحقوقية الدولية والإسرائيلية والفلسطينية إنها تصبح أكثر وقاحة وعنفاً كل يوم.
وقالت المملكة المتحدة وحلفاؤها يوم الخميس الماضي إن عدد الهجمات التي ينفذها المستوطنون في الضفة بلغ "مستويات جديدة". فقد وقع 264 هجوماً في تشرين الأول (أكتوبر) وحده، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الذي اعتبر أن "هذا أكبر عدد من الهجمات التي يشنها المستوطنون خلال شهر واحد، منذ بدأت الأمم المتحدة بتسجيل هذه الاعتداءات في العام 2006".
وأضاف البيان: "ندعو نحن، وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، حكومة إسرائيل، إلى الالتزام بواجباتها بموجب القانون الدولي وحماية السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة". وكانت المملكة المتحدة قد فرضت عقوبات على بعض المستوطنين.
في وقت سابق، قال متحدث باسم "بتسيلم" لصحيفة "الاندبندنت" إن الجيش الإسرائيلي لا يكتفي بتأييد سلوك المستوطنين العنيف، بل إن المستوطنين أنفسهم لديهم قدرة على الوصول إلى أسلحة تعطيها لهم الدولة، وهم "فعلياً جزء من الجيش الآن". وأضاف المتحدث في ذلك الوقت أنهم "يتمتعون بحصانة تامة".
كان من أوضح الأمثلة على ذلك الحادثة التي وقعت في تموز (يوليو) في "أم الخير"، التابعة لمسافر يطا والواقعة جنوب الضفة الغربية المحتلة. وقد صور الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى"، الحائز على جائزة الأوسكار، المحنة التي يعيشها سكان تلك المنطقة، الذين يتعرضون إلى هجمات متواصلة من المستوطنين.
في ذلك المكان، صور الناشط الفلسطيني عودة الهذالين، وعمره 31 سنة، الذي عمل على الوثائقي، عملية قتله شخصياً على يد المستوطن يانون ليفي الذي فرضت عليه المملكة المتحدة عقوبات.
وعلى الرغم من وجود الفيديو وشهود عيان فلسطينيين وأجانب عدة، وُضع ليفي قيد الإقامة الجبرية لفترة وجيزة قبل أن يتم إطلاق سراحه. ومنذ ذلك الحين، التقطته الكاميرات مرات عدة وهو يواصل الاعتداء على العائلات في أم الخير.
لا يمكن أن يحل "السلام" بأعجوبة في فلسطين أو إسرائيل أو المنطقة إذا كان من الممكن أن تستمر أعمال العنف الوحشية هذه من دون عقاب -بل وتتحول إلى أمور اعتيادية.
من أجل التوصل إلى اتفاق سلام فعلي لوقف إطلاق النار، يجب أن تتضمن أي صيغة لهذا الاتفاق الضفة الغربية المحتلة. ويجب أن تتم محاسبة المسؤولين عن انتهاكاتهم القانون الدولي، لكي يسود السلام والأمن بطريقة عادلة للجميع.
 
*بيل ترو Bel Trew: كبيرة المراسلين الدوليين في صحيفة "الإندبندنت"، تقيم في برلين. غطّت منذ انطلاق "الربيع العربي" في العام 2011 العديد من الثورات والحروب في الشرق الأوسط من جنوب السودان إلى اليمن، ومن العراق إلى سورية. تجمع في تغطياتها بين المغامرة والاستقصاء، وتتنوع أعمالها من الأفلام الوثائقية مثل "الجثة في الغابة" وسلسلة التحقيقات مثل "المفقودون"، إلى التقارير الميدانية التي تغطي الصراعات، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتسلط الضوء على أصداء الأحداث في العالمين العربي والأوروبي. اشتهرت بشجاعتها في مواجهة المخاطر وحصلت على جوائز صحفية مرموقة، منها "مرايا كولفن" و"المراسل الأجنبي للعام" في المملكة المتحدة.