"الأسبرين" في الوقاية الأولية.. ما له وما عليه
الغد-الصيدلي إبراهيم علي أبورمان
الأسبرين من الأدوية القديمة التي ما تزال تستخدم بكثرة ، وما تزال الأبحاث منتشرة بكثرة عن فوائده سواء أكانت لأمراض القلب أو للصداع أو للوقاية من تخثرات الدم وحتى في علاج بعض أنواع السرطان، والآن في ظل وجود أدوية منافسة له في علاج التخثرات إلا أنه يبقى الدواء الأكثر انتشارا.
يعتبر الأسبرين منذ فترة طويلة حجر الأساس في علاج أمراض القلب والأوعية الدموية، لكنه أصبح موضوعا للنقاش الحاد عندما يتعلق الأمر باستخدامه في الوقاية الأولية. ووفقا لمراجعة جديدة نشرت في مجلة Journal of Clinical Medicine، توفر هذه الدراسة رؤية قيمة حول المخاطر والفوائد والتوصيات المتطورة بشأن هذا العلاج التقليدي.
سلاح ذو حدين
في حين أن فعالية الأسبرين في الوقاية الثانوية من أمراض القلب والأوعية الدموية (CVD) لا جدال فيها، فإن دوره في الوقاية الأولية ما يزال مثارا للجدل. التحدي الرئيسي يكمن في تحقيق التوازن بين فوائد الوقاية من النوبات القلبية والسكتات الدماغية مقابل المخاطر الحقيقية للنزيف. ووفقًا للمراجعة، فإن "هامش الأمان" لاستخدامه للمرضى الذين ليس لديهم تاريخ مرضي مرتبط بأمراض القلب والأوعية الدموية، يعتبر "ضئيلًا للغاية"، حيث غالبًا ما تتفوق مخاطر النزيف على الفوائد المحتملة.
وأظهرت التجارب السريرية العشوائية التاريخية مثل دراسة صحة الأطباء (Physicians’ Health Study)، وتجربة الوقاية من التخثر (Thrombosis Prevention Trial) وعودا مبكرة. لكن الدراسات الحديثة مثل ARRIVE وASPREE أظهرت عدم وجود انخفاض كبير في الأحداث القلبية الوعائية بين المرضى المعرضين لخطر معتدل، مع تسليط الضوء على زيادة كبيرة في مضاعفات النزيف، خاصة بين كبار السن.
من المستفيد؟
تحدد المراجعة مجموعات فرعية معينة قد تستفيد من استخدام الأسبرين في الوقاية الأولية:
- مرضى السكري: على الرغم من ارتفاع خطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية لديهم، أظهرت الدراسات مثل JPAD وASCEND فوائد محدودة فقط في هذه الفئة، وغالبًا ما تُعوض هذه الفوائد عن طريق زيادة مخاطر النزيف. يرتبط هذا الأمر بمقاومة محتملة للأسبرين بسبب تجدد الصفائح الدموية بشكل أسرع لدى مرضى السكري.
- الأفراد الذين يعانون من السمنة: السمنة مرتبطة بفرط نشاط الصفائح الدموية والالتهابات، مما قد يقلل من فعالية الأسبرين. تشير بعض الأدلة الى أن تقليل الفترات بين الجرعات (مثل الجرعات مرتين يوميًا) قد يحسن الفعالية، ولكن هناك حاجة إلى تجارب أوسع لتأكيد هذا النهج.
- النساء: ما تزال البيانات حول الفروق بين الجنسين غير حاسمة. على الرغم من أن دراسة صحة النساء (Women’s Health Study)، كانت أظهرت فوائد في تقليل خطر السكتة الدماغية، إلا أن الانخفاض الإجمالي في الأحداث القلبية الوعائية كان أقل وضوحًا مقارنةً بالرجال.
ماذا تقول الإرشادات الحديثة؟
تعكس الإرشادات الحالية حالة عدم اليقين المحيطة باستخدام الأسبرين في الوقاية الأولية.
توصي الكلية الأميركية لأمراض القلب (ACC) وجمعية القلب الأميركية (AHA) باستخدام الأسبرين بجرعات منخفضة (75–100 ملغ يوميًا) فقط، للبالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و70 عامًا، إذا كانوا معرضين لخطر مرتفع لأمراض القلب والأوعية الدموية، بشرط عدم وجود خطر متزايد للنزيف. أما للمرضى فوق 70 عامًا، فإن الاستخدام الروتيني غير مستحسن.
وتشير الجمعية الأوروبية لأمراض القلب (ESC)، إلى عدم استخدام الأسبرين لدى الأفراد ذوي المخاطر المنخفضة إلى المتوسطة، لكنها تترك المجال لاستخدامه لمرضى السكري ذوي المخاطر العالية.
تؤكد فرقة الخدمات الوقائية الأميركية (USPSTF)، اتخاذ قرارات فردية لمن تتراوح أعمارهم بين 40-59 عامًا مع خطر أمراض قلبية وعائية بنسبة 10 % أو أكثر خلال 10 سنوات، لكنها توصي بعدم استخدام الأسبرين لمن هم فوق 60 عامًا.
استراتيجيات الوقاية الحديثة
تسلط المراجعة الضوء على أن فوائد الأسبرين في الوقاية الأولية قد تتراجع بسبب الاستخدام الواسع النطاق للأدوية الفعالة مثل، خافضات الكولسترول وأدوية ارتفاع ضغط الدم. على سبيل المثال، أظهرت تجربة TIPS-3 أن الجمع بين الأسبرين مع أدوية متعددة (تحتوي على عقاقير مثل الستاتين ومضادات ارتفاع ضغط الدم)، يقلل من الأحداث القلبية الوعائية بشكل أكبر مقارنة باستخدام الأدوية وحدها. ومع ذلك، تظل مخاطر النزيف المرتبطة بالأسبرين مصدر قلق.
وتؤكد المراجعة أن الوقاية الأولية تتطلب نهجا شخصيا يتجاوز النماذج التقليدية لتقييم المخاطر. عوامل مثل التاريخ العائلي، السمنة، العِرق، وحتى المحددات الاجتماعية للصحة، أصبحت الآن معروفة كعناصر أساسية في توجيه القرارات السريرية. كما تكتسب المؤشرات الحيوية الجديدة مثل lipoprotein(a) والتقنيات الجديدة مثل تقييم ترسب الكالسيوم في الشرايين التاجية (CAC score)، واختبارات الجينات لتحليل نشاط الصفائح الدموية وعودا بإعادة تعريف اختيار المرضى بدقة.
ختاما، فإن الأسبرين ما يزال أداة قوية في الوقاية القلبية الوعائية، لكن فقط إذا استخدم بحكمة وللأشخاص المناسبين. ومع استمرار البحث وتطور الطب الدقيق، فإن الوقاية الأولية ستصبح أكثر تخصيصا، مما يضمن نتائج أفضل للمرضى. الأسبرين ليس علاجًا مناسبا للجميع. بل يجب أن يستخدم فقط للمرضى الذين تتفوق فوائد استخدامه على مخاطره. التحدي يكمن في البقاء على اطلاع دائم والتكيف مع الأدلة الجديدة. فهدف الوقاية ليس فقط وصف الدواء، بل فهم حالة المريض الذي يوصف له الدواء.