عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Nov-2025

وسائل التواصل الاجتماعي وصناعة الرأي العام الأردني*د. محمد كامل القرعان

 الراي 

تشهد الساحة الأردنية تحوّلات متسارعة في طريقة تداول الأخبار وتشكيل المواقف العامة، بفعل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت المصدر الأول للمعلومات لدى شرائح واسعة من المواطنين، خصوصاً فئة الشباب. هذا التحول أعاد رسم خريطة التأثير الإعلامي، وغيّر طبيعة العلاقة بين المواطن ومصادر الأخبار التقليدية.
 
ومع تزايد الاعتماد على المنصّات الرقمية، أصبح الرأي العام الأردني أكثر عرضة للتأثر بالمحتوى الفوري، الذي غالباً ما يختلط فيه الرأي بالخبر، وتتراجع فيه معايير التحقق والدقة أمام سرعة الانتشار. وتسهم هذه الظاهرة في تعزيز مشاركة المواطنين في النقاشات العامة، لكنها في المقابل فتحت الباب أمام الإشاعات والمعلومات غير الموثوقة التي تنتشر في لحظات، وتؤثر في المزاج العام بشكل كبير.
 
ويمكن ملاحظة قوة التأثير الرقمي بوضوح في القضايا المحلية، سواء ما يتعلق بالخدمات، أو القوانين، أو الأداء الحكومي، حيث تتحول بعض المنشورات إلى موجات رأي واسعة، تتفاعل معها الجهات الرسمية وتصدر بشأنها توضيحات أو بيانات. هذا الحضور جعل من الفضاء الرقمي أحد المؤشرات المهمة لقراءة اتجاهات الشارع، وفهم طبيعة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تشغل المواطنين.
 
ورغم هذا الحضور المتنامي للمنصّات الاجتماعية، يبقى التحدي الأبرز متمثلاً في انتشار خطاب الكراهية والانفعالات السريعة، إضافة إلى المحتوى المضلّل الذي يتطلب تصحيحاً مستمراً من المؤسسات الإعلامية المهنية. وهنا ينهض الإعلام الوطني بدوره المحوري في التصدي لهذه الظاهرة، من خلال استعادة مكانته الطبيعية في نقل الأخبار، وتقديم التغطية المهنية الشفافة، وتعزيز التواصل الفعّال مع المجتمع.
 
في المقابل، تمتلك المؤسسات الإعلامية الوطنية، بما فيها المرئي والمسموع والالكتروني والمطبوع والرقمي، فرصة لتعزيز حضورها من خلال الاستثمار في المنصات الرقمية، وتقديم محتوى موثوق وسريع يتلاءم مع تغيرات سلوك الجمهور. فالمصداقية ما زالت عامل القوة الأكبر الذي يميز الإعلام المهني، ويمنحه مكانته الطبيعية في خضم هذا الزخم.
 
كما يبرز دور التربية الإعلامية والمعلوماتية، التي باتت اليوم ضرورة وطنية لتعزيز الوعي الرقمي، وتمكين الشباب من قراءة المحتوى بعين ناقدة، وفهم آليات صناعة الرأي العام عبر الخوارزميات والمنشورات الموجهة. وهي مهارات أساسية لحماية المجتمع من الانسياق خلف الأخبار الزائفة أو حملات التشويه المنظمة.
 
ختاماً، يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً مؤثراً من الحياة العامة في الأردن، تصنع النقاش، وتضغط أحياناً، وتضيء على الثغرات، لكنها تحتاج إلى وعي مجتمعي ومحتوى مسؤول، يضمن أن يكون تأثيرها إيجابياً ومتوازناً، ويخدم مصلحة الوطن، ويعزز الثقة بين المواطن ومؤسساته.