عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Jun-2025

"مراسم المواسم".. توثيق حياة الأجداد بالتراث الشعبي الأردني

 الغد-عزيزة علي

 يقدم كتاب "مراسم المواسم في التراث الشعبي الأردني" دراسة شاملة تسلط الضوء على طقوس المواسم في التراث، مستعرضا كيف عاش أجدادنا في تناغم مع تقلبات الطقس والفصول المختلفة على مدار العام.
 
 
يتناول الكتاب تفاصيل حياة الريف والبداوة، ويبرز الأنشطة الزراعية والعادات والأدوات التقليدية التي استخدمها الناس بجهد وذكاء لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
 
 جسر يصل الماضي بالحاضر
 الكِتاب تناول كيفية تنظيم الأجداد أعمالهم اليومية بما يتوافق مع تغيرات المناخ، فضلا عن أبرز الأكلات الشعبية وطرق حفظها، في صورة تعكس ثراء التراث الأردني المادي وغير المادي.
مؤلفة الكتاب، الباحثة فضية حسين حمدان مقابلة، تقدمه ضمن إصدارات وزارة الثقافة في إطار برنامج "مكتبة الأسرة الأردنية – قراءة للجميع"، ليكون جسرا يصل الماضي بالحاضر، ومصدر معرفة وإلهام للأجيال القادمة.
ويعكس الكتاب حب المؤلفة العميق للحياة البسيطة والتشاركية التي ميزت مجتمعنا القديم، والقيم النبيلة التي نشأت من بيئتنا العربية وديننا الإسلامي الحنيف.
الكتاب جاء مقسما إلى أربعة عشر فصلاً، يتناول الفصل الأول شهري كانون الأول وكانون الثاني، ويشمل موضوعات مثل "الأربعينية"، و"الخمسينية"، و"الثلج الكبير في التراث الأردني". أما الفصول الثاني والثالث والرابع فتتناول أشهر شباط وآذار ونيسان، وفعاليات جزء الصوف والزراعة الصيفية.
ويتحدث الفصل السادس عن شهر حزيران، متضمنًا حصيدة القطاني، وأسماء ومصطلحات خاصة بعملية الحصاد. في حين يتناول الفصل السابع شهري تموز وآب، والفصل الثامن شهر أيلول، والفصل التاسع تشرين الأول، والفصل العاشر تشرين الثاني، ويشمل موضوعات مثل شتوة المساطيح، وحراثة الأرض، وموسم الزيتون.
أما الفصل الحادي عشر فيسلط الضوء على مواسم وغضب الطبيعة، مثل سنة الثلجة، والجراد، والهزة. ويتحدث الفصل الثاني عشر عن مواسم الخير والأمن الغذائي، بينما يتناول الفصل الثالث عشر أشهر الأكلات الشعبية. ويختتم الكتاب بالفصل الرابع عشر الذي يتناول طرق حفظ الأطعمة.
 تعريف القارئ بماضي الأجداد 
في مقدمتها للكتاب، تشير فضية مقابلة إلى أن الهدف من هذا العمل هو تعريف القارئ بماضي الأجداد وما تركوه من إرث غني للأحفاد، من خلال ما تحلّوا به من جد واجتهاد، واعتماد على الذات في تأمين سبل العيش الكريم، على امتداد فصول العام ومواسمه. وتوضح كيف كان الناس آنذاك ينظمون أنشطتهم المعتادة وأعمالهم اليومية بما يتناسب مع التقلبات الجوية، التي كانوا يرتبطون بها ارتباطًا وثيقًا، ويلتزمون بها التزامًا كاملاً في ممارسة أعمالهم التي عُرفت في زمانهم، مستلهمين من ماضيهم العريق.
وتقول المؤلفة إنها عايشت معظم تلك المشاهد بنفسها، وشاركت في بعضها، أما ما فاتها أو سبق زمنها، فقد سمعته أو رُوي لها من خلال أحاديث الأجداد إلى الأحفاد، فتابعته، وحفظته، ونقلته، وأحبّته؛ وذلك لما تكنّه من عشق لحياة الريف والبداوة والبساطة، التي تميّزت بها تلك الحقبة الزمنية الماضية، بكل ما حملته من جماليات، رغم ما شابها من عناء ومشقة.
التكيّف مع متطلبات الحياة والعيش 
