الراي
أعلن الكرسي الرسولي بأن البابا لاون الرابع عشر، المُنتخب في الثامن من أيّار الماضي، سيبدأ أولى رحلاته الرسولية بمحطّتين بالغتي الأهمية على الصعيدين الكنسي والجيوسياسي: تركيا ولبنان، وذلك بعد تلقيه دعوتين رسميتين من السلطات المدنية والسلطات الدينية في كلا البلدين. ففي السابع والعشرين من تشرين الثاني المقبل، ستحطّ طائرته في مطار إسطنبول، لتكون أول رحلة له خارج إيطاليا منذ انتخابه حبرًا أعظم.
لماذا تركيا؟ تكتسب تركيا اليوم حضورًا قويًا على الساحتين السياسية والاقتصادية الدوليتين، غير أنّ اختيارها من قبل البابا يحمل بعدًا رمزيًا وروحيًا عميقًا، إذ يأتي استكمالاً لحلم ومخطط البابا فرنسيس الذي زار تركيا عام 2014، وكان ينوي لاحقًا إحياء ذكرى مرور 1700 سنة على انعقاد مجمع نيقية، أول مجمع مسكوني في تاريخ الكنيسة، الذي جمع ما بين 250 إلى 318 أسقفًا بدعوة من الإمبراطور قسطنطين عام 325 ميلادية.وقد كان لهذا المجمع دور محوري في توحيد الإيمان المسيحي الناشئآنذاك، إذ شهد صياغةقانون "الإيمان النيقي" الذي يحمل الى اليوم اسم المدينة التي احتضنته. بالتالي، فإنّ وجود البابا شخصيًّا في هذه المناسبة التاريخية يؤكد مواصلته السعي نحو الوحدة المسيحية بين مختلف الكنائس والمؤسسات والتقاليد الكنسيّة.
كما تشكّل "رحلة حج البابا إلى إزنيق" (المدينة القديمة لنيقية) دعمًا للحضور المسيحي المتناقص في تركيا، ولتعميق الحوار المسكوني، ولا سيّما مع الكنيسة الأرثوذكسية، حيث سيحتفل البابا إلى جانب البطريرك المسكوني وممثلين عن كنائس متعدّدة بعيد القديس أندراوس (30 تشرين الثاني)، وهو الأب الروحي للكنيسة البيزنطية، فيما يُعتبر شقيقه القديس بطرس رأس الكنيسة الكاثوليكية، حيث يُلّقب كل بابا بـ"خليفة القديس بطرس".
ولا شكّفي أنّ الزيارة ستشكّل أيضًا دعمًا للحوار الإسلامي - المسيحي في تركيا وفي العالم أجمع، وقد يتضمّن البرنامج زيارة إلى الجامع الأزرق كما فعل أسلافه يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر وفرنسيس.
ولماذا لبنان ؟ أما المحطة الثانية في الرحلة فستكون زيارة دولة إلى لبنان الشقيق، البلد الذي أنهكته الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وهي زيارة طال انتظارها، وكانت أيضًا حلمًا لم يتحقّق للبابا فرنسيس بسبب الظروف المعقّدة التي مرّ بها بلد الأرز العزيز.
يعدّ لبنان عصبًا أساسيًا للمسيحية في الشرق،وزيارة البابا إليه ستكون، كما قال في تصريحاتصحفية:"فرصة جديدة لإعلان رسالة السلام والرجاء في الشرق الأوسط، في بلدٍ تألّم كثيرًا". ففي عام 1997،زار البابا يوحنا بولس الثاني لبنان ووقّع الإرشاد الرسولي الخاص به، واصفًاإيّاه بأنه "أكثر من بلد، إنه رسالة". أما البابا بندكتسالسادس عشر فزار لبنان عام 2012ووقّع الإرشاد الرسولي الخاص بالكنيسة في الشرق الأوسط.
ومن هذا المنطلق، ستكون لبنان أولى محطّات البابا لاون في الشرق، لتعزيز الحضور المسيحي، وتنمية الحوار بين الكنائس، وتوطيد الحوار بين المسيحيين والمسلمين، وبين مختلف الحضارات. وستكون بلا شك أول لقاء مع بطاركة الشرق في بلد عربي.وكما كتب الاعلامي اللبناني ريكاردو كرم: "لنفتح قلوبنا لاستقبال هذه الزيارة المباركة، لعلّها تُعيد إلى أرواحنا ما فقدناه من ثقة ورجاء، وتُضيء دربنا نحو مستقبل يليقبلبنان الذي نحبّ".
وختاما ، نسأل الله القدير أن تستقر الأوضاع في غزة وفلسطين لتكون المحطة المقبلة من رحلات البابا الرسوليّة، حيث زار البلاد المقدسة الى اليوم أربعة بابوات، وكانوا طبعا يبدأون زياراتهم من الأردن العزيز .