عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Oct-2025

أبعد من غزّة*أ. د. صلاح العبادي

 الراي 

تتجّهُ الأنظار إلى جمهورية مصر العربيّة، التي ستستضيف يوم الاثنين أو الثلاثاء من الأسبوع الحالي على أبعد تقدير قمّة دوليّة يحضرها قادة عالميّون في مقدمتهم الرئيس الأميريكي دونالد ترامب. هذهِ القمّة ستقام في مدينة شرم الشيخ المصريّة، حيث شهدت التوصل إلى اتفاق بين حركة حماس وإسرائيل بوساطة قطرية ومصرية وتركية، ومن المتوقع أن يشارك فيها قادة أو وزراء خارجية من ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وإيطاليا والإمارات المتحدة، وقطر، والأردن، وتركيا، والسعودية، وباكستان وإندونيسيا.
 
وفيما يتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فلا يتوقع حضوره لهذِ القمّة.
 
تناقش القمّة التي هي أبعد من حدود غزّة، مستقبل القطاع وبعض الترتيبات في منطقة الشرق الأوسط ضمن مسارات السّلام، وقد تسهم بحشد دعم دولي لخطّة الرئيس ترامب بشأن القطاع. في وقت ما تزال بعض القضايا المتمثلة في إدارة ما بعد الحرب والترتيبات الأمنيّة وإعادة الإعمار قيد النقاش .
 
فهل ستمهد هذه القمّة لسمار أوسع للسلام وما هي أهميتها بهذا التوقيت؟ وما هي رسالة القاهرة من استضافة هذهِ القمّة؟
 
وماذا عن إمكانية حضور نتنياهو لهذه القمّة؟
 
وهل تشكّل هذه القمّة نقطة تحول حقيقة في الصراع؟
 
وفي وقت تعقد فيه هذهِ القمة فإنّ الأنظار تتجّه إلى مدينة غزّة بعد إعلان واشنطن نشر نحو مئتي جندي أمريكي في إطار الترتيبات الأمنيّة والعسكريّة للقطاع.
 
البوصلة لا تتجه نحو المعارك هذه المرة، بل إلى مهمّة تثبيت الأمن والسلم في القطاع.
 
أسئلةٌ كثيرة بدأت تطفو للسطح، ممن تتكون هذه القوة وأين ستتمركز؟ وما هي مهامها؟ وما هي أبرز التحديات التي تواجهها؟
 
في تفاصيل الترتيبات الأمنية في قطاع غزّة، فإن الولايات المتحدة تستعد لنشر مئتي جندي أميريكي في إطار ترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار في القطاع.
 
واشنطن لن ترسل قوات قتاليّة للقطاع؛ لكنّها ستنشر هذا العدد على الأقل ضمن قوة مهام مشتركة خاصّة بغزّة ستضم جنودًا من مصر وقطر كأقل تقدير للموقف.
 
مهمة هذه القوات ستتضمن الإشراف على تنفيذ الاتفاق المتعلق في غزّة، للمساعدة في دعم ومراقبة اتفاق وقف إطلاق للنار. في وقت يعتزم الرئيس ترامب القيام بزيارة قصيرة إلى إسرائيل يوم غٍد الاثنين، وسيلقي خلالها كلمًة أمام الكنيست الإسرائيلي ومن ثم سيغادر على الفور.
 
ترامب الذي أعلن بأنّ الرهائن الإسرائيليين سيتم الإفراج عنهم يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، وأنه لن يتم اجبار سكان غزّة على المغادرة بموجب خطّته. لكنّ ما هي الضمانات؟
 
ما نشرته وسائل الإعلام الأجنبية حول تفاصيل الجنود الأمريكيين الذين سيتم نشرهم، يشير إلى عدم وجود فكرة واضحة أو معلومات إضافية حول ما تم نشره.
 
من المؤكد بأن هذا العدد المحدود جدًا من القوات الأميريكيّة ستكون مهمة تواجدهم في الداخل الإسرائيلي، لمراقبة سير عمل هذا الاتفاق، لأنّها ستكون تحت أمر مجلس السلام الذي سيرأسه الرئيس ترامب؛ بمعنى لن يكون هناك قوات أمريكيّة داخل قطاع غزّة.
 
