عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Sep-2025

تحسين صورة الكيان*إسماعيل الشريف

 الدستور

السياسة الإعلامية والدبلوماسية الإسرائيلية يجب أن تنطلق من أن «إسرائيل» أصبحت حقيقة ثابتة في المنطقة العربية، وأن مهمتها تتجسد في مواجهة العرب بتلك الحقيقة على الصعيد العالمي، وتوضيح مقدار عجز العرب في تغيير هذه الحقيقة المؤكدة التي يجب أن يقروا بها ويتصرفوا على ضوئها- إسحاق رابين.
 
يعترف مجرم الحرب نتن ياهو بأن الكيان يواجه عزلة دولية خانقة، وأنهم رصدوا ميزانيات ضخمة لمحاولة تحسين صورته.
 
كلّفت وزارة الخارجية الصهيونية شركة Stagwell Global، وهي شركة أمريكية تُعَدّ من أبرز الشركات العالمية في مجالات الاتصالات والتسويق والاستشارات السياسية. تتولى هذه الشركة تنفيذ بحوث ميدانية، وإجراء استطلاعات للرأي، وإدارة العلاقات العامة، إلى جانب الحملات التسويقية والدعاية السياسية والإعلانات الرقمية، في محاولة لإعادة تأهيل صورة الكيان في الولايات المتحدة وأوروبا.
 
مؤسس هذه الشركة هو المستشار السياسي الشهير مارك بن، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارتها. وقد تبرّع بمبلغ مئة ألف دولار لصالح «إيباك» مباشرة بعد طوفان الأقصى، وهو معروف بعلاقاته الوثيقة مع حزب الليكود. ويُعَدّ مارك بن من أبرز من ساهموا في إيصال الإرهابي مناحيم بيغن، قائد منظمة «الإرغون»، إلى رئاسة الحكومة عام 1981، حيث حوّله من مجرم وضيع إلى سياسي بارز. كما أن شركته على وشك الحصول على عقد مباشر من إدارة ترامب لإجراء دراسة حول موقف الأمريكيين من لقاحات كوفيد.
 
أول ما قامت به هذه الشركة ـــ ذات التوجّه الصهيوني ـــ هو محاولة استقصاء ما يعرفه الرأي العام عن الإبادة الجماعية الجارية في غزة، وما هي المواقف المختلفة تجاه الكيان.
 
طرح الاستطلاع في بدايته أسئلة حول عدد الضحايا الذين قتلهم الكيان في غزة. وقد أجاب معظم المشاركين بأن الشهداء هم في غالبيتهم من المدنيين. وأظهرت نتائج الدراسة أن الرأي العام في الولايات المتحدة وألمانيا يميل إلى إبداء دعم أكبر للكيان مقارنة بدول أخرى، كما أن المشاركين هناك قدّروا أن الحملة الصهيونية أقل دموية مما هي عليه في الواقع. ففي الولايات المتحدة قُدِّر عدد الشهداء بعشرة آلاف فقط، بينما قدّره الفرنسيون بثلاثين ألفًا، والإسبان بأربعين ألفًا، في حين أن الأرقام الرسمية تشير إلى نحو خمسةٍ وستين ألف شهيد-وهو رقم يبقى أدنى بكثير من الحقيقة المروّعة على الأرض-.
 
لذلك خلص التقرير إلى نتيجة مفادها أن المواقف تجاه الكيان لم تبلغ بعد أدنى مستوياتها!
 
عرضت الدراسة على المشاركين في أوروبا والولايات المتحدة مقاطع دعائية مختلفة لاختبار أي الرسائل أكثر فاعلية في تغيير المواقف. وتوصّلت النتائج إلى أن أفضل وسيلة يعتمدها الكيان لاستعادة التعاطف هي إثارة الخوف من «الإسلام»، إذ إن ما يُسمى بـ»الإسلاموفوبيا» متجذّر لدى الأوروبيين والأمريكيين بعد سنوات طويلة من التحريض المنهجي الذي زرعه الصهاينة والساسة الفاسدون هناك. وقد أظهرت النتائج أن ثلاثة أرباع المشاركين ــ أو أكثر ــ في كل دولة يعتقدون أن «الإسلام الراديكالي» يمثل تهديدًا، وكانت فرنسا وألمانيا في صدارة هذه القناعة.
 
