عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Jul-2025

لماذا تحول ترامب إلى محام لنتنياهو؟

 الغد-محمد الكيالي

برزت الضغوط الأميركية المطالبة بإنهاء محاكمة رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو كأحد أنصع ملامح التدخل الخارجي في المشهد الداخلي الإسرائيلي، خصوصا مع بروز اسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب كلاعب أساسي في هذا الملف. 
 
 
وتشير تحليلات الخبراء إلى أن هذا التدخل لا يُفسر فقط في سياقه القانوني أو الدبلوماسي، بل ينطوي على دوافع شخصية وإستراتيجية أعمق، ترتبط برغبة ترامب في حماية حليفه الأبرز في الشرق الأوسط، وتوظيف ذلك لخدمة أجندته السياسية الداخلية، وعلى رأسها تعزيز صورته كمهندس لصفقات السلام في المنطقة قبل الانتخابات الأميركية المقبلة. 
 
فبالنسبة لترامب، استمرار محاكمة نتنياهو لا يهدد الأخير فقط، بل ينسف ركائز التحالف السياسي بينهما ويُعقد ترتيبات إقليمية تسعى واشنطن لبلورتها من بوابة غزة والتطبيع والضغط على إيران.
أما على المستوى الإقليمي، فيبدو أن القضية تجاوزت البُعد القضائي لتدخل حيز المقايضة السياسية الكبرى، وفق ما يراه المحللون، حيث تُطرح محاكمة نتنياهو كعنصر تفاوضي ضمن صفقة شاملة تشمل وقف الحرب على غزة، وتوسيع رقعة “الاتفاقات الإبراهيمية”، وربما إعادة رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط. 
ويُعزز من هذه الفرضية التوقيت الحساس الذي جاء فيه قرار تأجيل المحاكمة، وسط تقارير عن خلافات حادة بين المؤسستين العسكرية والسياسية في إسرائيل، وتكهنات حول ترتيبات أمنية أو عسكرية غير معلنة. 
في ضوء ذلك، تبدو الضغوط الأميركية بمثابة رأس جبل جليد يخفي تحته تفاعلات معقدة بين حسابات القوة الإسرائيلية الداخلية والطموحات الأميركية في المنطقة، ما يجعل مستقبل المحاكمة ومآلاتها السياسية، مفتوحا على أكثر من سيناريو.
دوافع شخصية وإستراتيجية لترامب
عطفا على ما سبق يؤكد المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي الدكتور منذر الحوارات أن الضغوط الأميركية المطالبة بوقف محاكمة نتنياهو تحمل أبعادا تتجاوز البعد القانوني، وتمتد إلى دوافع شخصية لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فضلا عن حسابات إقليمية ترتبط بمستقبل خريطة الشرق الأوسط.
وقال الحوارات إن دعم ترامب العلني والمتواصل لنتنياهو لم يكن وليد اللحظة، بل اتسم بطابع شخصي منذ سنوات، حيث لطالما اعتبر محاكمته في قضايا فساد “مطاردة سياسية”، وهو موقف عبر عنه مرارا في تصريحاته التي شبه فيها محنة نتنياهو بما تعرض له هو شخصيا خلال رئاسته، عندما واجه محاولات لعزله من خصومه السياسيين.
وأضاف إن ترامب، بعقليته التجارية البراغماتية، لا يرى العلاقات الدولية إلا من زاوية المنفعة، ويربط تحالفاته الشخصية بالإستراتيجية. وبالتالي، فإن رغبته في إنهاء محاكمة نتنياهو تُعد جزءا من صفقة سياسية أوسع يمنح فيها الأخير دعما شخصيا مقابل تحقيق أهداف كبرى، من بينها استكمال اتفاقات “أبراهام” ومواصلة الضغط على إيران، والظهور كمهندس للسلام في المنطقة، وهي خطوات يرى فيها مدخلا للحصول على جائزة نوبل للسلام.
وأوضح أن وقف محاكمة نتنياهو، من وجهة نظر ترامب، ليس فقط لحماية حليف مقرب، بل لضمان بقاء شخصية قوية على رأس السلطة في دولة الاحتلال قادرة على تنفيذ الأجندة الأميركية في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن نتنياهو قدم كل ما طُلب منه أميركيا خلال ولايته خصوصا في ما يتعلق بتوسيع دائرة التطبيع ومواجهة النفوذ الإيراني.
وأشار إلى أن الدعم الأميركي لنتنياهو، في هذا السياق، يتخذ طابعا وظيفيا يخدم إستراتيجية ترامب المستقبلية، إذ لا يمكن للرئيس الأميركي – وفق منطقه – أن يمنح كل هذا الدعم لشخص يتعرض لمحاكمة بتهم فساد دون مقابل سياسي ملموس، خصوصا أن ذلك قد يُحرجه أمام الرأي العام في الولايات المتحدة ويصوره كمَن دعم زعيما فاسدا.
وبحسب الحوارات، فإن ترامب ينظر إلى نتنياهو كـ”أب روحي لإسرائيل”، ويؤمن بأن استمرار المحاكمة يهدد استقرار الدولة العبرية، لا سيما في ظل حالة التشرذم التي تعاني منها المعارضة الإسرائيلية، والتي لا تمتلك قيادة قوية قادرة على ملء الفراغ السياسي المحتمل في حال غياب نتنياهو.
ولفت إلى أن ترامب يمارس ضغطا مباشرا على القضاء الإسرائيلي، ليس فقط لإلغاء المحاكمة، بل لتأمين عفو شامل له وهو ما يتناقض مع مبدأ استقلالية القضاء، حيث أثار ذلك رفضا واسعا داخل إسرائيل، واعتُبر مساسا بسيادة النظام القضائي، ومحاولة لإظهار إسرائيل كدولة تدور في الفلك الأميركي بالكامل.
