عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Dec-2025

السردية الوطنية في الدراما الأردنية*د. محمود عبابنة

 الغد

 في الآونة الأخيرة شاع الحديث عن معنى ومفهوم السردية الأردنية، واستمعنا إلى محاضرات قيمة من باحثين ومتخصصين سياسيين ومؤرخين، وقرأنا العديد من المقالات لكتاب وازنين، واستقر المفهوم العام المشترك بينهم على أن المقصود بالسردية هي: رواية الأحداث التي مر بها الأردن وتوثيقها منذ فترة النشء وحتى أيامنا المعاصرة.
 
 
 وقد مر الأردن بالعديد من الأحداث المفرحة والحزينة، وصنع انتصارات وتكبد انكسارات، مال ذات اليمين ومال ذات الشمال، انحنى للعواصف ولكنه وقف صامدا، حقق كثيرا من الإنجازات وأخفق في كثير من المجالات... حاله حال الدول والشعوب الأخرى.
 لكن حال الشعوب والدول الأخرى، وكما هو مفترض، أن تُعظَّم الومضات المضيئة في تاريخها وتُستعرض تضحيات أبنائها وبطولاتهم لتتشربها الأجيال، من أجل تغذية الحس الوطني لدى أبنائها ولتعزيز انتمائهم لبلدهم وتاريخهم ضمن ما يسمى بالقوة الناعمة، مثل التي تستخدمها حاليا تركيا في تمرير كل ما تريد من خلال عشرات المسلسلات التاريخية التي تعيد تشكيل عقلية كل من يشاهدها ليتعاطف مع الإرث والتاريخ التركي.
 للسردية الوطنية الأثر الأكبر في تشكيل الوجدان الوطني، ولذلك يزرعونها في المناهج المدرسية ويعرضونها في المهرجانات ويحتفلون بها في المناسبات الوطنية، ويوثقونها بالكتابة وبالصوت والصورة، والأخيرة هي من أهم هذه الوسائل لتعزيز الروح الوطنية نظرا للتأثير الحسي والسمعي والمرئي، وهذا هو دور الدراما في كل بلد، فربما يكون تأثير مسلسل تلفزيوني وازن حول قضية تاريخية أو وطنية تأثيرا يفوق مئات المرات محاضرة هنا وهناك أو دراسة محفوظة في المكتبات العامة، فمثلا: تتفاعل مع مسلسل "التغريبة الفلسطينية" للمؤلف وليد سيف وللمخرج حاتم علي الذي يصور مأساة النكبة ويغنيك عن عشرات الكتب والمحاضرات، وتتفاعل أكثر مع المسلسل المصري "الملك فاروق" عندما تحيط بحقبة تاريخية فريدة في تاريخ مصر، ويروي المسلسل السوري "الزير سالم" ظمأك عندما تتطلع على تاريخ القبائل العربية قبل الإسلام، ويطلعك مسلسل "الولادة من الخاصرة" على إرهاصات الانتفاضة السورية، وينقل لك المسلسل الجزائري "سنوات الجمر" أحداث ووقائع الثورة الجزائرية المجيدة التي تسيطر على وجدان الشعب الجزائري وتزيد من عنفوانه وكبريائه.
الأردن على الرغم من تقدمه في كثير من مناحي الريادة على المستوى العربي، فالدراما الأردنية التي سجلت نجاحا وتألقت في فترة السبعينيات والثمانينيات وما زلنا نذكر مسلسلات "حارة أبو عواد"، و"حدث في المعمورة"، و"الكف والمخرز"، و"قرية بلا سقف" وغيرها مما لا نذكر، ونفخر بكثير من الممثلين أمثال: محمود أبو غريب، جميل عواد، نبيل المشيني، موسى حجازين، زهير النوباني، ناريمان عبد الكريم، ربيع شهاب، عبير عيسى، ورشيدة الدجاني، وغيرهم ممن لا تسعفنا الذاكرة بإيراد أسمائهم.
