الراي
في الوقت الذي تشتعل فيه الحرب بين إسرائيل وإيران وتتسع رقعتها من سوريا ولبنان إلى العراق والخليج، تحافظ السياسة الخارجية الأردنية على اتزان لافت، يجنّب المملكة الانزلاق إلى أتون المواجهة، دون أن يتخلى عن مبادئه، وعلى رأسها الدفاع عن القضية الفلسطينية، ورفض التورط في محاور إقليمية مدمّرة.
بينما تشتعل جبهات القتال في الإقليم، وتتصاعد الحرب الإسرائيلية - الإيرانية إلى مستويات غير مسبوقة من التصعيد، يبرز الأردن كصوت عاقل في بحر من التهور السياسي والعسكري. ليس لأن المملكة تملك قدرات ردع خارقة، بل لأنها تقود سياستها الخارجية بعقل ثاقب ومتزن، ورؤية ملكية متماسكة، تجعل من الاعتدال موقفًا استراتيجيًا لا ضعفًا، ومن الحياد الفاعل ضمانة للأمن الوطني والقومي.الاردن نجح، حتى اللحظة، في عبور حقول الألغام السياسة الإقليمية، دون أن يحترق، ودون أن يتنازل عن ثوابته، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، واستقلال ال?رار، ورفض التدخلات الخارجية، خاصة في ظل حرب مدمّرة تمزّق خرائط النفوذ في الشرق الأوسط.
الأردن.. الحياد الفاعل لا الصمت السلبي
منذ اندلاع المواجهة بين طهران وتل أبيب، وتحوّلها من حرب ظل إلى صراع مفتوح، وجد الأردن نفسه على تماس مباشر مع تداعيات الحرب، خاصة مع تزايد النشاطات العسكرية لفصائل موالية لإيران في جنوب سوريا، ومحاولات اختراق أمنه عبر الحدود الشرقية والشمالية.لكن عمّان اختارت طريقًا جوهره لا انخراط في الحروب، ولا حياد متواطئ. فقد عززت من جاهزيتها الدفاعية، ونفذت عمليات استباقية ضد محاولات التسلل والتهريب، دون أن تنجر إلى اصطفاف معلن،في الوقت ذاته، تواصل الأردن دبلوماسيًا مع واشنطن، وموسكو، والخليج العربي، لإيصال رسالة واضحة?بأن أمن الأردن خط أحمر، ولن يسمح بأن يكون ساحة لأي تصفية حسابات إقليمية.
الرؤية الملكية: فلسطين أولًا رغم صخب الحرب
رغم تصاعد الضجيج الإقليمي، ظل الموقف الأردني ثابتًا من القضية الفلسطينية. لم تتراجع المملكة عن دعمها لحل الدولتين، ورفض التهجير القسري، أو تصفية غزة تحت غطاء الحرب الكبرى. فقد أكّد الملك عبد الله الثاني في أكثر من موقف أن القدس والمقدسات خط سيادي، والعدالة للفلسطينيين أساس لأي استقرار إقليمي،هذه المبادئ لم تكن مجرد شعارات، بل أصبحت منهجًا حاكمًا للسياسة الخارجية في التعامل مع كل أزمات المنطقة، من سوريا إلى العراق، ومن الخليج إلى فلسطين
السياسة الخارجية الأردنية.. ثوابت في زمن الاضطراب
منذ سنوات، رسم الملك عبد الله الثاني ملامح ثابتة لسلوك الأردن الخارجي حيث اصبح واضحا وبالتجربة ان السياسة الخارجية الأردنية لا تُدار من ردات فعل، بل تستند إلى مجموعة ثوابت واضحة تعمل بشكل فاعل في اطار الثوابت الملكية التي تحكم السياسة الخارجية الأردنية، يمكن اختصارها في النقاط التالية:
- رفض الاستقطاب الإقليمي والانخراط في محاور تقسم العرب وتستنزفهم.
- التمسك بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمن القومي الأردني، ورفض تصفيتها بأي صيغة.
- الانفتاح المتوازن على كافة الأطراف الدولية دون الارتهان لمحور على حساب آخر.
- الحفاظ على أمن الأردن واستقراره أولًا، مع دعم الاستقرار الإقليمي ثانيًا.
-الحياد الإيجابي والابتعاد عن سياسة المحاور.
-أولوية القضية الفلسطينية في كل المحافل.
-توازن العلاقات الدولية دون ارتهان.
-حماية الأمن الوطني قبل كل اعتبار.
التحدي القادم: البقاء على الحافة دون السقوط
اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران مثّل نقطة تحول خطيرة في المشهد الإقليمي. فبعد عقود من الحرب بالوكالة، تحولت الضربات إلى مواجهات مباشرة، ربما ستشمل دول اخرى، وفي ظل هذا التصعيد، باتت حدود الأردن الشمالية والشرقية في تماس مباشر مع الخطر،والأردن اليوم في اختبار آخر صعب. فالحرب الإسرائيلية – الإيرانية ليست بعيدة، وضغوط الحلفاء تتزايد، والشارع العربي مشحون بالغضب والانقسام. لكن التمسك بالعقل والاتزان هو ما حافظ على استقرار المملكة وسط محيط مشتعل وربما يكون الدرس الأبرز في هذه اللحظة أن الدبلوماسية الذكية لا تُق?س بالصوت العالي، بل بالقدرة على العبور بأقل الخسائر دون التخلي عن المبادئ.
الأردن بين النيران الإسرائيلية – الإيرانية
ويتركزالتعامل الأردني في الاتي:
• رفض الانخراط في أي محور عسكري أو سياسي، مع تأكيده على أن أمنه الوطني «خط أحمر».
• تعزيز الجاهزية الدفاعية على الحدود مع سوريا والعراق، وتكثيف التنسيق الأمني مع الحلفاء.
• إرسال رسائل دبلوماسية حازمة لإيران وإسرائيل معًا: لا نقبل أن يكون الأردن ساحة عبور أو تهديد.
• دعم جهود التهدئة في السرّ، مع المحافظة على خطاب علني متزن لا يصب الزيت على النار.
الحكمة في زمن الجنون
بينما تتهاوى بعض العواصم في وحل الاصطفافات القاتلة، ويبحث البعض عن أدوار نارية في مسرح الخراب، اختار الأردن أن يقف على ضفة العقل، واضعًا مصلحة شعبه وأمنه أولًا، دون أن يساوم على مبادئه.إن السياسة الخارجية الأردنية ليست سياسة (الاختباء)، بل هي سياسة توازنات دقيقة، تحمي الأمن دون الانزلاق، وتبني الجسور دون الارتهان، وتبقى وفية لقضية العرب المركزية دون المتاجرة بها.وفي زمن يشتعل فيه الشرق الأوسط من أطرافه، يبدو أن الرؤية الملكية الأردنية باتت أكثر أهمية من أي وقت مضى، ليس فقط للأردنيين، بل لكل من يريد طريقًا ?الثًا بين الاستسلام والمغامرة.