الغد
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
تريتا بارسي* - (ريسبونسيبل ستيتكرافت) 10/9/2025
جاء قصف الدوحة بعد أشهر من خضوع الولايات المتحدة لنتنياهو، الذي أصبح يزداد استخفافًا بالرئيس وبالمصالح الأميركي.
قال الرئيس دونالد ترامب للصحفيين خارج أحد مطاعم واشنطن مساء الثلاثاء، التاسع من أيلول (سبتمبر)، إنه غير راضٍ بشدة عن قصف إسرائيل لقطر؛ الشريك الأميركي المقرب في الخليج العربي، التي تستضيف القيادة السياسية لـ"حماس" منذ العام 2012 بناءً على طلب واشنطن.
وأضاف ترامب: "لستُ مسرورًا حيال ذلك. لستُ مسرورًا حيال الوضع برمّته"، نافياً أن تكون إسرائيل قد أعلمته مسبقًا بالضربة. وتابع: "كنتُ غير سعيد على الإطلاق حيال ذلك، غير سعيد بشأن كل جانب من جوانب ما حدث. علينا أن نستعيد الرهائن. لكنني كنتُ غير سعيد على الإطلاق بالطريقة التي جرت بها الأمور".
قد يكون ترامب منزعجًا فعلًا، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي يُقدّمه ليظهر بنفس صورة بايدن: رئيس يطلق بيانات غاضبة بشأن أفعال إسرائيل التي تقوّض بشكل صارخ المصالح الأميركية -أفعال يكاد يكون من المستحيل أن تحدث من دون موافقة ضمنية من واشنطن- من دون أي إشارة إلى أن إسرائيل ستواجه عواقب على ما يُزعم أنه تحدّ للولايات المتحدة.
وحتى يصبح الأمور السيئة أكثر سوءًا، كشف وزير الخارجية القطري أن الأمر لم يُقتصر على أن ما يُسمى بالتحذير الأميركي لم يجئ قبل الضربة الإسرائيلية، بل إنه جاء بعد أن كانت الدوحة تحت القصف بالفعل.
وقال الشيخ محمد بن جاسم آل ثاني: "وقع الهجوم عند الساعة 3:46. وكان أول اتصال تلقيناه من مسؤول أميركي عند الساعة 3:56 -أي بعد عشر دقائق من الهجوم".
سواء كانت واشنطن على علم بخطط الحرب الإسرائيلية، أو متواطئة فيها، أو أن ترامب صادق في ادعائه الجهل، فإن النتيجة واحدة: لقد وجهت إسرائيل ضربة قاسية لمصداقية أميركا.
أي قيمة ستكون لاحتمائك بمظلة أمنية أميركية -أو حتى لاستضافة قاعدة أميركية- إذا كانت الولايات المتحدة إما تتآمر ضدك في هجوم، أو تثبت أنها غير راغبة -أو غير قادرة على منعه؟
هذا هو السؤال الذي يواجه الآن كل شريك أميركي في الخليج العربي، الذين علقوا جميعهم بقاءهم على الحماية الأميركية. بالنظر إلى أن واشنطن أزالت كل قيد ذي معنى عن إسرائيل منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كان ينبغي لقادتهم أن يعرفوا أن هذا اليوم كان حتميًا لا مفر منه.
لا أعتقد شخصيًا أن على الولايات المتحدة أن تمنح ضمانات أمنية -صريحة ولا ضمنية- لأي دولة في الشرق الأوسط. لم تعد المنطقة حيوية للمصالح الأميركية، وأميركا مثقلة أصلًا بالتزامات خطيرة تفوق طاقتها. يجب إعادة تقييم الالتزامات القائمة والتراجع عنها حيث يلزم. ولكن يجب أن يتم ذلك عن قصد وحسب شروط واشنطن -لا أن يجري تقويضه على يد إسرائيل- لأن الهدف من هذه العملية هو تعزيز مصداقية الالتزامات الأميركية الجوهرية، وليس تقويض مصداقية الولايات المتحدة ككل.
كان ما وضع الملح على الجرح، هو أن الأمر لم يقتصر على تقويض إسرائيل لمصداقية الضمانات الأمنية الأميركية، بل طال أيضًا مكانتها الدبلوماسية. وكانت هذه المرة الثانية في هذا العام التي تستغل فيها إسرائيل غطاء الدبلوماسية بقيادة الولايات المتحدة لتنفيذ عمل عسكري غير قانوني -كانت المرة الأولى هي ضربتها لإيران في خضم المحادثات النووية في حزيران (يونيو).
قد ترى إسرائيل فوائد واضحة في تقويض مصداقية الدبلوماسية الأميركية. سوف تكون أميركا غير قادرة على التفاوض بمثابة أميركا مضطرة إلى اتباع خطى إسرائيل نحو مغامرات عسكرية متهورة تتعارض مع المصالح الأميركية. ولا يقل هذا الموقف بالنسبة لواشنطن عن الكارثة.
السؤال الآن هو كيف سيرد ترامب. إذا كان ادعاؤه صحيحًا -بأنه لم يتلقَّ إشعارًا مسبقًا بالهجوم ولم يتواطأ مع إسرائيل- فإن التعبير عن الاستياء لا معنى له ما لم يقترن بعواقب حقيقية على إسرائيل جراء تكرارها تقويض المصالح الأميركية.
منذ أواخر أيار (مايو)، استسلم ترامب لنتنياهو على كل جبهة تقريبًا -من إيران إلى غزة إلى لبنان- وكان ذلك دائمًا على حساب أميركا. ولم يفعل هذا الخضوع المهين سوى أنه زاد نتنياهو جرأة، وجعله أكثر استخفافًا بترامب وبأولويات الولايات المتحدة، حتى تُوج ذلك بالضربة الوقحة على الدوحة.
ربما سيدفع هذا الحدث ترامب إلى إدراك حماقة تفويض السياسة الأميركية في الشرق الأوسط إلى إسرائيل. ووحده فقط هو الذي يملك القدرة على تغيير المسار.
*د. تريتا بارسي Trita Parsi: مفكر وكاتب إيراني-سويدي-أميركي. وهو مؤسس ورئيس تنفيذي لـ"معهد الكوينسي لفن الحكم المسؤول". شغل سابقًا منصب مؤسس ورئيس "المجلس الوطني الإيراني الأميركي". يعد من أبرز الأصوات في قضايا السياسة الخارجية الأميركية، خصوصًا المتعلقة بإيران والشرق الأوسط، وله حضور واسع في مراكز الأبحاث والإعلام الدولي. له مؤلفات بارزة منها "تحالف خادع: التعاملات السرية لإسرائيل، وإيران، والولايات المتحدة" Treacherous Alliance: The Secret Dealings of Israel, Iran, and the United States الذي حاز جائزة من معهد كوينسي، من بين كتب أخرى. يعرف بمواقفه الداعية إلى الدبلوماسية وتجنب الحروب، وبانتقاداته للتدخلات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Is Israel forcing Trump to be the capitulator in chief?