الجريدة -
لم تكن المشكلة في وسائل الإعلام، كصحافة أو تلفزيون، كناقل للخبر والحدث، فهذا هو الدور المنوط بها أصلاً، بل المشكلة فيمَنْ يقف وراء الخبر، أي «الراوي»، والمصدر الذي أدار المعركة الإعلامية في موازاة الحرب الجوية والصواريخ الباليستية.
الزميل زياد المجالي طرح السؤال التالي: مَنْ يملك الرواية الأقوى التي تُرغمك على تصديقها حتى لو خالفت رغباتك وتوجهاتك؟ بمعنى أوضح، مَنْ يقول «الحقيقة» التي حشدت لها «فيالق» من وسائل الإعلام والمطبلين ووسائل التواصل الاجتماعي؟
فمَنْ تابع قناتَي «العربية» و«سكاي نيوز» يرى إيران تنهار على حد وصف المجالي، وحين تفتح «الميادين» أو «الجديد» ترى إسرائيل تلفظ أنفاسها، وإذا ما توسَّعت وشاهدت قناةً مصرية، فستصلك جُملة واحدة «فتنة تُدار من الخارج».
واقع الأمر، هناك روايتان وسرديتان يتقاتلان عبر الهواء، تصطف خلفهما أطراف مؤيدة تنقل ما يُراد لها وما تسعى إليه.
في حرب الـ 12 يوماً كان العراب الأكبر، ومن دون منازع، هو الرئيس دونالد ترامب، أدارَ المعركة الإعلامية والعسكرية بإتقان، وقد رسم خريطة المواجهة بمستوى عالٍ من الأداء والخديعة.
بدا التنسيق والتناغم بين نتنياهو وترامب في أكثر من مشهد، وسط اجتهادات وتكهنات متباينة من المراقبين والمحللين.
في العمق المعركة الحقيقية كانت بين أميركا وإسرائيل من جهة، وبين إيران من جهة أخرى. هنا يكون الميزان الذي تحتكم إليه عادلاً في عملية التقصي وتقييم ما حصل.
ندخل في السرديات، ماذا أرادت الأطراف المتحاربة إيصاله إلى الرأي العام والجمهور الذي تستهدفه؟ نبدأ بالطرف الأول (إسرائيل وأميركا)، عمل على تصوير الخصم بما يتناسب وأهداف الحرب، المبالغة والرعب من وراء امتلاك إيران القنابل النووية، والتركيز على المفاعلات المدمرة والإشعاع النووي القاتل، وأن هذه الأسلحة بيد نظام دكتاتوري مؤدلج لا أمان منه، وعليه يتم شحن الماكينة الإعلامية، وتوظيف كل الوسائل المتاحة لإيصال هذه السردية، وعند ذلك يسهل على المتابع معرفة مَنْ هو صاحب المصلحة وراء ذلك، لأن «الناقل» هنا يؤدي وظيفته الأساسية كوسيلة إعلامية.
الطرف الثاني، وهو إيران، لم تدَّخر جهداً بتحشيد الإعلام والمنصات الاجتماعية والمطبلين بالوقوف وراء السردية التي أرادت لها أن تسود بحقها، الدفاع عن النفس ضد الاعتداء الإسرائيلي على سيادتها وحقها بامتلاك النووي لأغراض سلمية في خطاب مغلَّف بشعارات بالية وسقطات مكشوفة، كان منها، على سبيل المثال، إسقاط طائرتين من نوع F-35، وأسر قائدة الطائرة. ولم يتبيَّن حقيقة الرواية، ومدى كذبها من صحتها حتى اللحظة.
كانت وسائل الإعلام الإيرانية في مرمى النيران الإسرائيلية، باستهداف مقر التلفزيون، بهدف إسكاته، وترهيب جمهوره، وهذا لم يتحقق.
وفي الوقت الذي كانت الصواريخ تتساقط على مواقع استراتيجية وعسكرية فرضت الرقابة على الصحافيين من إيران وإسرائيل، وحددوا لهم ما هو مسموح بنشره، لذلك اشتعلت الروايات البديلة والمفبركة على الجانبين.
معركة موازية مساحتها الإعلام لم تقل شراسة عن حرب الصواريخ والطائرات، ليس فيها رابح وخاسر، بل مَنْ يملك الرواية الأكثر تأثيراً وإقناعاً، بعيداً عن الوسيلة الإعلامية التي نقلت الرواية، سواء كانت صحيفة، أم تلفزيوناً، أم وكالة أنباء، أم وسائل التواصل الاجتماعي.
بالنهاية الفوز سيبقى حليفاً للمتلاعبين بالعقول، وقُدرة أي طرف على فرض روايته على الرأي العام، وتحويل «الخسائر» إلى «انتصارات».