عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Jun-2025

حرب الظل بين إيران وإسرائيل: التجسس والتخريب السيبراني في المواجهة

 الغد- ترجمة وإعداد: إسراء الردايدة

تُعد الحرب الحالية بين إيران وإسرائيل ساحة لاختبار غير مسبوق لأدوات التجسس والعمليات السيبرانية لدى الجانبين، إذ دار القسم الأكبر من الصراع حتى الآن تحت مظلة “حرب الظل” الموازية للحرب العسكرية المباشرة.
 
 
 
 
جهاز الموساد الإسرائيلي واستخبارات الحرس الثوري الإيراني في قلب هذه المعركة الخفية، حيث لكل منهما سجل طويل من المواجهات السرية تصاعدت الآن لتواكب التصعيد العسكري.
 
 
على الجانب الإسرائيلي، كشفت مصادر أمنية في تل أبيب تفاصيل مذهلة عن مدى اختراق الموساد للعمق الإيراني تحضيرًا لهذه الحرب. إذ أنشأ الموساد قاعدة عمليات سرية داخل إيران قبل الهجوم بفترة طويلة. في تلك القاعدة تم تخزين طائرات مُسيّرة مفخخة متطورة هرّبتها خلايا الموساد إلى داخل إيران على مدى الشهور الماضية.
 
 
وعند ساعة الصفر، تم تفعيل هذه المسيّرات من مواقع قريبة من طهران لاستهداف بطاريات الدفاع الجوي الإيرانية ومنصات إطلاق الصواريخ قبل أن تتمكن من الرد. ونتيجة هذا التكتيك، انهارت منظومات الدفاع الجوي الإيرانية في الدقائق الأولى من الهجوم، مما سمح لطائرات سلاح الجو الإسرائيلي باختراق الأجواء والوصول لأهدافها بحرية شبه تامة.
 
كما أفاد تقرير في سكاي نيوز أن عملاء الموساد جهّزوا سرًا مركبات داخل إيران بأنظمة هجوم إلكتروني وتشويش لتعطيل الاتصالات العسكرية الإيرانية وإرباك أنظمة الرادار خلال الضربة الأولى. هذه العمليات التخريبية الميدانية من داخل إيران مكّنت إسرائيل من تحقيق المفاجأة الاستراتيجية وشلّ مراكز القيادة الإيرانية لساعات حاسمة. كذلك، نفّذت وحدات خاصة يُعتقد أنها تابعة للموساد اغتيالات دقيقة استهدفت قادة في بيوتهم بطهران بالتزامن مع القصف.
 
وأكد خبير إيراني أن “عددًا كبيرًا من قادة الحرس يسكنون في منطقة معروفة بطهران، فكان يسيرًا على العملاء الوصول إليهم – ما يشير إلى اختراق أمني داخلي كبير. لقد نجح الموساد عبر سنوات من التجهيز والتجنيد في بناء شبكة تجسس نشطة داخل إيران، ظهرت ثمارها الآن في ساعة الحرب. ورغم محاولات طهران خلال الأعوام الماضية كشف خلايا التجسس الإسرائيلية (اعتقال عديد من المشتبه بتعاونهم مع الموساد، فإن حجم الاختراق الإسرائيلي في أجهزة الدولة الإيرانية فاق التوقعات الإيرانية نفسها، حتى أن الإعلام في طهران وصف ما حدث بأنه “كارثة أمنية” ناجمة عن “استهتار بالأمور الأمنية” سمح بوجود جواسيس نشطين في الداخل.
 
 
على الجبهة السيبرانية أيضًا، تفوقت إسرائيل هجوميًا منذ اللحظات الأولى. فبعد ساعات من الضربة الجوية، تعرضت إيران إلى هجوم إلكتروني واسع النطاق تبناه مجموعة هاكرز موالية لإسرائيل تُدعى “العصفور المفترس (Predatory Sparrow)”. استهدف الهجوم بنك “سبه” الإيراني (وهو من أكبر البنوك الممولة للحرس الثوري وبرامج الصواريخ) وأدى إلى تعطيل أنظمة المصارف وماكينات الصرف الآلي وشلّ خدمات مالية واسعة. أعلنت المجموعة أنها مسحت جميع بيانات بنك سبه بالكامل، مشيرة إلى أن البنك استُخدم لتمويل “أوهام الديكتاتور الإرهابية” وشكرت “حلفاء” ساعدوها في العملية.
 
 
وأكّدت وكالة فارس الإيرانية حدوث الهجوم الإلكتروني وتضرر شبكات محطات الوقود جرّاء ذلك – حيث يلعب بنك سبه دورًا حيويًا في منظومة توزيع الوقود. هذا الهجوم السيبراني المُدمر أربك الداخل الإيراني وزاد الضغط الشعبي مع اصطفاف المواطنين أمام محطات الوقود وعجزهم عن السحب النقدي.
 
وجاءت الضربة الإلكترونية عقب تحذير من رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اللواء شلومي بيندر بأن “مزيدًا من الجبهات ستتحرك قريبًا” بعد نجاح ضربة طهران – في تلميح إلى أن ميدان السايبر سيكون إحدى هذه الجبهات. وبالفعل، أشاد بيندر بجهود ضباطه في “فتح الطريق إلى طهران” عبر المعلومات الاستخباراتية التي مكّنت من اغتيال “رأس حربتها” (ربما قاصدًا قائدًا إيرانيًا كبيرًا). ومن جانب آخر، تؤكد تقارير إسرائيلية أن وحدات الحرب الإلكترونية في الجيش الإسرائيلي تعمل بتناغم مع الموساد والشاباك وتضم آلاف الخبراء والموظفين، مما جعل “حرب السايبر مع إيران لا مثيل لها في العالم” من حيث الشدة والكم.
 