من الواضح عدم وجود صلاحية لهذه القوات، التي ستعنى في مراقبة والإشراف على تنفيذ بنود الاتفاق، خصوصّا إذا إنضم إليهم مراقبين من فرنسا وتركيا ومصر وقطر وربما الأردن من أجل تأهيل قوة المراقبة.
 
كما أنّ من الواضح بأن الأردن ومصر سيكون لهم دور كبير في تأهيل رجال الشرطة الفلسطينيّة التي ستتولى مهام حفظ الأمن والاستقرار في القطاع خلال المرحلة المقبلة.
 
مما لا شك به هو عدم وجود قرار من مجلس الأمن يمنح الصلاحيات لقوة المراقبة، وإنما هي ترتيبات أمنيّة غير واضحة. لكن وجود قوة المراقبة في الدخل الإسرائيلي هو أمر مرتبط في ضمان عدم وجود أي مواجهة بين هذه القوات وبين أي من سكان أهالي القطاع.
 
خطّة ترامب تنص حرافيًا على أنه لن يجبر أحد على مغادرة غزّة، وسيكون من يرغب في المغادرة حرّا بالمغادرة مع حرية العودة للقطاع مجددًا.
 
في وقت تسودُ فيه تخوفات من المقبل ومن وجود أي مخططات للتهجير في مقبل الأيام أو الأسابيع أو الأشهر المقبلة!.
 
وهنا تكمن التساؤلات حول كيف نجحت الضغوط العربيّة لا سيما من الأردن ومصر في وقف مخطط ترامب السابق لتهجير أهالي غزّة قصريًا؛ بهدف إعادة إعمار غزة وتحويله إلى ريفييرا الشرق الأوسط؟
 
وهل تتضمن الخطّة هذا الاقتراح لكن بصورة غير مباشرة؟
 
القاهرة تدرك بأنّ خطّة ترامب الجديدة تتجاوز الحديث عن التهجير بشكلٍ نهائي.
 
وكما لا شك به بأن موضوع التهجير القسري ذهب إلى غير رجعة. فهذه الخطّة الحالية هدفها إنهاء الحرب الدائرة على القطاع منذ نحو العامين.
 
من يتابع المشهد يدرك أيضًا بأنّ العلاقات بين مصر وإسرائيل بلغت في الفترة الأخيرة مستويات عالية من التوتر. حيث كانت التقارير الإعلاميّة تتحدث عن الوجود العسكري المصري المتزايد في سيناء، والتي قد أثارت مخاوف إسرائيل. لكن.. ماذا بعد التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في قطاع غزّة؟ وكيف سينعكس على العلاقة المتوترة بين مصر وإسرائيل؟ وهل ستتوقف إسرائيل عن إطلاق تصريحات مثيرة للجدل بشأن إنتشار القوات المصرية في سيناء؟ وهل تعيد مصر تموضع جيشها في هذه المناطق؟
 
يبدو أن وقف إطلاق النار في غزة لن يخفض من مستوى التوتر الذي ارتفع مؤخرًا بين مصر وإسرائيل، طالما بقيت حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، خصوصًا وأنّ هذه العلاقة تحتاج إلى المزيد من الوقت لترميمها، في وقت كانت حكومة نتنياهو تكيل الاتهامات جزافًا تجاه مصر خلال العامين الماضيين وعلى كافة المستويات، بداية من اتهام مصر بمنع دخول المساعدات الإنسانيّة للقطاع في وقت تجاهلت فيه تل أبيب بأنّها هي من أغلقت معبر رفح في بداية الحرب وهي أكاذيب يتذكرها الرأي العام الدولي عندما كانت مرافعة إسرائيل في محكمة العدل الدوليّة، وصولًا إلى أكاذيبها المتمثلة بأنّ مصر هي من تمد المقاومة في السلاح، إضافة إلى اتهامات إسرائيل بعبور طائرات مسيّرة من مصر باتجاه تل أبيب.
 