لقد كانت هذه الدراما الناجحة ذات قدرة على كشف الحياة الاجتماعية والظروف المعيشية وما مر به المجتمع الأردني في فترة السبعينيات والثمانينيات، ورغم إنتاج بعض الأفلام الوثائقية عن الثورة العربية الكبرى وكذلك عن حياة الشهيد وصفي التل، إلا أن الجمهور الأردني بقي متعطشا لدراما أردنية سينمائية أو تلفزيونية تصور هذه الثورة العروبية، وهناك أحداث تدعو للاعتزاز والافتخار، فحتى الآن لا يوجد مسلسل أو فيلم أردني يصور ويوثق "هية الكرك"، أو "معركة أسوار القدس"، أو "معركة تل الذخيرة"، أو معركة "القدس القديمة" التي انتصر بها الجيش الأردني عندما استسلم مئات من عصابات الهاغانا، أو "معركة الكرامة" عندما تحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي، أو أن يروي لنا قصة "سردية الاستقلال"، أو "حادثة تعريب الجيش"، أو يروي حياة المغفور له الباني "الملك حسين"، أو حياة الشهيد "وصفي التل"، أو الشهيد "هزاع المجالي"، أو حياة شهيد فلسطين "محمد الحنيطي"، أو عن حياة أول شهيد أردني على أرض فلسطين "كايد المفلح العبيدات"، أو حياة الطيارين الأردنيين الشهداء الأبطال أمثال: فراس العجلوني، ومعاذ الكساسبة، أو عن حياة شاعر الأردن "عرار"، أو يتعرض لحقب سياسية "كحياة سكان شرق الأردن أيام الحكم العثماني"، أو رصد الحياة السياسية وتصوير أحوال المملكة في عهد حكومة "توفيق أبو الهدى" أو حكومة "سليمان النابلسي".
يضم الأردن نخبة من الممثلين المتميزين الذين شاركوا في أعمال عربية كبرى، وتميزوا بالقدرة على أداء أدوار تاريخية وبدوية واجتماعية بإتقان.
 يمتلك هؤلاء الممثلون حضورا قويا وقاعدة جماهيرية واسعة، حتى إن بعض الممثلين الأردنيين خرجوا إلى الفضاء الإقليمي العربي، وصرنا نسمع عن ممثلين أمثال: الممثل "إياد نصار"، والممثلة "صبا مبارك"، والممثل "منذر الرياحنة"، والممثلة "جولييت عواد"، والممثلة "نادرة عمران"، يشاركون في أكبر المسلسلات التاريخية على مستوى الوطن العربي.
 والسؤال: لماذا أخفقت الدراما الأردنية في تجسيد السردية الأردنية تاريخا وجغرافيا في مسلسل واحد على الأقل يسلط الضوء على منجز تاريخي، أو على شخصية نعتز بها، أو على معركة انتصرنا بها، أو على تحد تجاوزه الأردنيون؟ هل ذلك يعود إلى عدم وجود كتاب للنصوص الروائية التاريخية، أم لنقص في التمويل وغياب للمنتجين، أم لغياب إدارة تسويق قوية تبرز الإنجازات الأردنية؟! نعتقد أن على وزارة الثقافة ونقابة الفنانين والتلفزيون الأردني ومراكز الإنتاج أن تفكر في هذا الإخفاق المشهود وتنهض بصناعة الدراما الأردنية، لتواكب المستوى الثقافي المتفوق للأردن الذي جسده كثير من الكتاب والروائيين الأردنيين الذين نالوا الجوائز والتقديرات، "جائزة البوكر العربية"، التي ربما تترجم أعمالهم إلى أعمال درامية في دول غير الأردن، ومثال ذلك ما حصل في سوريا عندما جسد إخوتنا السوريون رواية "عندما تشيخ الذئاب" للكاتب الأردني جمال ناجي إلى مسلسل تم عرضه في عام 2019 على الشاشة السورية.
 ويظل الخوف على رواية "دفاتر الوراق" لجلال برجس التي تتحدث عن عمان وسكانها وحواريها، وعلى هذا المنوال صدرت أكثر من رواية تتحدث عن عمان، ومنها على سبيل الذكر وليس الحصر: رواية "دفاتر الطوفان" لسميحة خريس، رواية "أبناء القلعة" لزياد قاسم، رواية "جنة الشهبندر" لهاشم غرايبة، ورواية "حكي القرايا" لرمضان الرواشدة التي تتحدث عن منطقة وادي موسى.
رغم كل هذا الزاد الأدبي الوفير فإننا نستمر في تقديم الرديء والهابط؛ فإذا كان مسلسل اجتماعي يُجرى تصويره في شقة ويتصنع بعض الممثلين مواقف لا يأخذ ب جديتها أطفال الروضة، ونستجدي الضحك بالكلمات البذيئة والأدوار السخيفة، أما إذا عدنا إلى الدراما البدوية التي أبدعنا فيها في السبعينيات والتي مضى عهدها، فإننا ما زلنا نكرر ونقلد مسلسل "وضحى وابن عجلان" ومسلسل "رأس غليص" ولكن بنسخ رديئة جدا.