 
أما على الجانب الإيراني، فعلى الرغم من الضربة المباغتة، أظهرت إيران فاعلية ملحوظة في ساحات الحرب السيبرانية للدفاع والرد. تشير تقارير شركة أمن سيبراني إسرائيلية إلى أن معدل الهجمات الإلكترونية الإيرانية ارتفع 700% منذ اليوم الأول للحرب.
 
 
 
استطاعت الهجمات السيبرانية الإيرانية اختراق نطاقات واسعة في إسرائيل، “من البنى التحتية الحكومية والمؤسسات المالية إلى شركات الاتصالات والأنظمة الحيوية”.
 
ونتج عن بعض هذه الهجمات عرقلة منظومة الإنذار المبكر الإسرائيلية وصفارات الإنذار في عدة مناطق، بل وحتى إرباك عمل منظومات الدفاع الجوي في لحظات حرجة. يُعتقد أن إيران جنّدت لهذا الغرض مجموعات هاكرز تابعة لها كـ“صائد الشمس” وغيرها، إلى جانب خبراء وحدة السايبر في الحرس الثوري. وصرّح رئيس هيئة السايبر الإسرائيلية السابق إيغال أونا بأن “إيران تظل تهديدًا سيبرانيًا محوريًا للشرق الأوسط” ، وقد أثبتت ذلك في هذه الحرب عبر موجات اختراق وتعطيل متتالية. فخلال أول 48 ساعة، تعرضت إسرائيل إلى موجة غير مسبوقة من الهجمات الإلكترونية الانتقامية شملت هجمات حرمان الخدمة (DDOS) على مواقع حكومية ومصارف، ومحاولات اختراق أنظمة السيرفرات الحيوية وسرقة بيانات حساسة.
 
 
 
ومن أمثلة ما تردد: تعطل مواقع وزارات إسرائيلية لبضع ساعات، وتسريب بيانات آلاف الموظفين الحكوميين، ونشر مجموعات موالية لإيران إنذارات كاذبة عبر حسابات إسرائيلية مخترقة لبث الذعر. كما تمكنت مجموعة هاكرز إيرانية من اختراق كاميرات مراقبة في تل أبيب وبث مقاطع للدمار على منصات التواصل كرسالة حرب نفسية.
 
 
 
ووصل الأمر إلى حد تسريب تفاصيل شخصية يُزعم أنها لرئيس الموساد ديفيد برنياع وصفتها القناة 12 الإسرائيلية بأنها “إنجاز يُحسب للهاكرز الإيرانيين” في إطار حرب السايبر. ردًا على ذلك، قام جهاز السايبر الوطني الإسرائيلي بتشديد الإجراءات، بينما أصدرت إيران توجيهات لموظفيها الحكوميين بحظر استخدام الأجهزة المتصلة بمنصات التواصل (خشية الاختراق أو التجسس).
 
 
 
بعبارة أخرى، تدور حاليًا معركة عقول وأزرار موازية لمعركة الصواريخ والقنابل، تهدف فيها كل دولة إلى شل نظم القيادة والتحكم للخصم وإثارة الفوضى الداخلية. ويجمع الخبراء أن هذه الحرب السيبرانية أصبحت مكونًا محوريًا للصراع ولم تعد في الظل: فهي تضرب الاقتصاد والطاقة والبنوك ووسائل الإعلام والتواصل لدى الطرفين.
 
 
إضافة إلى ذلك، استخدمت كل من إسرائيل وإيران أساليب الحرب الاستخباراتية التقليدية خلال التصعيد. فالموساد – بالتعاون مع أجهزة غربية – شن عمليات تخريب ميدانية قبل الحرب مثل تفجيرات غامضة في منشآت صاروخية إيرانية في أبريل وأكتوبر 2024، ما مهّد لإضعاف القدرات الإيرانية قبيل الضربة الكبرى.
 
 
 
وفي المقابل، حاولت استخبارات إيران الرد عبر عمليات خارجية: يُشتبه بمحاولة عملاء إيرانيين استهداف دبلوماسيين إسرائيليين في آسيا الوسطى انتقامًا، تم كشفها وإحباطها.
 
 
 
كما أعلنت طهران اعتقال شبكات جواسيس تابعة للموساد داخل إيران خلال الحرب، في مسعى لحماية جبهتها الداخلية من المزيد من الاختراق. ولم تغب الحرب النفسية والإعلامية عن المشهد: حيث انتشر على تويتر حساب مزيف يحمل شعار الموساد وينشر معلومات مضللة أربكت المتابعين، كما بثت إيران عبر قناة العالم وحلفائها مقاطع دعائية تُظهر “هشاشة الجبهة الإسرائيلية الداخلية” لتقويض معنويات الإسرائيليين، بينما نشرت إسرائيل رسائل بالفارسية تحث الإيرانيين على العصيان ضد نظامهم.
 
 
 
وكل ذلك يؤكد أن هذه المواجهة ليست فقط صراعًا عسكريًا مكشوفًا، بل هي حرب أدمغة وتقنيات يخوضها الطرفان بأدوات القرن الحادي والعشرين. ويُرجّح أن دور هذه الأدوات سيزداد في الساعات القادمة، خاصة إذا ما تراجعت وتيرة العمليات العسكرية التقليدية تحت ضغوط التهدئة – فعندها ستستمر الحرب الخفية حتى لو صمتت المدافع.