الراي
نعم الحرب انتهت حين قرر صناع اسرائيل أن تنتهي، واسرائيل لم تنتصر رغم أنها قاتلت سنتين في حرب ابادة دمرت فيه قطاع غزة بنسبة أكثر من 80% وقتلت وجرحت أكثر من مئة ألف غزي.
اسرائيل لم تنتصر، والحرب انتهت ولكن القضية التي زادت بروزاً وظهوراً وأصبحت قضية عالمية، اجتمع من أجلها بقمة جمعت عشرين زعيماً عربياً وعالمياً.
جاء العالم كله ليوقف الحرب بين فصيل وبين اسرائيل التي قدمت على أنها عظمى وتمتلك جيشاً لا يقهر، اسرائيل هذه يمكن قراءتها من أخلاقياتها وسلوكها كدولة مارقة ونموذج ذلك في كيفية تعاملها مع الأسرى، ليدرك العالم الفرق بين من يعطي الهاتف للأسير كي يتكلم مع والدته وبين من يضرب الأسرى ويهينهم، وينكل بهم، وهم مقيدون نعم الحرب انتهت بصمود الشعب الفلسطيني واصراره على حقوقه وتقديم سرديته الجديدة، هذه حضارة وتلك أخرى، وهذه سلوكيات وتلك أخرى، والمنتصر لا يمارس هذا الشكل من السلوك لو كان منتصراً حقاً، ولكنه ينتقم ويثأر من الأسرى لأن الهزيمة تلاحقه في داخله.
الحرب انتهت رغم ان نتنياهو كان يريدها أن تستمر وأن تبقى وأن يظل يمارس من خلالها عبثيته التي أغضبت العالم واسقطت السردية الاسرائيلية وصورة اسرائيل المزيفة التي بيعت على العالم أنها دولة ديمقراطية، في الحقيقة ظهرت أنها فاشية تعيش على الحرب والدماء، وتبقى مع استمرار الحرب والدماء.
ما زلت اذكر تعبيراً للملك الراحل الحسين، قال فيه عندما تخلع اسرائيل «الفوتيك» وتتوقف عن الحرب، فأنها تموت، وهذه حقيقة، فاسرائيل مخلوق حربي يقتات على الحرب ويعتمدها، ويربط مصيره بها، فإن غابت الحرب غابت العدوانية التي هي جوهر العقيدة الصهيونية، وإذا ما غابت القوة الغاشمة التي تمارس الاستيطان والاحتلال والتوسع.
لقد كان الملك الراحل الحسين، صاحب نبوءة ورؤية، حين قال ان المشكلة كانت في أن التهديدات العربية المفرغة من المضمون، ظلت تشحذ اسرائيل ويمكنها من استدراج القوة والسلاح والدعم من الدول التي أقامتها لتكون لها ذراعاً وكانت اسرائيل أمام التهديدات غير الجادة والتي لا تملك خططاً أو اعداداً تجعل من اسرائيل قوة استطاعت أن تهدد المنطقة كلها.
اسرائيل لا تريد السلام، وإنما الحرب، وهي لا تستطيع أن تستمر بدونها، لأن البرنامج التوسعي الاسرائيلي مرتبط بفكر الحركة الصهيونية، وتحديداً في هذه المرحلة من سيطرة اليمين الاسرائيلي الذي يمثله جابوتنسكي، أبو المليشيات الاسرائيلية المتطرفة، ورغم تكرار الرئيس الأمريكي تعبيره الحرب انتهت، الاّ أن رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو الذي يواجه صعوبة في ابتلاع المبادرة الأمريكية، لدرجة أنه اعتذر عن حضور قمة شرم الشيخ بذريعة الأعياد اليهودية، ويحاول نتنياهو الذي ساعده ترامب في غسل صورته لدى الإسرائيليين ومحاولة إعادة تسويقه عالمياً، يحاول أن يضع الكلام على لسان ترامب وأن يجيبه عليها، مثل ضم الجولان واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل والسكوت على خطط ضم الضفة الغربية واعتبارها يهودية أو غير ذلك.
كل الشعارات التي يرفعها نتنياهو والتي سمعها ترامب سوف تتراجع بغياب نتنياهو عن السلطة، ولذا يحاول نتنياهو أن يحل البرلمان ويدعو لانتخابات، دون بعض الوجوه المحروقة في حكومته باعتباره ما زال يحظى بشعبية تمكنه من الفوز.
اسرائيل ذهبت الى اليمين كثيراً، وجاء ترامب لينقذها وينقذ حكومتها مما الحقه نتنياهو من أضرار، ولو ترك نتنياهو على هواه ولم يتدخل ترامب أمام الموجة العالمية التي نبذت اسرائيل وأمام صورة اسرائيل المهزوزة واقتصادها المدمر، لما كانت اسرائيل قادرة على الاستمرار.
الحرب انتهت وأدرك العالم ان الشعب الفلسطيني يستحق دولة وحق تقرير المصير، فالشعب الذي قاتل في غزة سنتين أمام أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط، ومنع عن اسرائيل الانتصار بصموده.
هذا الشعب أرسل إشارات وقدم دروساً يقرأها العالم الآن وسوف تقرأها الولايات المتحدة التي لن تبقي على تحالفها الأعمى مع اسرائيل، فقد بدأ ترامب يشير الى خطوط حمراء لا يحق لاسرائيل تجاوزها.