وتابع إن “هذا التدخل الأميركي قد يؤدي إلى تعميق الانقسام السياسي داخل إسرائيل، وتعزيز الاستقطاب بين مؤيدي نتنياهو ومعارضيه، الذين يرون ضرورة الاستمرار في المحاكمة، في حين يدعو المؤيدون إلى وقفها فورا”.
كما ذكر الحوارات بأن نتنياهو يواجه أيضا طلبا من المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في ارتكاب جرائم حرب، وهو ما يُعقد موقفه القانوني محليا ودوليا، ويرجح أن يكون جزءا من الضغوط التي تُمارس من أجل تعليق محاكمته محليا لتخفيف الضغط الدولي عليه.
ورجح أن يكون ملف محاكمة نتنياهو جزءا من صفقة إقليمية أكبر تشمل وقف الحرب على غزة، وتوسيع اتفاقيات التطبيع، وربما وضع ترتيبات أعمق تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية. 
غير أنه استبعد أن يكون لدى ترامب نية صادقة للدفع باتجاه “حل عادل”، موضحا أن ما يُطرح بشأن إقامة دولة فلسطينية يبدو، في رأيه، غير واقعي، وقد لا يكون إلا أداة ضغط مؤقتة ضمن المساومات الإقليمية.
وأشار إلى أن التصريحات الأخيرة لنتنياهو التي دعا فيها إلى وقف الحرب في غزة وتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية، تعكس توجها جديدا في خطابه، قد يكون منسقا مع الرؤية الأميركية في هذا التوقيت الحرج.
وأكد أن الضغوط الأميركية الحالية تصب في إطار تحقيق مصلحة مزدوجة: من جهة، حماية نتنياهو وإبقاؤه في الحكم لتنفيذ أجندة واشنطن، ومن جهة أخرى، تمكين ترامب من استثمار هذه التحولات لتعزيز صورته كصانع للسلام، تمهيدا لحملته الانتخابية المقبلة وسعيه لنيل جائزة نوبل، رغم ما سيُثيره هذا التدخل من انتقادات داخلية وإقليمية واسعة.
مقايضة إقليمية
بدوره، رأى الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبوزيد، أن مطالبة ترامب بإنهاء محاكمة نتنياهو، تندرج ضمن إطار مقايضة سياسية تسعى لتبادل ملفات إستراتيجية تتعلق بمستقبل المنطقة.
وأوضح أبوزيد أن ما يطرحه ترامب يبدو كمبادرة لصفقة شاملة، قوامها وقف إطلاق النار في قطاع غزة مقابل إنهاء محاكمة نتنياهو، بما يشمل أيضا ملفات أخرى ترتبط بإعادة رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط، في سياق ما يعرف بـ”الاتفاق الإبراهيمي”.
واعتبر أن الإدارة الأميركية، ومعها دولة الاحتلال، تدركان أن مفتاح تهدئة الأوضاع في غزة، وتمهيد الطريق نحو هندسة توازنات إقليمية جديدة، يكمن في يد نتنياهو، سواء لكونه الطرف المتحكم في القرار السياسي داخل إسرائيل، أو باعتباره حلقة وصل مع أطراف إقليمية وغربية.
وعقب تصريحات ترامب، شهدت دولة الاحتلال تطورات لافتة، أبرزها عقد اجتماع أمني رفيع ضم قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي إلى جانب عدد من وزراء حكومة نتنياهو. 
وبحسب أبوزيد، فإن الاجتماع فشل في التوصل إلى رؤية واضحة للمرحلة المقبلة في قطاع غزة، ما عكس تصاعد الخلاف بين المستويين العسكري والسياسي.
وأشار إلى أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وتحديدا الجنرالات الذين يدركون حجم الخسائر الفادحة التي تتكبدها إسرائيل ميدانيا، باتت تميل إلى ضرورة إنهاء العمليات العسكرية في غزة، في حين لا يزال المستوى السياسي يُصر على استمرارها، مدفوعا بحسابات داخلية ومعارك شخصية.
وتزامنا مع هذا الجدل، صدر قرار قضائي بتأجيل محاكمة نتنياهو لمدة أسبوع، ما فتح الباب أمام تأويلات حول ارتباط القرار بالاعتبارات السياسية والأمنية الراهنة. 
ولفت أبو زيد إلى أن بعض التقارير الإعلامية تحدثت عن تدخل من رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) الجنرال أهارون حليفا في موضوع المحاكمة.
وأضاف إن نتنياهو برر التأجيل بـ”اعتبارات الضرورة الإقليمية”، في عبارة بدت لافتة وتُوحي بوجود ترتيبات غير معلنة قد تكون أمنية أو عسكرية، يجري التحضير لها في المنطقة. 
وأشار إلى أن هذه التحركات قد تتصل بعمليات استخبارية محتملة في دول مثل إيران أو اليمن، أو ربما تمهد لتصعيد عسكري جديد في قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة.
وأكد أن ما يجري يُظهر بوضوح طبيعة التداخل بين الملفات الداخلية والخارجية في إسرائيل، خصوصا حين تتحول الملفات القضائية إلى أوراق ضغط أو تفاوض ضمن أجندة إقليمية أوسع يكون فيها القرار الأمني والعسكري أحد أدوات المناورة السياسية.