عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Sep-2025

الاعتراف.. الأردن وفلسطين أكبر الرابحين*إسماعيل الشريف

 الدستور

لا استقرار في المنطقة دون حل الدولتين – عبد الله الثاني بن الحسين.
إعلان بريطانيا وأستراليا وكندا اعترافها بدولة فلسطين يشكّل تحولًا دراماتيكيًا في مسار القضية الفلسطينية، لم يكن يخطر ببال أحد حدوثه قبل سنوات قليلة. فهذه الدول الثلاث تُعَدّ من أبرز حلفاء الولايات المتحدة، وقرارها الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمثل زلزالًا سياسيًا يعكس موقفها من الإبادة الجارية في غزة، ويكشف عن انقسامات عميقة داخل المعسكر الغربي، مثيرًا تساؤلات جدّية حول وحدة هذا المعسكر ومستقبله.
تُقرأ خطوة المملكة المتحدة باعتبارها محاولةً لتصحيح مظلَمة تاريخية ارتُكبت بحق الشعب الفلسطيني، حين منحت الصهاينة وعد بلفور الذي كان الأساس في قيام الكيان. وسرعان ما لحقت بها كندا، التي عُرفت تاريخيًا كأحد أشد المدافعين عن الصهاينة وغالبًا ما اصطفّت إلى جانب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة. ولا يقل اعتراف أستراليا أهميةً عن الموقف الكندي، ليؤكد بدوره أنّ الاعتراف بفلسطين يمثّل توجهًا عالميًا متصاعدًا.
ولم يتوقف الأمر عند هذه الدول، إذ أعلنت البرتغال وإسبانيا وإيرلندا والنرويج اعترافها بالدولة الفلسطينية، فيما أكدت فرنسا وبلجيكا ومالطا أنها ستلحق بالركب خلال أيام. وهكذا يغدو ثلاثة أرباع دول العالم معترفين بفلسطين، في مشهد يعكس تحوّلًا تاريخيًا غير مسبوق في مسار القضية الفلسطينية.
جاءت هذه الاعترافات التاريخية لسببين رئيسيين: الأول، الضغوط الشعبية الواسعة المؤيدة للقضية الفلسطينية في الغرب، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أنّ الشباب يميلون إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية ويرفضون الإبادة الجارية في غزة. أما السبب الثاني فهو إنساني بامتياز؛ إذ ردّ الكيان على «طوفان الأقصى» بإبادة جماعية، وكان حجم الدمار الهائل في غزة والمأساة الإنسانية وصور الأطفال الجوعى صدمةً هزّت ضمير العالم. وزاد من وقعها صدور تقارير عن مختلف المنظمات الأممية والدولية، تؤكد أن ما يجري في غزة يرقى إلى إبادة جماعية، حتى غدا الدفاع عن الكيان أمرًا يستحيل تبريره.
تُستقبل هذه الخطوة بالابتهاج في فلسطين والأردن وسائر الدول العربية، وكذلك في الشتات الفلسطيني. فمنذ عقود طويلة يسعى الفلسطينيون والأردنيون والعرب إلى انتزاع اعتراف دولي، غير أنّ اعتراف قوى كبرى من الغرب يضفي شرعية لا يمكن إنكارها.