وتشير الدراسة إلى ضرورة إبراز دعم الصهاينة لحقوق المرأة والمثليين، مع التركيز على ترديد مزاعم بأن حركة حماس تسعى إلى قتل جميع اليهود في العالم ونشر «الجهاد» عالميًا. ويخلص التقرير إلى أن ما بعد انتهاء المجزرة قد يشهد زيادة كبيرة جدًا في مستوى الدعم للكيان، إذا ما جرى تطبيق هذه الاستراتيجيات التي انعكست ـ بحسب نتائجه ـ على رفع التأييد للكيان بأكثر من عشرين نقطة في كل دولة.
 
وقد تسرّب هذا التقرير الأوّلي للشركة إلى وسائل الإعلام، فيما تشير تقارير اخرى إلى أن كلفة المشروع ستصل إلى مئة وخمسين مليون دولار تتحمّلها وزارة الخارجية الصهيونية. وحتى الآن، لم تصدر الوزارة ولا الشركة أي تعليق على هذه التسريبات.
 
وقد بدأت الحملة مبكرًا باللعب على وتر «الإسلاموفوبيا» في أوروبا، حيث روّجت تغريدات عديدة لساسة صهاينة، إلى جانب حسابات الكيان الرسمية، لرواية تزعم أن المهاجرين المسلمين يشكّلون تهديدًا لأوروبا. والرسالة الضمنية واضحة: على الأوروبيين أن يدعموا الكيان لأنه ـ بزعمهم ـ يتولّى قتل المسلمين!
 
نشر حساب «إسرائيل» على منصة تويتر باللغة العربية بيانًا يَعرض فيه عدد المساجد في عموم أوروبا، وأرفقه بعبارة تقول: هذا هو الوجه الحقيقي للاستعمار، وهذا ما يحدث بينما أوروبا غافلة لا تكترث لهذا الخطر. وفي السياق نفسه، غرّد رئيس الوزراء الصهيوني السابق نفتالي بينيت الشهر الماضي قائلاً: أوروبا تتجه نحو الأسلمة. كما غرّد مجرم الحرب نتن ياهو قبل أسبوع مهاجمًا رئيس الوزراء البلجيكي دي ويفز، واصفًا إياه بأنه «زعيم ضعيف يسعى إلى استرضاء الإرهاب الإسلامي بالتضحية بإسرائيل»، مضيفًا: إنه يريد إطعام التمساح الإرهابي قبل أن يلتهم بلجيكا.
 
ومن يتابع المشهد السياسي يلحظ أن الكيان يواجه خطرين رئيسيين: أولهما داخلي يتمثّل في حالة الانقسام العميق التي تعصف بالمجتمع الصهيوني، وثانيهما خارجي وهو تراجع صورة الكيان في العالم. ونأمل أن يتحوّل هذا التراجع إلى كرة ثلج تكبر مع الوقت، فتُفرز في النهاية مشهدًا سياسيًا دوليًا أكثر مناهضة للكيان.
 
نحن أمام كيان بشع، مجرم ولئيم، ومن الطبيعي أن يسعى إلى تحسين صورته، لكن أن يكون ذلك على حساب الآخرين وتشويههم فهذه هي الكارثة. وللأسف، هذا ما يجري بالفعل؛ فقد بدأ تنفيذ المشروع، وسيؤتي ثماره بعد وقف المجزرة ونسيان قصة غزة. وقد نشهد في المرحلة المقبلة عمليات إرهابية تُنفَّذ باسم الإسلام، لا هدف لها سوى تشويه صورة المسلمين، ومحاربتهم، ودفع العالم إلى طردهم وإقصائهم.
 
وتُظهر هذه الدراسة بجلاء أن هناك شركات صهيونية تعمل في مجالات الدراسات والعلاقات العامة والدعاية، تخدم المشروع الصهيوني بما لا يقل أهمية عن دور «إيباك». وهي جزء أصيل من المجمع العسكري ــ تمامًا كصناعة الأسلحة والساسة الفاسدين ووسائل الإعلام الموجَّهة.
 
وأمام هذه الدعاية المسمومة، علينا أن نواصل فضح الكيان عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فحتى وإن كنا أفرادًا في مواجهة آلة دعائية ضخمة، فإننا معًا ــ بإذن الله ــ قادرون على هزيمتهم.