سورية.. تطبيع أم "تفاهم" مع الكيان الصهيوني!(2)*نادية سعدالدين
الغد
لا تكتفي خطة الرئيس “ترامب” الطموحة برسم معالم مُغايرة لغزة على أنقاض حرب الإبادة الصهيونية، بل تدفع باتجاه ربط سورية بترتيبات إقليمية ذات علاقة بالتطبيع مع الكيان المُحتل، وضمها إلى ما يُعرف “باتفاقيات أبراهام” للسلام كمطلب محوري للتعامل معها ورفع العقوبات عنها، حتى يكتمل مُضلع “الشرق الأوسط الجديد” بعد انخراط دول أخرى بالمنطقة إليه، على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة.
وقد تشي تصريحات الرئيس “أحمد الشرع” بعدم الممانعة؛ عندما يُبدي انفتاحه على فكرة التحاق سورية بركب “السلام الإقليمي” وقتما تسمح الظروف بذلك، شريطة “احترام السيادة السورية والانسحاب من مرتفعات الجولان وتوفر توافق داخلي وسياق عام”. ويدعم هذا التوجه فتح قنوات دبلوماسية ثنائية غير مباشرة بوساطة دولية، في أذربيجان وفرنسا، بدعوى تهدئة التوترات في الجنوب السوري ومنع الانزلاق نحو حرب مفتوحة.
ورغم ما يبدو على أنه خطاب سياسي جديد؛ إلا أن ردود “الشرع” تأتي دوماً فضفاضة ومشروطة، ربما للتملص من حراجة اللحظة بتأجيلها دون صدها تماماً، لحين تثبيت دعائم المرحلة الانتقالية، والاستفادة القصوى من فرصة الانفتاح الأميركي الذي تحتاجه سورية.
إلا أن احتمال إصرار الإدارة الأميركية على إبرام اتفاقية شاملة أو تدشين خطوات تطبيعية مع الاحتلال، قد يقلب المعادلة ويجعل “دمشق” أمام تحدي الموازنة بين المطلب والاعتبارات الوطنية، إزاء امتلاك واشنطن ورقة العقوبات الاقتصادية الضاغطة، وصعوبة بدء مرحلة الإعمار دون دعم قوى إقليمية ودولية قد ترى في التطبيع مؤشراً على تغيير سلوك النظام السوري الجديد ولموقعه في المنظومة الأمنية العربية، ولأنه قد يفرض تفاهمات أمنية تُخفف من التصعيد الصهيوني في جنوب سورية وتقطع على خططه في البلاد، بما قد يضيق هامش الخيارات أمامها.
غير أن مسار انضمام سورية “لاتفاقيات أبراهام” يصطدم بجملة تحديات وازنة؛ تتمثل في:
أولاً: تاريخ العداء الطويل نتيجة الانتهاكات العدوانية الصهيونية المستمرة ضد الأراضي السورية، واستمرار احتلال الجولان الذي ما تزال تطالب به سورية كجزء لا يتجزأ من أراضيها. كما تدرك دمشق أن التطبيع مع بقاء الاحتلال قد يفقدها شرعيتها الشعبية داخلياً وعربياً.
ثانياً: تعتبر القضية الفلسطينية مترسخة في الوجدان السوري والعربي، وسط دعم شعبي عارم لنصرة الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة، ورفض الاحتلال.
ثالثاً: غياب أرضية شعبية وثقافية مجتمعية داخل سورية ترحب بالتطبيع مع الاحتلال، خصوصاً بعد عقود من التعبئة السياسية والإعلامية ضده. كما أن الكثير من النخب الدينية والمدنية والعسكرية السورية ما تزال تعارض الفكرة.
رابعاً: إيلاء الحكومة السورية الأولوية لصد التهديد الصهيوني، بمطلب الانسحاب من المنطقة العازلة والالتزام باتفاق “فض الاشتباك”، تحت إشراف الأمم المتحدة.
خامساً: قد لايملك “الشرع” في المرحلة الانتقالية صلاحية عقد اتفاق سلام مع الكيان المُحتل، نظير صلاحياته المحدودة بصفته رئيساً غير منتخب، فضلاً عن ارتدادات الإقدام على تلك الخطوة شعبياً، ومخاوف فقدانه المصداقية والدعم الشعبي المنشود.
سادساً: تحدي موافقة الحكومة السورية على عقد اتفاق مع الحكومة المتطرفة لا يضمن انتشاراً للجيش السوري في جنوب سورية، لأنه سيؤدي إلى تداعي سيطرتها وضعف بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي السورية، ويفتح المجال أمام قوى محلية تسيطر على مناطق جغرافية للإبقاء عليها تحت إدارتها، مثل قوات “قسد”.
سابعاً: العامل الإيراني والروسي: فرغم محاولات تقليصه، ما تزال إيران تملك نفوذاً عسكرياً وأمنياً في أجزاء من سورية. أما روسيا، فلم تبد موقفاً واضحاً تجاه التطبيع السوري – الصهيوني، ما قد يجعلها عامل عرقلة أو مساومة.
ومع ذلك؛ فإن الإشكالية الأعمق تتمثل في قلب معادلة الصراع العربي – الصهيوني، وإفراغ المبادرة العربية للسلام من مضمونها، عند تقديم “التطبيع” على الحل النهائي الضامن للسلام العادل والشامل والدائم، وعند الاعتقاد خطأ بأن الكيان الصهيوني يؤمن به وقد يتبنى مساره، فهي أوهامٌ لا تستقيم مع ركائزه العنصرية الاستعمارية التوسعية.