العلاقات المصرية الاسرائيلية وصلت إلى أدنى مستوياتها أمنيًا جرّاء اتهامات ودهاليز حكومة بنيامين نتنياهو التي لا أساس لها من الصحة.
 
لا شك بأنّه وطالما بقيت القضية الفلسطينيّة تراوح مكانها، ولم تقم الدولة الفلسطينية المستقلّة، ستبقى إسرائيل في عزلة سياسيّة ودبلوماسيّة، لأنّ هذهِ الحكومة لا يوجد لديها أي رغبات في تنفيذ حل الدولتين، في وقت تجاهلت خطّة ترامب تنفيذ حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينيّة.
 
عودة سكان غزّة إلى مناطقهم لن يحول دون زوال مخطط التهجير الذي سيبقى قائمًا، وهو قد يستدعي من مصر إعادة تموضع قواتها في سيناء، لأنّ مخطط التهجير ما يزال قائمًا في العقليّة الإسرائيليّة المتطرفة، التي تتحدث عن إسرائيل الكبرى، وهي أحلام تعود إلى ما قبل أحداث السابع من اكتوبر.
 
اليوم بقاء القوات الاسرائيليّة في محور فيلادلفيا سيبقى مثيرًا للجدل، لاسيما وأنّ معاهدة كامب ديفيد وما تلاها من ملاحق كانت تنص على عدم وجود قوات إسرائيليّة في هذا المحور والنقاط الحساسة التي من شأنها أن تخل في الأمن القومي المصري.
 
من حق مصر الإبقاء على قواتها في سيناء؛ لحفظ الأمن القومي المصري، وهي لا تشكل تهديدًا لإسرائيل إذا كانت تسعى فعليًا لاحلال السلام في المنطقة.
 
المطلوب من إسرائيل أن تعيد ترتيب أفكارها، وأن تبحث عن السلام في منطقة الشرق الأوسط.
 
كما أنّ على إسرائيل أن تعيد التفكير بإهدافها ومخططاتها، في وقت عليها أن تدرك بأنّ هذهِ الحرب خسّرتها على كافة المستويات السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، وأعادتها للوراء لعقودٍ طويلة من الزمن.
 
الحرب في قطاع غزة لم تنتهِ، وهو ما يعود إلى طبيعة العقليّة الاسرائيليّة؛ فإسرائيل اليوم تسيطر على نحو ثلاثة وخمسين بالمئة من مساحة القطاع ولم تخرج منه، بل ما تقوم به هو إعادة انتشار. وبالتالي من الممكن أن تسعى إسرائيل إلى عدم تنفيذ خطّة ترامب خاصّة في المراحل الأخرى منها، بعد تسلّم أسراها الأحياء منهم أو الأموات.
 
ويبدو بأنّ المرحلة الثانية من الاتفاق ستكون مليئة بالمفخخات الإسرائيليّة والتي اعتاد المجتمع الدولي عليها، خصوصًا وأنّ سلوك إسرائيل القائم على الغدر لم يتغير منذ عقود طويلة من الزمن.
 
في هذهِ المرحلة الحرجة تطل إسرائيل عبّر تصريحات رسميّة لتتبنى نهجًا ضاغطًا لنزع سلاح حماس؛ إذ أنّ نتنياهو يؤكد بأن الجيش سيبقى في غزّة حتى تلقى حماس بسلاحها، وهو يحدد شروطًا واضحة للإجراءات الإسرائيليّة خلال المراحل اللاحقة من شروط وقف إطلاق النار. ويعد نزع سلاح حماس شرطّا للاستقرار وإعادة الإعمار، لكن خطّة ترامب غامضة في هذا الشأن وآليات التخلص من سلاح حماس غير واضحة ومبهمة.
 
حماس أكّدت في أكثر من مناسبة بأنّها ستسلم السلاح عندما تقوم الدولة الفلسطينيّة، وهو أمر قد يشكّل عقبة جديدة في اتمام تنفيذ خطّة ترامب.
 
لتبقى أسئلة كثيرة تدور في الأذهان، حول من ينزع سلاح حماس وبأي آلية ؟
 
ومن يضمن تنفيذ الآلية على الأرض ؟