قد تبدو هذه المبادرة في ظاهرها رمزية، غير أن تنفيذها على أرض الواقع يظلّ صعبًا في ظل الفيتو الأمريكي الدائم والاحتلال الصهيوني وإجراءاته المترسّخة منذ عقود، التي تحول دون قيام حلّ الدولتين. ومع ذلك، فإنّ لهذا الاعتراف فوائد جمّة للقضية الفلسطينية؛ إذ يفتح الباب واسعًا أمام الملاحقات القضائية الدولية ضد الكيان، ولا سيما في المحكمة الجنائية الدولية، كما يُفاقم من عزلته الدبلوماسية، ويدفع بعض الدول إلى قطع علاقاتها معه، فيما ستفرض أخرى عقوبات اقتصادية عليه. ومع مرور الوقت قد يجد الكيان نفسه في عزلة شبيهة بتلك التي عاشها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وسيُنظر دائمًا إلى الضفة الغربية ومشاريع الاستيطان على أنها غير قانونية ومخالفة للقانون الدولي ومحلّ إدانة مستمرة.
تضع هذه الاعترافات الولايات المتحدة في موقف حرج، إذ بات عليها أن تختار بين التماهي مع حلفائها الغربيين وهي قائدة معسكرهم، أو الاستمرار في دعمها المطلق للكيان.
إنّ سلسلة الاعترافات هذه تعني، بالنسبة لكثير من الفلسطينيين، نهاية مسار المفاوضات، وقد تفضي إلى تصعيد في الضفة الغربية، وإلى النظر في المقاومة الفلسطينية باعتبارها خيارًا شرعيًا لمواجهة الاحتلال بعد فشل الحلّ السياسي.
كان ردّ الكيان سريعًا، غاضبًا ومضطربًا؛ إذ سارع ساسته إلى إدانة الاعتراف واعتباره مكافأةً لما يصفونه بالإرهاب. وصرّح مجرم الحرب نتن ياهو بأن ردّ الكيان على هذه الخطوة سيُعلن بعد عودته من الولايات المتحدة، حيث تشير التقارير إلى أنّه حصل خلال زيارته الأخيرة الأسبوع الماضي على ضوء أخضر من وزير الخارجية الأمريكية لضمّ الضفة الغربية. ويُعتقد أنه سيستمع أولًا إلى موقف الرئيس ترامب قبل أن يحسم الكيان قراره.
غير أنّ موضوع الضمّ يضع الكيان أمام خيارين أحلاهما مرّ: فإمّا أن يمنح الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية، وهو ما يهدد «يهودية الدولة»، وإمّا أن يحرمهم من حقوقهم الأساسية، بما يُكرّس نظام الفصل العنصري. وكلا الخيارين يحمل تبعات خطيرة على مستقبل الكيان.
وتصبّ هذه الاعترافات أيضًا في مصلحة الأردن، الذي سيكون المستفيد الأكبر منها؛ إذ ستفتح أمامه المجال لقيادة مبادرات سياسية جديدة لدفع عملية السلام، وتُنهي مقولة «الأردن هو فلسطين» التي يرددها الصهاينة. كما تعزز هذه القرارات الموقف الأردني الذي طالما دعا إلى حل الدولتين كخيار وحيد، وتدعم شرعيته الدبلوماسية في المحافل الدولية، وتُعدّ مكافأة له على سعيه الطويل من أجل نيل الاعتراف بدولة فلسطين، فضلًا عن تعزيز الوصاية الهاشمية على المقدسات.
لكنّ علينا أن نكون مستعدين أيضًا لردود فعل الصهاينة، لأنّ ذلك قد يضعنا أمام تماسّ مباشر مع الكيان، خصوصًا إذا لجأ الأخير إلى خطوات انتقامية كتهجير السكان، أو الضمّ، أو توسيع الاستيطان، أو انطلاق أعمال عنف في الضفة الغربية. وفي هذه الحال قد يجد الأردن نفسه مضطرًا لإعادة النظر في اتفاقية السلام.
لا شك في أنّ المشهد السياسي في المنطقة قد تغيّر، وهو يشكّل اختبارًا حقيقيًا لقدرة المجتمع الدولي على تحويل الاعترافات الرمزية إلى قرارات تُنفَّذ على أرض الواقع. كما أنه تحدٍّ مستمر للدبلوماسية الأردنية النشطة الداعمة للقضية الفلسطينية. غير أنّ الخلاصة النهائية تؤكد أن النقاش حول الدولة الفلسطينية لن يكون بعد اليوم كما كان في السابق.