المدن -
في متابعة دقيقة لمواقف المسؤولين الاسرائيليين وأهداف عدوانهم على سوريا يمكن تسجيل الآتي:
- "أمهلنا الجيش السوري بضعة أسابيع لسحب قواته وأسلحته من درعا. نتمسك بنزع السلاح في الجنوب السوري بما فيه درعا".
- ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي: "علينا القضاء على رأس الأفعى (الشرع). من كان جهادياً يبقى جهادياً. الحل الوحيد تصفيته".
- عميحاي شيكلي وزير الشتات: "يجب اغتيال الشرع. إرهابي. وقاتل وحشي". والشرع هو اليوم رئيس دولة معترف به دولياً وترامب يقول عنه: "رجل قوي وتاريخه قوي"! وإسرائيل تريد قتله، متجاوزة كل الحدود والاعتبارات وأميركا، في محاولة فرض إرادتها ومشروعها .
- يسرائيل كاتس وزير الدفاع : "على النظام السوري أن يترك الدروز وشأنهم ويسحب قواته. إسرائيل لن تتخلى عن الدروز في سوريا. سنطبّق سياسة نزع السلاح في الجنوب ونواصل مهاجمة قوات النظام حتى انسحابها من السويداء، سنصعّد ردّنا على النظام إذا لم يفهم الرسالة ".
- رئيس أركان الجيش: "... لن نسمح أن يصبح جنوب سوريا معقلاً للارهاب ولن نعتمد على أحد. سنحمي السكان على الحدود".
- رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو: "لن نسمح بوضع في سوريا ينشأ فيه لبنان ثان، وملتزمون بحماية السكان الدروز، ونعمل في دمشق ولدينا التزام بالحفاظ على جنوب غرب سوريا منطقة منزوعة السلاح على حدودنا. آمل ألا نضطر إلى تنفيذ عمليات أخرى فيها. الأمر يعتمد إلى حد كبير على أفعال دمشق. السويداء والقنيطرة لنا. وستكون تحت سيطرتنا ".
- إيدي كوهين وزير الطاقة: " الشيخ حكمت الهجري فقط يمثل الدروز في سوريا ونحن والدروز لا نعترف إلا به".
- يائير غولان رئيس حزب الديموقراطيين الاسرائيليين: "إخواننا الدروز في سوريا في خطر. وعلينا حمايتهم. فهذه مهمة أمنية وطنية وأخلاقية بالغة الأهمية. مع ذلك، على الحكومة الاسرائيلية اتباع سياسة منهجية. علينا تعزيز العلاقات مع سكان المنطقة الحدودية ودعم الأكراد، والعمل على الحد من النفوذ التركي القطري في المنطقة السورية ".
هذه عينات من التصريحات تثبت أن الأهداف الحقيقية لا علاقة لها بزعم حماية الدروز. المطلوب تكريس احتلال الجولان واعتباره منطقة إسرائيلية، والتوسّع في الجنوب وإقامة منطقة أمنية، تليها مناطق أمنية على الحدود المصرية والأردنية (وهناك احتلال دائم مع الوقت لغزة والضفة) وجنوب لبنان، ومواجهة تركيا والحد من نفوذها، بعد ضرب إيران وطردها من سوريا. فتبقى إسرائيل الدولة المتحكّمة المتفردة بالقرار السيدة المتفوّقة في المنطقة. وكل هذا يجري في ظل اعتراف اميركي بالشرع، ورفع عقوبات عن سوريا، وإعطائها فرصة، وانفتاح عربي، وتسابق بين عدد من الدول العربية "الإبراهيمية" المتفاهمة مع إسرائيل لتوفير حضور دائم وتقديم دعم للنظام الجديد. لكن دولة الاحتلال لا تقيم اعتباراً لذلك بل تعتبره من باب تحصيل الحاصل، ولا خيار أمام العرب غير التوجّه نحوها والاعتراف بدورها ونفوذها وقوتها وتفوقّها. وتحاول التذرّع بحماية السكان في المناطق الحدودية، في استباحة تامة تضاف إلى سجل استباحاتها لكل الأعراف والقوانين والقرارات الدولية. وقبل أن نتحدث عن الوقائع والحقائق والميدان ثمة سؤال: هل تقبل إسرائيل أن تتدخل أي دولة عربية مجاورة لها لحماية السكان على الحدود، وهم عرب أقحاح؟ بالمطلق لا. هي كبّلت كل الدول، وتمارس عليهم كل الضغوط وتستبيح كل فلسطين، وتفعل ما تفعل بالشعب الفلسطيني، مهدّدة أمن الأردن ومصر ومصالحهما .
