عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Jun-2025

تغيير النظام الإيراني*إسماعيل الشريف

 الدستور

هناك ميلٌ قوي في الولايات المتحدة للاصطفاف خلف الراية وجنودهم، بغض النظر عن مدى خطأ الحرب - جورج مكغوفرن، سيناتور أميركي.
لا يثق الشعب الإيراني بالولايات المتحدة مطلقًا؛ إذ لم ينسَ تدخلها السافر في شؤون بلاده، حين وقفت وراء الانقلاب على أول رئيس وزراء منتخب، محمد مصدق، عام 1953، في عملية نفذتها أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية معًا، وانتهت بإعادة تنصيب حكم الشاه الديكتاتوري. وقد خلّف هذا الحدث جرحًا عميقًا في الوعي السياسي الإيراني، لا يزال صداه يتردد حتى يومنا هذا.
ولهذا السبب تحديدًا، أجد نفسي على خلاف مع كثير من المحللين السياسيين البارعين حين يتحدثون عن قرب سقوط النظام في إيران، ذلك الهدف الذي لطالما نادى به نتن ياهو، واعتبره إحدى الغايات المعلنة لحربه ضد إيران.
يرى بعض المحللين أن الحصار الطويل والمضني المفروض على إيران قد أضعف النظام وجعله هشًّا، وأن أي حملة عسكرية قد تُفضي إلى انهياره، كما حدث في العراق وسوريا. غير أن هذه المقارنة تفتقر إلى الدقة؛ فتغيير النظام في العراق تطلب تدخلًا عسكريًا واسع النطاق، شارك فيه 150 ألف جندي أميركي، إلى جانب عشرات الآلاف من جنود الدول الحليفة وهو سيناريو مستبعد تمامًا في حالة إيران. أما سوريا، فقد أنهكها الحصار لسنوات طويلة، وواجه نظامها تمردًا مسلحًا من عشرات التنظيمات المدعومة، إضافة إلى ممارساته الوحشية ضد شعبه، ما ولّد كراهية شعبية واسعة. وهذه العوامل، كلها مجتمعة، لا تنطبق على إيران حتى اليوم.
صحيح أن مظاهرات تندلع في إيران بين الحين والآخر، لكنها تتركز غالبًا حول قضايا اجتماعية. فبحسب استطلاع أجرته مؤسسة «جَمَات» عام 2022، عبّر 84% من المشاركين عن رفضهم للحجاب الإجباري، وفضّل 75% قيام دولة علمانية. ومع ذلك، أظهرت نتائج استطلاع آخر أجرته المؤسسة ذاتها أن 19% فقط يؤيدون تغيير النظام بالقوة. وعلى الرغم من هذا التباين، فإن غالبية الإيرانيين يبدون دعمًا لافتًا لسياسات بلادهم العسكرية؛ إذ تُظهر دراسات أخرى أن برنامج الصواريخ والنفوذ الإقليمي يحظيان بتأييد نحو 70% من السكان. وكما هو الحال في تركيا، فإن الدعم الشعبي للنظام الإيراني يتركز في الأقاليم، بينما تتجسد المعارضة غالبًا في أوساط النخب السياسية وسكان المدن الكبرى. ووفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة «غالوب»، يتمتع النظام الحاكم بشعبية تُقدّر بنحو 50% ، مع ملاحظة ان هذه الدراسات قامت بها مؤسسات أمريكية لا نعرف مدى دقتها.
وبرأيي، فإن دعوة نتن ياهو للإيرانيين إلى تغيير نظام الحكم لن تؤدي إلا إلى نتيجة عكسية، إذ ستدفع الشعب إلى الالتفاف حول قيادته، فيما يُعرف في علم النفس السياسي بـ»تأثير الالتفاف حول الراية»   حيث تميل الشعوب، عند تعرض دولها لتهديد خارجي، إلى التوحد خلف حكوماتها، حتى من قبل الفئات المعارضة. وقد تجلّى هذا بوضوح في إيران بعد اغتيال قاسم سليماني عام 2020، حين شهد النظام موجة دعم شعبي واسعة.
فضلًا عن ذلك، لا توجد معارضة إيرانية موحدة وقوية تحظى بقبول شعبي عريض. فالشخصية الأبرز في صفوف المعارضة هي رضا بهلوي، نجل آخر شاه لإيران، محمد رضا بهلوي، والمقيم في المنفى. غير أن كثيرًا من الإيرانيين ينظرون إليه بوصفه امتدادًا لحكم استبدادي بائد، ومدعومًا من قوى خارجية لا تحظى بثقتهم، فضلًا عن كونه منفصلًا عن الواقع الإيراني.
ومن مجمل ما سبق، أجدني أختلف تمامًا مع من يروّجون لفكرة أن الحملة العسكرية الصهيونية ستؤدي إلى إسقاط النظام في إيران؛ بل إن العكس هو المرجّح، فقد يخرج النظام من هذه الحرب أكثر قوة وتماسكًا من أي وقت مضى.