عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Oct-2025

ما بعد الحرب.. حماس أمام أخطر تحدٍّ منذ تأسيسها*إسماعيل الشريف

 الدستور

لم نقاتل من أجل نقاط التفتيش، قاتلنا من أجل الكرامة- صاحب متجر في غزة.
 
سأطرح سؤالًا مبكرًا قد يبدو استفزازيًا: هل تستطيع حماس أن تصمد في زمن السلام كما صمدت في زمن الحرب؟
 
صحيح أن القتال قد توقّف، لكنه يخفي في أعماقه شعورًا بالتوتر والترقّب لما ستسفر عنه الأيام. ومما لا شك فيه أنّ هذا الهدوء المشوب بالقلق يحمل في طيّاته تهديدًا وجوديًا لحماس، وربما تكون حرب الإبادة بكل مآسيها أقلّ خطرًا مما ينتظرها بعد الحرب.
 
لقد صُمِّم وقف إطلاق النار هذه المرّة ليكون آليةً لتفكيك حماس. فما لم تستطع آلةُ الحرب تحقيقه، قد تنجزه بنودُ السلام؛ إذ تحدّد خطةُ ترامب ضربَ جوهرِ قوّة الحركة من ثلاث نواحٍ:
 
أولًا، السيطرة على المساعدات التي شكّلت تاريخيًا أحد أهم مصادر قوّة حماس، حيث ستتولّى هيئاتٌ دوليّةٌ توزيعَها.
 
وثانيًا، تفكيك سلاحها، ومن النقاط الأساسيّة في الخطة أن تُسلِّم حماسُ سلاحَها.
 
وثالثًا، التفاوض بالقوّة، أي إجبارُها على الجلوس إلى طاولةٍ مشتركةٍ مع أهمّ خصومها السياسيين: السلطة الفلسطينية.
 
إذن نحن أمام خطةٍ هادئة تهدف إلى إحداث انقسام داخلي في غزة، سواء داخل صفوف حماس أو بينها وبين قوى أخرى، كما وصفها أحد المحللين العتاة. وإذا طُبِّقت بنودها، فقد تؤدي إلى تفكيك حماس من الداخل وتضعها أمام خيارين أحلاهُما مُرّ: إما أن تضعف كثيرًا إذا رضخت، أو أن تعود آلة الحرب إذا لم تذعن.
 
قطعًا، فقد بدأ يظهر داخل أروقة حماس تيّاران متصارعان: الأول قادة إيديولوجيون مسلّحون، والثاني سياسيون براغماتيون وبيروقراطيون لا يرون مفراً من تطبيق خطة ترامب.
 
وإذا صمد وقف إطلاق النار، فستجد حماس نفسها أكثر عزلةً سياسيًا؛ أمّا حزب الله فهو منهك، يواجه بدوره تحدياته الداخلية والوجودية، وينطبق الأمر ذاته على إيران الجريحة التي تخوض معركتها الخاصة.
 
أمّا الكيان الصهيوني الخبيث، فقد زرع عملاء وميليشيات تهدف إلى إشاعة الفوضى وتقويض حكم حماس، وإشغالها بحروب داخلية. ومع ذلك، قد نجد الصهاينة يديرون الصراع الداخلي ويعيدون توجيه أهدافهم نحو إبقاء حماس قوية بالقدر الذي يمنع الفوضى الشاملة، دون أن تشكّل أي تهديد على الكيان، لأن فراغ الفوضى قد تملؤه قوى أشد خطرًا. إنّها عملية توازن دقيقة وصعبة تُبقي حماس على قيد القوة بالحدّ الأدنى اللازم لمنع الفوضى في القطاع، إلى أن تظهر جهة قادرة على فرض سيطرتها الكاملة عليه.
 
لذا، عندما تجتمع كلّ العناصر معًا: العزلة الدولية، والانقسام الداخلي، والاحتواء الاستراتيجي، ستدرك حماس حينها أنّها في موقف يفوق صعوبة المجزرة، وأنّ طبيعة الحرب والأعداء قد تغيّرت.
 
لم تعد الحرب الجديدة تتعلّق بالأرض أو بالصواريخ والعدو الواضح المألوف، بل بالشرعية والحكم والتاريخ والأيديولوجيا. وستُطرَح أسئلة جوهرية، أوّلها: من سيحكم غزة؟ هل هي حماس، أم السلطة الفلسطينية، أم الهيئات الدولية؟ فمَن يتحكّم بالموارد سيكون الحاكم المتوّج.
 
وثانيها: من الذي سيتحدث باسم الفلسطينيين؟ أهو التيار البراغماتي الذي يُوصَف بالتهاون ويسعى إلى إعادة إعمار غزة واستكمال الطريق، أم العسكريون الذين يملكون ما تبقّى من سلاح، أم السلطة الفلسطينية المهمّشة المعترف بها دوليًا والتي تحاول استعادة مكانتها؟
 
وأمّا ثالثها - وربما الأهم - فمن الذي سيكتب السردية؟
 
قطعًا، لن تختفي حماس، بل ستبقى؛ فطالما بقي الاحتلال ستبقى المقاومة. غير أنّ فترة السلام هذه ستجبر الحركة على الاصطدام بعقيدتها، وهذا امتحانٌ عسير. فهل ستستطيع الموازنة بين ماضيها المبني على المقاومة، أم ستقبل بتسويةٍ فوضويّةٍ صعبة؟ وهل تستطيع حركة وُلدت على مبدأ التحدي أن تتملّص منه؟
 
ذلك هو السؤال الحاسم المتعلّق بالهوية والبقاء؛ السؤال الذي سيحدّد إن كانت حماس قادرةً على العبور من نار الحرب إلى امتحان السلام دون أن تفقد روحها، في زمنٍ قادمٍ سيكون عنوانه الفوضى.