في الوقائع :
عندما وصل أحمد الشرع إلى دمشق لم يكن ثمة اشتباكات في السويداء، فلماذا سارعت إسرائيل إلى قصف مقرات ومواقع ومخازن ومستودعات وآليات ومطارات الجيش السوري؟ هل كان ذلك لحماية الدروز؟ خلال اشتباكات الأيام الماضية، هل كان قصف قاعدة عسكرية في اللاذقية لحماية الدروز؟ وهل قصف رئاسة الأركان السورية ومواقع أخرى في العمق السوري هو للغاية ذاتها؟ المطلوب تفكيك سوريا. إضعافها. "تحريرها" من كل عناصر القوة، وإثارة الفتن فيها، وتعميم الفوضى. ومرة جديدة لن يقف هذا الأمر عند حدودها، بل سيمتد إلى كل الدول العربية، إذا لم تكن قراءة استراتيجية لأبعاد هذا المشروع وتعامل جدّي معه يتجاوز الحسابات المذهبية والتنافس على أدوار لا قيمة لها، طالما تحدّدها إسرائيل بطريقة تصرّفها وتفرّدها! فلا يفرحنّ أحد بـ"حماية إسرائيل".
في هذا السياق متى جاء تحرّك نتانياهو؟ ألم نر ونسمع أصواتاً داخل إسرائيل ومن البيئة الدرزية تتهم الحكومة الاسرائيلية بالتخلي عن الدروز؟ ألم يذهب الشيخ موفق طريف لـ"يطرح" الصوت عالياً وعلناً منتقداً التلكؤ الاسرائيلي في التدخل؟ نتانياهو تدخل أثناء انعقاد جلسة محاكمته. فعلها مرة جديدة ومارس حرفته التقليدية التي اعتمدها منذ أشهر. خلال جلسة المحاكمة دخل مسؤول أمني وسلّمه ورقة. فاعتذر عن إكمال الجلسة، لأن ثمة حدثاً أمنياً مهماً، تماماً كما كان يفعل في لبنان وغزة. ومسألة محاكمته ليست مسألة تفصيلية، بل دخل على خطها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مباشرة، رافضاً سلوك القضاء في هذا الاتجاه، داعياً إلى تمجيد وتكريم "البطل" نتانياهو، الذي يريد في الوقت ذاته حماية حكومته وضمان استمرارها. وهو الأمر الذي يسانده فيه ترامب بقوة أيضاً. يفترض هنا أن يكون "العقلاء" قد تعلموا مما جرى ويجري في غزة والضفة، وكيف يستخدم الدم الفلسطيني لتحقيق هذين الهدفين الأساسيين لدى نتانياهو. أما إسرائيل عموماً، فقد خبرناها في لبنان. وخبرها أخصامنا في مرحلة معينة عندما كانوا يراهنون عليها وتخلّت عنهم. وعندما كانت تدخل على خطوط الحروب بين اللبنانيين، وتدير بعضها وتمارس ضغطها على الدولة، ولم تتغير سياساتها وأساليبها لأن أهدافها ثابتة .
ماذا عن وليد جنبلاط وبعض الحملات عليه؟
لا شك أن ما جرى في السويداء كان مؤلماً. المشهد غير مقبول. مرفوض. مدان بكل أشكال الإدانة. الدولة السورية مسؤولة عن فرض سلطتها وحماية أبنائها، كل أبنائها. ويجب أن يحصر السلاح في يدها. وهذا ما ننادي به في لبنان. وبالتالي لا يمكن تبرير ما جرى أو السكوت عن المتسببين والمرتكبين لأي جهة انتموا. الجرح كبير جداً ويجب المبادرة سريعاً إلى معالجة أسبابه، وإلا سنكون أمام حالة من التفلّت والفوضى لا تحمد عقباها. جبل العرب منه انطلقت ثورة تحرير سوريا من الاستعمار بقيادة سلطان باشا الأطرش وكوكبة من الرجال الوطنيين من مختلف الأطياف. لم يقبل السلطان مركزاً أو سلطة أو مكافأة. هذا الجبل يجب أن ينصف ويعطى حقه بكل مناطقه وأبنائه، بعد أن ظلمه النظام السابق. النظام الحالي مسؤول عن ذلك ويجب أن يبقى الجبل عربياً وجزءاً لا يتجزأ من سوريا الموحدة العربية. هذه هي رسالة وليد جنبلاط، الذي ومنذ اندلاع الأحداث عام 2011 ضد نظام الأسد وهو يتوجّه إلى أبناء الطائفة الدرزية الكريمة في السويداء بالدعوة إلى المحافظة على أمتن علاقات الجوار والتعاون مع إخوانهم السنة والبدو، كما مع الآخرين، بعد سقوط النظام. إذاً، ما قام به اليوم ليس أمراً جديداً وليس تدخلاً في شؤون الآخرين بعدما وصلت اليه الأمور وباتت تنذر بانعكاسات سلبية خطيرة على لبنان. لذلك ذكّر بأنه عندما استهدف الرئيس السوري السابق أديب الشيشكلي الجبل غادر سلطان باشا الأطرش مقرّه، تفادياً لمذبحة وللوقوع في فخ الاقتتال السوري السوري. وهو الرجل الموحّد بمعنى انتمائه الدرزي وانتمائه العربي الوطني الحريص على سوريا ووحدتها وعلى تاريخ الدروز .
