لا أحد سيأتي لإنقاذ البشرية.. علينا نحن أن ننقذ أنفسنا
الغد
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
كيتلين جونستون – (نشرة كيتلين) 21/11/2025
الجميع يريد التغيير، ولكن لا أحد يريد أن يتغيّر. حلّ العقدة على طريقة المسرح اليوناني بتدخل الآلهة مجرّد خيال، وتعليق الأمل على الخيال هو العقبة الأولى التي تمنع التغيير. سوف نحتاج إلى أن نصحو من غيبوبة الأنا، وأن نصبح جنسًا واعيًا بحق حتى نستطيع بناء عالم صحي من غير أن نعود إلى نفس أنماط التدمير الذاتي المعتادة عندما تنتهي الثورة.
لن ينقذنا الذكاء الاصطناعي. لن تنقذنا الابتكارات التقنية. لن ينقذنا السياسي المفضل لديك. لن تنقذنا ملفات إبستين. لن تنقذنا الصين. ولن تنقذنا الكائنات الفضائية.
لن يأتي أحدٌ لينقذنا. ليس ثمة حل على طريقة "الإله من الآلة" deus ex machina، ليختم خط السرد في قصة البشر. سوف يكون علينا نحن أن ننقذ أنفسنا بأنفسنا.
في المسرح الإغريقي القديم، اعتادوا إنهاء المسرحيات بجعل الآلهة يظهرون في النهاية لمعاقبة الأشرار ومكافأة الأبطال. كان الممثلون الذين يؤدّون دور الآلهة يهبطون إلى خشبة المسرح من الأعلى برافعة، أو يُرفعون إليها من الأسفل، من باب أرضي بآلة خاصة، ومن هنا جاء مصطلح "الإله من الآلة".
واليوم يُستخدم هذا التعبير للإشارة إلى أيّ حلّ كسول للعقدة عن طريق إنقاذ الأبطال فجأة بتدخل قوة خارجية بدل أن يأتي الخلاص كثمرة لنضالهم وتطوّر شخصياتهم؛ إذا كانت الآلهة ستنقذهم في النهاية، فلن يكون لأيّ شيء فعلوه قبل ذلك أي قيمة، وسوف يترك هذا الحل الجمهور غير راض، ويحدّق في الكاتب بدلًا من القصة.
عندما ينظل المرء إلى الأزمات الوجودية التي تواجه البشريّة اليوم، سيكون من المغري أن يعثر على الأمل في اعتقاد ما بأنّ قوى خارجية ستأتي لإنقاذنا من غير أن نضطر إلى النضال وتغيير أنفسنا. وسوف يرى هذه الحكايات عن الخلاص في كل مكان:
• إيلون ماسك سيؤتمت كل شيء حتى لا نحتاج إلى العمل، ثم سيساعد البشريّة على أن تصبح نوعًا من الكائنات بين الكواكب.
• الذكاء الاصطناعي الفائق أصبح قاب قوسين أو أدنى، وسوف يُحدث انفجارًا في فهمنا العلمي للكون ويُطلق تقنيات جديدة تغيّر العالم.
• كشف ملفات إبستين سيفضح كل الفساد الذي كان يسمّم مجتمعنا، ويقود إلى اعتقال كل الأشرار وتجريدهم من السلطة.
• انتخاب ديمقراطيين تقدميين أو جمهوريين شعبويين يستطيع أن يوصل أبطالا إلى السلطة، ليغيّروا النظام السياسي الأميركي من أجلنا.
• صعود الصين سيعيد تشكيل النظام العالمي ويساعد على إنهاء الرأسمالية.
• الكشف عن أجسام طائرة مجهولة سيحدث في أي لحظة الآن، وسيجلب معه تقنيات فضائية تنقذ البشريّة من الهلاك.
الاستيقاظ من الوهم
ولا يحدث أي شيء من هذا أبدًا. الإله الإغريقي لا يظهر أبدًا على خشبة المسرح. ويُترك الممثلون واقفين هناك في صمت طويل ومحرِج بينما ينهار الديكور من حولهم.
لن يحدث أبدًا، يا سادة. لقد فوّت أبولو لحظة دخوله، وزيوس لم يحضر إلى المسرح من الأساس.
لن ينقذنا أحدٌ سوى أنفسنا. يترتب علينا أن نتغيّر. يترتب علينا أن نتحرّك. سوف نستمر في الاندفاع نحو ديستوبيا استبدادية، وكارثة بيئية، ومحرقة نووية، ما لم نفعل.
سوف نحتاج إلى أن نساعد بعضنا بعضًا للخروج من الغيبوبة التنويمية التي تُسلمنا إليها الدعاية، وأن نستيقظ على حقيقة ما يجري فعلًا في عالمنا، وأن نُري بعضنا كيف أن التغيير الحقيقي ضروري وممكن.
سوف نحتاج إلى أن نستيقظ بما يكفي لنستخدم قوة عددنا لإجبار حكّامنا على التوقف عن سرقتنا، وقمعنا، وقتل محيطنا الحيوي، وقتل البشر.
سوف نحتاج إلى أن نصحو من غيبوبة الأنا، وأن نصبح جنسًا واعيًا بحق، حتى نستطيع بناء عالم صحي من غير أن نعود إلى نفس أنماط التدمير الذاتي عندما تنتهي الثورة.
الجميع يريد التغيير، ولكن لا أحد يريد أن يتغيّر. ولهذا يبدو حلّ العقدة على طريقة "الإله من الآلة" مفضّلًا في أذهاننا.
لكن هذا مجرّد خيال. لن يأتي التغيير من أي مكان سوى من دواخلنا. والتمسّك بالأمل في الخيال هو العقبة الأولى التي تمنعنا من الاستيقاظ على الواقع.
كل واحد من الأنواع الحيّة يصل في النهاية إلى نقطة مفصلية، حيث يترتب عليه فيها إما أن يتكيّف مع الظروف المتغيّرة أو أن ينقرض. نحن اليوم في تلك النقطة. وإما أن نجتاز هذا الاختبار أو أننا لن نفعل، وإذا ما اجتزناه فسيكون ذلك بفضل جهودنا نحن، وتضحياتنا، وتحولاتنا الذاتية.
لن يقوم أحد بفعل ذلك نيابة عنّا.
*كيتلين جونستون Caitlin Johnstone: كاتبة وصحفية أسترالية مستقلة، معروفة بمقالاتها النقدية التي تتناول الإعلام الغربي، والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، والدعاية الإمبريالية. تركز كتاباتها على كشف التلاعب الإعلامي الجماهيري، وفضح السياسات الاستعمارية الجديدة، وتنتقد النخب الحاكمة الغربية، سواء من الأحزاب الليبرالية أو المحافظة. وهي صوت بارز في نقد التغطية الإعلامية السائدة، خاصة في قضايا مثل الحرب في الشرق الأوسط، والصراع في أوكرانيا، وقمع الحريات الإعلامية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Nobody’s Coming to Humanity’s Rescue; We’ve Got to Save Ourselves