القوة الدولية في غزة.. ما قدرتها على تحقيق التهدئة بالقطاع؟
مخاوف من اصطدام عملها بمخطط الاحتلال لتثبيت سيطرته الأمنية بالقطاع
الغد-نادية سعد الدين
تتجه الأنظار نحو القوة الدولية التي من المتوقع وصولها إلى قطاع غزة في شهر كانون الثاني (يناير) المقبل لإتمام المهام الموكلة إليها لتحقيق الاستقرار والتهدئة.
يأتي هذا في ظل مخاوف من تعارض مهمتها مع مخطط الاحتلال الرامي إلى ترسيخ سيطرته الأمنية على مساحات واسعة من القطاع.
ومن المقرر نشر جنود القوة الدولية فور وصولهم إلى القطاع، وذلك بعد حل الإشكالية المتعلقة بتشكيلها، ووفقاً للجدول الزمني الذي وضعته الولايات المتحدة ضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام المكونة من عشرين بنداً، حيث يُعتبر مشروع قوة الاستقرار الدولية عنصراً أساسياً في مرحلتها الثانية التي تعثر الانتقال إليها.
وتربط واشنطن وجود القوة الدولية بضرورة نزع سلاح حركة حماس في القطاع، المتوقع الانتهاء منه بحلول نهاية شهر نيسان (إبريل) المقبل وفقاً للخطة.
ويأتي هذا الربط ضمن المباحثات الجارية حول مستقبل غزة في مرحلة ما بعد الحرب، والتي تشمل أيضاً إقامة سلطة انتقالية في القطاع.
ويُعد هذا الارتباط أحد أبرز المعضلات التي تواجه الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة، إذ تصر حكومة الاحتلال على أن تتولى قوة الاستقرار الدولية مهمة نزع سلاح حماس بشكل كامل، وإلا فإنها ستتولى هي المهمة، مما قد يضع مصير التهدئة في قطاع غزة على المحك.
ترى حركة حماس أن مهام القوات الدولية التي يُعتزم إرسالها إلى غزة يجب أن تشمل الفصل بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال، مؤكدة أن استمرار الاحتلال في الخروقات قد يقوّض اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع.
وتعطّل الحكومة المتطرفة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة بذريعة الضغوط الأميركية المزعومة، وفقًا لوسائل إعلام الاحتلال، بينما تواصل انتهاك الاتفاق واستهداف الفلسطينيين منذ سريانه، وهو ما لا يتم إلا بموافقة واشنطن.
وعلى الرغم مما ادعته صحيفة يديعوت أحرونوت عن الضغط الأميركي، تصر حكومة الاحتلال على عدم التقدم في مراحل خطة الرئيس ترامب إلا بعد استعادة رفات أسراها الاثنين المتبقيين في القطاع كشرط للمضي قدمًا. وتواصل حكومة الاحتلال الضغط على حماس لتحديد مكان الأسيرين القتيلين، لكنها ترفض في المقابل فتح معبر رفح، وزيادة إدخال المساعدات الإنسانية، أو مناقشة استمرار الانسحابات من الخط الأصفر.
وترهن حكومة بنيامين نتنياهو إعادة جميع أسراها القتلى بتحقيق تقدم في المواضيع الأخرى ضمن خطة الرئيس ترامب»، بما في ذلك إعادة إعمار القطاع، وذلك بعد أكثر من عامين على حرب الإبادة، مما يؤدي إلى جمود شامل في مختلف القضايا.
وتتخذ حكومة الاحتلال من قضية مقاتلي حماس في أنفاق رفح ذريعة أخرى لعرقلة التقدم والانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة، حيث تزعم، حسب وسائل إعلام الاحتلال، أنها كانت مستعدة للسماح لهم بالتوجه إلى دولة ثالثة دون التعرض لأذى، لكنها تدعي أنه لم يتم العثور على دولة توافق على استقبالهم.
في غضون ذلك، يواصل جيش الاحتلال محاصرة مقاتلي حركة حماس واستهدافهم في رفح.
وأشارت القناة 12 الإسرائيلية إلى مقترح قدمته الحكومة المتطرفة للحركة عبر الوسطاء، يقضي بخروج جميع المقاتلين الأحياء الموجودين في الأنفاق شرق رفح مقابل استسلامهم واعتقالهم لدى الاحتلال، مع إمكانية الإفراج عنهم لاحقًا وعودتهم إلى قطاع غزة بشرط التخلي عن أسلحتهم ووقف نشاطات المقاومة.
وذكرت وسائل إعلام عبرية أن الاحتلال ألقى القبض على بعض المقاومين في الأنفاق، ونشرت صورًا تُظهر تفتيش بعضهم بعد خروجهم.
لم تذكر تلك الوسائل أن الاعتقالات تمت بموجب جهود الوسطاء في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. لكن حركة حماس علقت بالقول إن الجريمة الوحشية التي يرتكبها الاحتلال عبر ملاحقة وتصفية واعتقال المجاهدين المحاصرين في أنفاق مدينة رفح تُعد خرقًا فاضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة ودليلًا دامغًا على المحاولات المستمرة لتقويض هذا الاتفاق وتدميره.
وأضافت الحركة في بيان أنها بذلت طوال الشهر الماضي جهودًا كبيرة مع مختلف القيادات السياسية والوسطاء لحل مشكلة المقاتلين وعودتهم إلى بيوتهم، وقدّمت أفكارًا وآليات محددة لمعالجة هذه المشكلة.
إلى ذلك، تزداد الخلافات في أوساط القيادة السياسية والعسكرية داخل الكيان المحتل بشأن الانتقال إلى المرحلة الثانية من العملية العسكرية من عدمه، في حال استنتجت الحكومة المتطرفة عدم إمكانية تحديد مكان جُثمانين مفقودين.
وقد نوقش الأمر في اجتماع لما يُسمى المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابنيت)، وسط احتمال بعدم إمكانية إيقاف التقدم في الخطة الأميركية بشأن غزة.
على الرغم من الخروقات اليومية التي يرتكبها الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار، وارتكابه للمجازر الدموية في قطاع غزة، تصر الحكومة المتطرفة على أن حركة حماس هي التي تخرق التزامها بالاتفاق الذي قاده الرئيس ترامب.
ونتاجاً للعدوان الإسرائيلي المتواصل، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة عن ارتفاع حصيلة الشهداء في القطاع إلى 69,799، معظمهم من الأطفال والنساء، وارتفاع عدد الإصابات إلى 170,972 منذ بدء حرب الإبادة الصهيونية في السابع من أكتوبر 2023. وأوضحت 'الصحة الفلسطينية'، في تصريح لها أمس، أن عدداً من الضحايا ما يزالون تحت الأنقاض، وأن طواقم الإسعاف والإنقاذ لا تستطيع الوصول إليهم، مشيرة إلى وصول 14 شهيداً فلسطينياً إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ 24 ساعة الماضية.
في المقابل، بلغت حصيلة الشهداء والجرحى منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 11 أكتوبر الماضي 352 شهيداً و896 مصاباً، فيما جرى انتشال 605 جثامين حتى الآن.