وينبغي التذكير هنا بأن الشهيد كمال جنبلاط رفض بقوة مشروع إقامة دولة درزية في لبنان أو في سوريا في مرحلة من المراحل، حرصاً على الانتماء ذاته والتاريخ ذاته والوحدة الجامعة في الإطار العربي والإسلامي المنفتح. وفي لبنان هو أول من رعى مصالح وحقوق العشائر العربية من عكار إلى البقاع وضواحي بيروت والجبل والجنوب، ولا يزال هؤلاء يتردّدون إلى المختارة دائماً كلما شعروا بحاجة ما. وليد جنبلاط بعد اغتيال المعلم ذهب إلى من قتله، لأن الخيارات كانت أمامه وأمام أمانة حفظ الطائفة في إطار موقعها الوطني العربي وتكريس وحدتها: اسرائيل. البحر. سوريا. أكد: لا لإسرائيل. لا للتضحية بالدروز والحزب والمختارة. نعم لسوريا أياً تكن المشاعر والصعاب. وهذا ما جرى. واستمر في رعاية مصالح وحقوق العشائر العربية والحرص على أمنها واستقرارها وكرامتها كجزء لا يتجزأ من النسيج الوطني اللبناني. ثم خاض حرباً فرضت عليه. وكان للإسرائيلي دور كبير فيها. كانت قاسية. مؤلمة. مكلفة. ثقيلة. وكان يتحيّن الفرصة لعقد مصالحة تاريخية مع المسيحيين. وها هي الأمور تعود إلى طبيعتها. من هذا الموقع رفض الانتهاكات التي استهدفت أبناء السويداء الدروز، وعندما تكشفت ردود فعل مؤلمة أيضاً تجاه البدو أدرك مخاطرها ودعا إلى وقف النار كمدخل إلى الحل. وقف النار. فك الحصار. تشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة كل المرتكبين. ثم مصالحة. وتأكيد مجدداً على العلاقة مع الأخوة البدو. وحصر السلاح بيد الدولة. وكانت له اتصالات مع كل الدول العربية وغير العربية الراعية والمؤكدة هذا التوجّه. وعندما صدرت دعوات لهذه الدول من كثيرين من أبناء الطائفة في لبنان وخارجه، جاءت المواقف لتؤكد ما ذهب إليه: دعم الشرعية والدولة وضبط الأمور. فماذا يقول هؤلاء؟ وما هي الخيارات الأخرى؟
مرة جديدة في المحطات المفصلية نحن بحاجة إلى رجال رجال. لا عواطف في المواقف. وأمانة حفظ المصير لا تكون بردود فعل فورية أو مواقف قصيرة النظر تحكمها الأحقاد والحسابات الضيقة. لعبة الأمم أكبر من الجميع، وقد تطيح بكيانات وحدود ودول وأنظمة وطوائف ومذاهب. وإسرائيل لا تحمي أحداًَ. تتمرّد وتتنمّر على أميركا ولا تقيم اعتباراً لأحد في المنطقة. حتى عندما ترفع شعار الحماية، فهي تسعى إلى الابتزاز والاستخدام ليس إلا. من هنا، الصبر، الحكمة، التعقّل، التبصّر، هي العناصر التي يستند إليها في المقاربات لتجنّّب الوقوع في الأفخاخ أو الانزلاق نحو خيارات مدمرة. لا انحراف في الثوابت عند تحديد الخيارات واتخاذ القرارات. ولا انجراف بالانفعالات في الممارسات. لكل شيء نهاية، فلنذهب إلى أقصر الطرق باعتماد الحل السياسي