وتضيف مقابلة أن الدافع من وراء توثيقها لهذا الجانب واختيارها مجال التراث الشعبي المتعلق بتقلبات الطقس والمناخ خلال العام، هو ما أثار دهشتها وإعجابها بأولئك الذين تميزوا بذكاء فطري وإحساس فني صادق، في التكيّف مع متطلبات الحياة وسبل العيش التي فرضتها عليهم بيئتهم. 
وتبين كيف استفادوا من الخامات البسيطة التي وفّرتها البيئة المحلية، واستطاعوا – بفطرتهم – تطويعها وفق طبيعتها، وتصنيعها بأدوات بسيطة وجهد شاق، وعمل مضنٍ يستغرق وقتًا طويلًا، من أجل استخدامها في حياتهم اليومية وأعمالهم الشاقة.
أكثر ما لفت انتباهها وتركيزها هو نمط الحياة التشاركية بين الناس، حتى في الأحاسيس والمشاعر الصادقة، التي كانت تنبع من قلوب صافية وأنفس مهذبة، نمت في تربة طيبة، وتجذّرت في معادن أصيلة من بيئتنا العربية، القائمة على القيم والمبادئ النبيلة المستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف.
وخلصت مقابلة إلى أن هذه القيم أسهمت في ترسيخ حب العمل والاجتهاد، وروح التعاون والنخوة و"الفزعة"، إلى جانب تبادل الأدوات المنزلية (إعارة الماعون) بين البيوت في مجتمعنا قديمًا، بما ساعدهم على إنجاز متطلبات الحياة بنجاح. وترى أن من حكمة الله عزّ وجل أن جعل بين الناس فروقًا فردية، ليبقى كل منهم في حاجة إلى الآخر، ويستمر بذلك التواصل الإنساني الحميد بين أبناء المجتمع البشري.
صون الموروث الشعبي الأردني
وفي خاتمة هذه الدراسة، تقول المؤلفة إن الماضي هو حكاية الحاضر، يعبر من ضفة السلف إلى الخلف، محمّلًا بأمانة النقل والحرص على صون الموروث الشعبي الأردني، المادي منه وغير المادي. وتؤكد أهمية الحفاظ على هذا التراث العظيم، بما يختزنه من عادات وتقاليد وقيم نبيلة، تجسدت في أنشطة الأجداد وأعمالهم اليومية. وتشير إلى أن دافعها لهذا التوثيق كان ما لاحظته من اهتمام فئة الصغار وشغفهم الواضح لمعرفة سيرة الأجداد، وكيف تعاملوا مع تقلبات الطقس والمناخ، وبرمجوا أنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية بما يتناسب مع طبيعة المناخ في بلادنا، فأتقنوا تنظيم أعمالهم، وترتيبها، وتوزيعها بما يخدم متطلبات حياتهم.
اجتهدت في تقديم هذه الدراسة، وسعت إلى تسجيل ما أسعفتها به الذاكرة من مشاهد تُصوّر وتُترجم يوميات السلف، ليكون في ذلك عِبرة وخبرة يتعلم منها الخلف، وتشكل دافعًا لهم وحافزًا على الجد والاجتهاد، واستثمار ما وهبنا الله إياه من طبيعة متنوّعة، أسهمت بدورها في تنوّع الإنتاج وتعدد المهن.
وتبين المؤلفة أنها ركّزت على أسماء ومسميات الأدوات البسيطة التي صنعها الناس بجهد بدني جهيد، لتكون وسيلة تعينهم على أداء المهام الصعبة والأعمال الشاقة التي تعتمد على الجهد البدني والعضلي. وهذه الرحلة تعكس صراع الإنسان المستمر من أجل البقاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ووفق قولها؛ فإن بعض المشاهد التي نقلتها كتابيًا في هذا الكتاب، هي مشاهد عايشتها أو شاهدتها بنفسها، بينما روى لها البعض الآخر من الأجداد وكبار السن من الأقارب والجيران الذين عايشتهم وعشت معهم أجمل سنوات عمرها.
وخلصت إلى أن تلك الأيام التي كانت تعتمد فيها الناس على تناول أصناف الطعام الصحي من بيئة طبيعية خالية من محفزات الإنتاج الصناعي. وقد ذكرت المؤلفة عددًا من الأطباق الشعبية التي كانوا يعتمدون عليها يوميًا، بالإضافة إلى عدة طرق لتحضيرها وحفظها حتى موسم ندرتها.