الغد
طرح وزير الداخلية مازن الفراية فكرة إعادة النظر في العادات الاجتماعية المتجذرة، خصوصا في ظل الأعباء الاقتصادية التي تثقل كاهل الأسر والشباب، هي خطوة جريئة تحمل في طياتها تحديات وفرصا، إضافة الى انه يمكن اعتبار المبادرة محاولة مسؤولة وحكيمة لاستشراف الواقع وتخفيف الأعباء التي أصبحت تهدد استقرار المجتمع اقتصاديا ونفسيا.
فالعادات التي كانت تعبيرا عن الفرح والحزن تحولت إلى سجن مالي يعيق حياة الكثيرين، خصوصا فئة الشباب التي تواجه صعوبات متزايدة في تأمين متطلبات الحياة الأساسية.
أما من جهة أخرى، فقد يراه البعض تجاوزا أو محاولة للتدخل في خصوصيات مجتمعية وثقافية عميقة، وقد تقابل بمقاومة شعبية أو انقسام بين مؤيد ومعارض، فالعادات الاجتماعية ليست مجرد طقوس، بل هي جزء من الهوية والكرامة والاحترام المتبادل داخل المجتمع، لذلك نجاح المبادرة يتوقف على مدى قدرتها على إشراك المجتمع بكل فئاته، والحوار المفتوح بعيدا عن فرض القرارات أو الانتقادات السطحية.
أما بوجهة نظري، فإن ما طرحه الفراية ليس خطأً بحد ذاته، بل هو فتح باب ضروري لمناقشة منسية طالما كانت أعباؤها ثقيلة على المجتمع، لكن النتيجة تعتمد على كيفية تحويل هذا الطرح إلى حوار وطني فعال، يوازن بين احترام التقاليد ومتطلبات الحياة الحديثة.
فتكاليف العادات الاجتماعية في الأردن باتت عبئا يهدد استقرار الأسر ويثقل كاهل الشباب، الذين يواجهون صعوبات متزايدة في تأمين حياة كريمة، فمن الزواج إلى العزاء، تتحول هذه المناسبات إلى سباق مكلف على المظاهر، بعيدا عن جوهرها الحقيقي.
فالمبادرة لا تسعى إلى فرض تغييرات بالقوة، بل تدعو إلى حوار وطني شامل، يشارك فيه الجميع من وجهاء ومؤسسات وشباب، بهدف صياغة ميثاق شرف اجتماعي يعيد التوازن بين ما ألفناه وبين ما تتيح لنا ظروفنا الحالية، ومن أبرز مقترحاتها تقليص أيام بيوت العزاء، والحد من البذخ في الولائم وتخفيض المهور وتنظيم الجاهات العشائرية، ووضع حد لاستعراض «النفوذ السياسي» في مناسبات لا تتطلب ذلك.
وما يميز هذه المبادرة ارتباطها العميق بالقيم الدينية والأخلاقية، مستندة إلى نصوص نبوية تشجع على التيسير والتواضع، بعيدا عن المغالاة التي لا تنتمي إلى ديننا، فقد قال النبي ﷺ: «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة»، و»أقلهن مهورا أكثرهن بركة»، مؤكدا أن الأصل هو الاعتدال والتيسير لا الإسراف والتكلف.
اليوم، يبتعد كثير من الشباب عن الزواج ليس بسبب غياب الرغبة، بل خوفًا من أعباء مالية تفوق قدراتهم، فيما تتكدس ديون الأسر بسبب التزامها بعادات لا تلبي واقعهم، ورغم اتفاق الكثيرين سرا على أن هذه العادات أصبحت خانقة، يخشون انتقادها علنا خشية فقدان مكانتهم.
لهذا، نحن بحاجة إلى دور حكومي توجيهي يفتح المجال أمام المجتمع للعودة إلى بساطة قيمه، وتهيئة بيئة ثقافية تعيد صياغة التقاليد لتخدم الإنسان لا تعيقه.
في النهاية، تحمل هذه المبادرة رسالة واضحة وهي أن يكون الزواج بداية حياة، لا بداية دين وعبء، وأن يكون العزاء مناسبة للحزن والتعزية، لا مجالا للمظاهر التي تثقل الفقير أكثر، فإذا صدقت النوايا وتحرك المجتمع من داخله، ستكون هذه المبادرة نقطة تحول تعكس وعيا جماعيا بأن التقاليد تهذب ولا تفرض، وأن هويتنا الحقيقية تقاس بروح التكافل والعيش بصدق وكرامة.