عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Dec-2025

رعب الصهاينة*إسماعيل الشريف

 الدستور

عقول الناس تُستعبد عندما لا يتحكمون في مصادر معرفتهم   جان جاك روسو.
انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل واسع، مقطع فيديو يضم مقتطفات من حديث سارة هورويتز، الكاتبة السابقة لخطابات الرئيس أوباما، خلال جلستها الحوارية في الجمعية العامة لاتحاد الجاليات اليهودية في أمريكا الشمالية قبل نحو أسبوع. وقد شدني هذا المقطع لأهمية ما قالته، فذهبت لمشاهدة الجلسة كاملة على يوتيوب.
كانت سارة صريحة جدا، إذ أعربت عن قلقها من تراجع قدرة الصهاينة على إقناع الشباب بحججهم، بعد أن شاهدوا بالصوت والصورة الإبادة التي ارتكبها الكيان في غزة. وقالت إن العالم يعيش اليوم حالة انقسام بين الأجيال، خاصة بعدما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي المصدر الإعلامي الأول، بعد أن كانت الأخبار في أمريكا سابقًا أمريكية خالصة لا تعبّر عن أي موقف مناهض لإسرائيل، ومن كان يبحث عن رأي مختلف كان عليه أن ينقّب عنه في المكتبات.
أما اليوم   كما تقول   فوسائل التواصل الاجتماعي وسيط عالمي تصنع خوارزمياته مليارات من البشر حول العالم، «كثير منهم لا يحبون اليهود»، ولذلك أصبح الشاب الأمريكي يتلقى ما لم يكن ليصادفه في التسعينيات، مثل قناة الجزيرة أو أصوات سياسية راديكالية، وهذه المنصات   كما تقول هورويتز   «تأتي إليه وتطرق هاتفه مباشرة».
وتضيف: «إنه إعلام ما بعد القراءة؛ نصوص أقل وفيديوهات أكثر. ولهذا نجد تيك توك يدمر أدمغة شبابنا طوال اليوم بمقاطع عن المذبحة في غزة، ولذلك يصعب على الكثير منا إجراء حوار عاقل مع الشباب اليهود، لأن أي كلمة نقولها ترتد من جدار صور المذبحة. أريد أن أقدم بيانات وحقائق وحججًا، لكن في عقولهم لا يوجد سوى المذبحة، فأبدو وكأنني شخص بذيء».
ولعل أخطر ما اعترفت به هو أن تعليم الهولوكوست بدأ يعمل بصورة عكسية: فقد رسخ لدى الشباب فكرة أن الإبادة دائمًا شيء سيئ وغير مبرر. وتتابع: «لقد راهنّا على تدريس الهولوكوست لمحاربة معاداة السامية، لكنه يتفكك اليوم؛ لأنهم تعلموا عن نازيين أقوياء يعتدون على يهود ضعفاء، فتصوروا أن معاداة السامية تشبه العنصرية ضد السود. لذلك، عندما يرون على تيك توك إسرائيليين أقوياء يعتدون على فلسطينيين ضعفاء، ليس مستغربًا أن يفكروا: نحن نعرف درس الهولوكوست   يجب مواجهة الأقوياء الذين يعتدون على الضعفاء».
ثم تقول إن الخطأ الذي يقع فيه الناس هو تطبيق دروس الهولوكوست على معارضة الجرائم الإسرائيلية، معتبرة أن النازية كانت تلوم اليهود على مشكلاتها، تمامًا كما يظن البعض اليوم أن إسرائيل سبب مشاكل العالم. وتأسف لأن اليهود في الغرب   كما تقول   أعادوا تخيّل اليهودية بوصفها دينًا بروتستانتيًا بهدف الاندماج في المجتمع الأمريكي، بدل الحفاظ على هوية صلبة مخلصة لدولة إسرائيل، مضيفة: «نحن لسنا مجرد دين، نحن أمة وقبيلة وشعب، وقبل كل شيء عائلة. فإذا اعتقد الشاب اليهودي في أمريكا أن اليهودية مجرد دين، فإن سبعة ملايين يهودي في إسرائيل ليسوا إلا شركاء في الدين، لا عائلة، وحينها يسهل الانزلاق إلى مناهضة الصهيونية لأنه لا يمتلك ارتباطًا حقيقيًا بهم».
هذا الكلام يمثّل خطابًا فاشيًا يقوم على فكرة تفوّق العرق اليهودي، ويدعو لولاء أعمى لإسرائيل مهما ارتكبت من فظائع، فوق كل قيمة أخلاقية وإنسانية. فرويتز لا تنكر الجرائم، ولا تعترض عليها أصلًا؛ مشكلتها الحقيقية هي أن العالم بات يشاهدها ويرفض الرواية الصهيونية، والحل في نظرها هو أن تستمر إسرائيل في جرائمها بعيدًا عن أعين الناس.
تتجلّى أهمية هذا الاعتراف في كونه صادرًا عن شخصية كانت في صميم صناعة القرار الإعلامي والسياسي الأمريكي. فهي تؤكد ما يقوله مناهضو الكيان منذ عقود: أن الإعلام التقليدي في أمريكا كان خاضعًا بالكامل لإسرائيل، يطمس كل رأي مخالف، لكن وسائل التواصل الاجتماعي حطمت السيطرة وأظهرت الحقيقة بلا تجميل.
ولهذا   كما تقول   يسعى الصهاينة اليوم إلى شراء تيك توك والتلاعب في خوارزمياته وشراء المؤثرين لمحاولة استعادة السيطرة على العقول. لكن الناس لم يعودوا يصدقون الدعاية التي انهارت أمام صور الإبادة. بل إن الإفراط في استثمار الهولوكوست ارتد عليهم وجعل جيلًا كاملًا يرى أن ما يحدث في غزة هولوكوست جديد.
لقد فقد الصهاينة سيطرتهم على السردية، فخرجوا من هدوء دعايتهم الناعمة إلى هستيريا مكشوفة واعترافات علنية غير مسبوقة. انهارت الأعصاب، وارتفعت النبرة، وما كان مخفيًا تحت الظلام أصبح اليوم تحت الشمس.