الغد
يديعوت أحرونوت
بقلم: ميخائيل ميلشتاين
ثلاثة أشهر ونصف الشهر منذ استؤنف القتال في القطاع تبدو واضحة فجوة عميقة في تحقيق الهدفين الأعلى للحرب: إبادة القدرات السلطوية والعسكرية لحماس، وتحرير كل المخطوفين. صحيح أن حماس تلقت ضربة قاسية (تصفية زعماء أساسا)، والجيش يسيطر في معظم القطاع، لكن المنظمة ما تزال سائدة في الميدان – تنجح في خوض القتال والسيطرة في المجال العام (لا فوضى، ما يسود في الخطاب الإسرائيلي)، توجد سلسلة قيادة وعملية اتخاذ قرارات؛ لا يوجد اضطراب جماهيري ولم ينمو بديل محلي؛ الضغط المتزايد لم يلين المواقف في موضوع المخطوفين (تحرير عيدان الكسندر كان بادرة طيبة تجاه ترامب)؛ والمشاريع التي يتم العمل عليها، وعلى رأسها آلية توزيع المساعدات وتسليح الميلشيات، تتراوح بين التعثر والفشل.
لقد أجرت إسرائيل التفافة كبيرة كي تكتشف بأنها تقف أمام مفترق T إستراتيجي نفسه مثلما كان قبل اكثر من سنة، يتضمن بديلين سيئين: من جهة احتلال كل القطاع، ومن الجهة الأخرى – تسوية بثمن أليم لإنهاء الحرب والانسحاب. يدور الحديث عن خيار بين نموذج الوحل اللبناني الذي كان حتى العام 2000، وبين النموذج الذي يطبق في لبنان منذ نهاية 2024، وفي إطاره تتواصل الأعمال الجارية ضد التهديدات، لكن دون ادعاء بإبادة حزب ايلله، احتلال أراضٍ من لبنان، أو تغيير وعي الجمهور في الدولة.
في الوسط تتطور أخيلة تدعي الوصول إلى التفاؤل: إبداء ثقة في القدرة على هزم حماس في غضون أشهر معدودة (دون الشرح ما هي تداعيات احتلال كل غزة، وفي ظل التغطية على حقيقة أن دوافع احتلال كل غزة في معظمها هي أيديولوجية تحت غطاء حجج استراتيجية)؛ إقامة جيوب تسيطر عليها مراكز قوة مشكوك فيها كبديل لحماس (مغامرة تنطوي على تسليح ميليشيا أبو شباب في رفح ومن شأنها أن تكون سيفا مرتدا يمس بإسرائيل)؛ وبالطبع – إيمان بتحقيق خطة ترامب لإفراغ القطاع من الفلسطينيين فيما أنه عمليا لا توجد أي دولة في العالم توافق على الفكرة أو مستعدة للتعاون معها.
لقد عكست حملة "شعب كاللبؤة" تركيزا صحيحا على التهديد المحلي الرئيس الذي تقف أمامه إسرائيل. لقد ألحقت الخطوة التاريخية ضررا جسيما بالبرنامج النووي لكنها تتبين كجولة أولى في معركة طويلة: إيران ستتطلع باحتمالية عالية لإعادة بناء المشروع النووي، وبالطبع منظومة الصواريخ الباليستية و "طوق النار" الإقليمي. سيستوجب الأمر مواصلة التركيز على إيران، فيما أن حربا طويلة في غزة ستصرف الانتباه والجهد، وتلحق ضررا إستراتيجيا: استنزاف الجمهور (بخاصة منظومة الاحتياط)، خلافات داخلية ونقد دولي حاد.
إن إنهاء الحرب في غزة حيوي أيضا لغرض استنفاد نافذة الفرص الاستراتيجية التي فتحت في الشرق الأوسط مع نهاية المواجهة مع إيران وفي مركزها إمكانية الدفع قدما بعلاقات مع دول عربية، على رأسها السعودية بل وربما مع سوريا ولبنان اللتين شهدتا تغييرا دراماتيكيا في أثناء الحرب. إن استمرار الحرب في غزة، فما بالك ضم مناطق واستئناف الاستيطان في المنطقة ستحبط خطوات التطبيع التي تشكل هدفا استراتيجيا لرؤية ترامب على الطريق لإعادة تصميم الشرق الأوسط. وبالتالي تنطوي أيضا على احتمال توتر بين القدس وواشنطن.
تتخذ إسرائيل نهجا مركبا في المواجهات ضد حزب الله وإيران، وتمتنع عن استخدام اصطلاح "مطلق". الأهداف العليا هي القضاء على التهديد الإستراتيجي في لبنان (بخاصة ترسانة الصواريخ بعيدة المدى ومنظومة الأنفاق قرب الحدود)، إلى جانب تدمير البرنامج النووي لإيران والمس العميق لمنظومة صواريخها. في الساحتين لا يدور الحديث عن إبادة العدو، هدف كان سيتسبب بانحراف استراتيجي سلبي، مثلما لاح في الخطاب الذي بدأ ينشأ في إسرائيل حول تقويض الحكم في طهران، في أثناء حملة "شعب كاللبؤة".
ان "النهج المركب" حيوي في القطاع أيضا، مطلوب خيال بعيد وتفاؤل زائد لاجل التصديق بانه سينشأ هناك قريبا واقع محسن بروح نصر مطلق، تبخر حماس وتغيير وعي الغزيين. مؤشرات إيجابية على تبني النهج المركب الواعي برزت مؤخرا في التقارير التي تقول انه ينظر في إنهاء الحرب باشتراط السيطرة على منطقة الفصل (حزام امني على طول الحدود)، ترتيبات أمن في فيلادلفيا، والحفاظ على قدرة عمل في القطاع. كل هذه تعكس تراجعا عن هدف احتلال كل غزة بل وعن تقويض حماس.
إذا كانت إسرائيل مقيدة بفريضة "محظور السماح للنازيين بالبقاء على الجدار" فأنها ستجد نفسها تحت مليوني غزي في منطقة مصابة بحرب العصابات مع خطر عزلة دولية وشرخ داخلي حاد – دون تحرير مخطوفين وفي كل مصاعب في التركيز على إيران وتثبيت تعاون إستراتيجي إقليمي. مثلما في لبنان، في غزة أيضا سيكون اضطرار بعد الوصول الى تسوية للعمل ضد التهديدات. وان كانت حماس ستواصل الوجود في مثل هذا السيناريو، لكنها ستكون ضعيفة من ناحية عسكرية، مقيدة سياسيا وتحت ملاحقة وإحباطات دائمة من جانب إسرائيل. في الخلفية سيكون ممكنا بل وموصى به فحص تغيير عميق للواقع في القطاع في مستقبل أبعد، خطوة تستوجب ثلاثة شروط أساسية لا توجد الآن: خطة مفصلة وواعية، إجماع داخلي وإسناد خارجي.